الفنان عبد المالك كريناح

من مداعبة التّربة والطّين إلى الزّخرفة والمنمنمات

تميز الفنان عبد المالك كريناح المختص في الخزف عن غيره من العاملين في هذا المجال بالبحث باستمرار عن الجديد والأجمل في إبداعاته، والغوص في خفايا هذا الفن العريق لإضفاء لمسته الخاصة على أعماله التي تقترب من الفن التشكيلي في الطرح.
منذ أن بدأ كريناح العمل في هذا المجال الفني، الذي جذبه منذ الصغر وهو يحاول إبراز خصوصيات مادة الطين، هذه المادة التي كانت سندا للإنسان في العصور القديمة، ومازالت حاضرة اليوم في حياته في السكن ومستلزمات البيوت كالأواني والأطقم، وكذا مختلف أنواع الديكور.
وما زال الفنان، ابن العاصمة، يتذكّر كيف كان وهو في الابتدائي يغادر المدرسة ليلتحق مباشرة بحديقة حيه ليشبع شغفه في مداعبة التربة والطين، ويتسلى بتشكيل بعض الأشياء البسيطة، وتشاء الصدف أن يلتقي بأحد أبناء حيه جمال لحلو، الذي كان يشتغل بمتحف الفنون الجميلة، والذي شجّعه كثيرا على دخول هذا المجال.
كان لذلك اللقاء وقع كبير في نفسية الطفل وتحول مصيري في حياته، فبتشجيع منه بدأ يتردّد بعد الدراسة على ورشة في المتحف المذكور مخصصة للخزف والفخار، وقد كانت تجربة غنية حيث سمحت له بإبراز قدراته وموهبته في تطويع هذه المادة ليس فقط لتشكيل أواني وأطقم جميلة ومزركشة، بل وأيضا لاستنطاق الطين وجعله يروي حكايات وأحداث عن التراث والأصالة.
بدأ الفنان الصغير في مداعبة الطين ونموذجة بعض الاشياء ثم كبر وكبرت معه هذه الهواية وهذا الطموح، في سرد الكثير من الحكايات المتعلقة بتاريخ وثقافة وتراث الجزائر باستعمال الخزف، ولعل أكبر دليل على تفرد عمله هو تحفته المعنونة بـ»أصالة فن الخزف في الجزائر»، والتي مكنته من استغلال هذه المادة في أعمال قريبة في رسالتها من الفن التشكيلي.
كما استعمل في هذه التحفة العملاقة التي تفوق ثلاثة أمتار والمعروضة بالصالون الثاني للخزف الفني بقصر الثقافة بالعاصمة، تقنيات معقدة جدا، وذلك من ناحية التصميم والشكل والتركيب وكذا المواد الأولية، حيث أدخل عليها عناصر أخرى كمادة الفضة كتحية منه لحرفة صناعة المجوهرات.
وتتميز أيضا هذه التحفة، التي قدمها في شكل مزهرية ضخمة، بتنوع في الشكل والسندات وأيضا الموضوع، فهي مصنوعة من الطين ويميزها لون الأرض مع وشاح أزرق يرمز لثقافة ولباس الطوارق، وقد زيّنت برسومات الطاسيلي ناجر إلى جانب رموز وأشكال تعكس زربية منطقة ميزاب بغرداية.
كما استخدم كريناح المنمنمات والخط العربي لتدوين أسماء شخصيات مؤثرة في تاريخ الجزائر، مثل تينهينان وطارق بن زياد وفاطمة نسومر والشريف بوبغلة وغيرهم، إلى جانب حروف التيفيناغ، بينما يعلو قمة التحفة علم الجزائر.
ويشرح الفنان أن التقنيات المستعملة في إنجازها معقدة سواء من ناحية تحضير وتركيب المادة الأولية أو من ناحية التصميم والأشكال.
يذكر أنّ هذا الفنان، المولود في 1982 قد صقل موهبته بتكوين ثري ومتنوع على أيدي فنانين كبار في فن الزخرفة والمنمنمات والأرابيسك، وتعلم على أيديهم تقنيات هذا الفن وأيضا القولبة، كما أجرى أبحاثا في هذا المجال، ويسعى حاليا إلى تثمين هذا التكوين بمسايرة المستجدات والاطلاع على واقع هذا الفن في العالم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024