نظم، أول أمس، المركز الوطني للفنون والثقافة قصر رؤساء البحر حصن 23 في إطار اليوم الوطني للذاكرة، المخلد لمجازر الثامن ماي 1945، ندوة تاريخية من تنشيط مؤرخين وباحثين في الحركة الوطنية أحمد عظمي ومحمد الأمين بلغيث، تم فيها استذكار محطات رسمت نضال الشعب الجزائري بأحرف من دماء، حيث أخذت كلا من منطقة بني عزيز وڤالمة حصة الأسد في مسار الندوة الموسومة بتصوير فظاعة ووحشية العدو الفرنسي، والمليئة بالإثارة والألم والدموع والعبر، وذلك من خلال إلقاءات شعرية لكل من الشاعرة صليحة خليفي والشاعرة كريمة مختاري.
نشط اللقاء الثقافي التاريخي كلا من الدكتور والباحث في العلوم السياسية والخبير العسكري، الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية بكلية الإعلام والاتصال جامعة الجزائر 03 أحمد عظيمي، والمؤرخ والأكاديمي محمد الأمين بلغيث، حيث حملت مداخلتهما التي تدخل في إطار اليوم الوطني للذاكرة، حيثيات لم يتطرق إليها كتِّاب التاريخ، ناهيك لما تمثله الحادثة من مأساة حفظتها الذاكرة العالمية، وواحدة من أبشع صور الإجرام الذي مارسته قوى الاحتلال الفرنسي الغاشم على الشعب الأعزل، والتي أصبحت بالتوازي أحد الأسباب التي فعلت المسار الثوري وعسكرة المقاومة الوطنية، فكان الاستقلال هدفا بلغته التضحيات وفصول النضال الطويل.
بني عزيز وجرائم الانسانية
استعرض الدكتور أحمد عظيمي في مداخلته منطقة «بني عزيز « وهي بلدية تتبع إداريًا لولاية سطيف وهي مقر دائرة بني عزيز، كانت تسمى بـ»شيفرول» في الفترة الاستعمارية، وبعد الاستقلال اطلق عليها اسم «عرباون» ثم «بني عزيز» والتي تبعد عن مقر ولاية سطيف بـ60 كلم وعن الجزائر العاصمة بـ330 كلم، وفصل في الموضوع بشهادات حية وبمصادر موثوقة تحمل في طياتها مأساة هذه المنطقة التي تعرضت لأبشع جرائم عرفتها الانسانية، والتي للأسف لم يتناولها المؤرخون كما يجب، حيث انتقم المستدمر الفرنسي من أهاليها فردا فردا بلا أدنى شفقة أو ذرة رحمة، لا لشيء سوى أن أهالي المنطقة رفضوا الخنوع وأبيدوا من خلال خطة خبيثة المتأتية من المنابع الاستنكارية الكبرى المتمثلين في جنرالات وجيش فرنسي، حيث لم يتجرع إهانة أهالي بني عزيز البواسل الذين كانوا كرجل واحد في مواجهة العدو الذي لم يهضم انهزامه على يد هذه المنطقة العصية على الاستعمار لمدة قصيرة لا تتعدى ثلاثة أيام.
أضاف المتحدث، بعد الانتفاضة الشعبية التي كانت نتيجتها استقلال بني عزيز خلال يومين كاملين 08 و09 ماي 1945، فكر المستعمر في خطة يغامر بها لترويض الأهالي الذين انتقلوا إلى الجبال بعد ما تعرضوا له من مواجهات من طرفه، وبالتالي نجح في إقناع الأهالي بالعودة إلى ديارهم، قائلا بإن ذلك ليس حبا فيهم بل دفاعا عن مصلحته التي دعته إلى انتهاز الفرصة، حيث أنه بعدما ضمن لهم الأمان المزيف، وصار الأهالي بين يديه مجددا لم يتوان لحظة في الانتقام من هذه الوجوه التي أرعبته يومين كاملين وجعلته يضرب أخماس في أسداس شر انتقام، وبوحشية سجلت في تمام يوم 10 ماي بشاعتها ودناءة مقترفيها الذين لا يفقهون إلا في النيل من شعب أعزل أُجبر قبل لحظات من استشهاده وارتقاءه على تغيير قبلته وعلى شتم رموز الكفاح.
مجريات دامية بقالمة
من جانبه، اختار المؤرخ والأكاديمي محمد الأمين بلغيث أن يكون محتوى مداخلته حول «ڤالمة» التي عرفت هي الأخرى مجريات دامية، وفصول أحداث عصيبة عاشها الأهالي المستهدفون جميعهم كبيرهم وصغيرهم، رجالهم ونساؤهم من طرف الاحتلال الفرنسي، الذي كان يسعى في كل مكان من هذه المنطقة إلى إبادة الروح الوطنية بكل ما أوتي من قوّة، فبعدما اكتشف بأن سر قوة الأهالي المتمثلة في الروح الوطنية التي أرهقت محاولاته، وأتعبت تخميناته في الوصول إلى مصدرها، توجه إلى بيوت الله التي يشرف عليها رجال الدين الذين كان لهم الفضل في نشر الوعي، وفي اتساع هوة اللاإستسلام لعدو الأرض والدين والسلام، فعمد إلى تنفيذ القصاص من رجال الدين.
في ذات السياق، أشار المتحدث إلى واقعة لا تقل قساوة عن سابقاتها، حيث أن شهر ماي الأسود سنة 1945 والذي يعتبره الكثير من المؤرخين بأنه قاطرة الثورة، يعج بترسبات تاريخية مؤلمة تلطخت بها أيادي المستدمر الذي بالرغم من تفننه في التنكيل لم يجن إلا الهزيمة والخزي والعار، مقدما أمثلة عن شناعة الأساليب التي كان ينتهجها مغتصب الأرض في حق الشعب الجزائري، قائلا: «شهدت منطقة عين الكبيرة على غرار واقعة بلدية هيليوبوليس التي تحولت إلى محرقة بشرية، حيث رميت جثث الأبرياء في فرن الجير، جريمة ستبقى وصمة عار في التاريخ، حيث قام المستعمر بعدما اعتقل أكبر الأئمة وأبناؤه وأحفاده على تجريده من الثياب وحلق لحيته، لينتهي به الأمر إلى ذبحه ثم تقطيع جثته إربا إربا كانت طعاما يوميا للكلاب».
