أكّد الكاتب والشاعر الأمين حجاج أنه لا يمكن الحديث عن وضع ثقافي مزدهر، دون تحقق شرطين أساسين وهما نقد وإعلام متخصصين، فهما وجهان لعملة واحدة، حيث يمكن من خلالهما قياس مدى تنوع الوضع الثقافي في أي بلد ومدى ازدهاره، معتبرا أن تسليط الضوء على الإعلام الثقافي، ضرورة ملحة، على اعتبار أنه من دونه لا تسير مركبة الأدب، المسرح، السينما، الفن التشكيلي أو دون ذلك من الفنون.
قال الكاتب حجاج في حديث لـ «الشعب»، إنه في عصر السرعة الرهيبة، والتطور السريع، والانفتاح على العالم، لا سيما في العشر سنوات الأخيرة، أصبح من الضروري جدا تكفل مؤسسات إعلامية بالشأن الثقافي ودواليبه، تسهر على تقديم مادة دسمة للمجتمع بشتى أطيافه، مشيرا إلى أن الفرد لم يعد بالفرد المجتهد بل يعتمد بشكل كلي على ما تقدمه له وسائل الإعلام بشتى أنواعها.
وأكد في ذات الشأن، على حتمية وجود إعلام متخصص للذهاب لإعلام ثقافي منتج ومؤثر، قائلا «لابد أن يكون متخصصا، وإلا لا جدوى من وجوده الذي يشبه عدمه، فهنا لا نقصد بصفحة ثقافية في جريدة عامة يحرر مقالاتها صحفيو الأقسام المحلية والوطنية، أو فقرة عابرة في قناة تلفزيونية»، مضيفا «الجزائر تكاد تكون الدولة الوحيدة التي لا تملك قناة متخصصة في الشأن الثقافي، أو جريدة تعنى به، إذا استثنيا الإذاعة الوحيدة الموجودة عبر الأثير، علما أن الزخم الكبير الذي تعيشه الساحة الأدبية والفنية في الجزائر كبير جدا، على غرار ما تقدمه كل دخول ثقافي من آلاف العناوين والمؤلفات في شتى التخصصات، فكم يا ترى من وسيلة إعلامية ثقافية متخصصة لمواكبة كل هذا الاكتظاظ بمفهومه الإيجابي في الساحة الثقافية الجزائرية، ولحد الساعة لا تملك وزارة الثقافة قناة رسمية على الأقل عبر اليوتيوب لتقديم ومتابعة وتغطية نشاطاتها التي تشرف عليها، وتنفق لأجلها أمولا ليست بالقليلة».
كما تحدّث أمين حجاج عن وضع الإعلام الثقافي في الجزائر الذي يعيش دورة غير طبيعية، مبرزا أنه كان من الأصح أن يقدم الوجوه والأسماء إلى الساحة، «فهو يعتمد بشكل شبه كلي على ما تقدمه هذه الساحة ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو علامة من علامات عدم امتلاكنا لإعلام متخصص في الشأن الثقافي ومؤثر به، بل متأثر به وهي نقطة سلبية»، مشددا على أن الفرد يعتمد بشكل كلي على ما يتم تقديمه له عبر وسائل الإعلام ويستهلكه دون غربلة، متسائلا إذا كان الإعلام في حد ذاته يأخذه دون غربلة؟ ليؤكد في ذات السياق أن الإعلام الثقافي له خصوصيته، مسترسلا كلامه بتجربته الخاصة مع ممارسة الإعلام الثقافي من خلال الملحق الثقافي «جسور»، الذي أسسه سنة 2013، وأشرف على تحرير ثلاثين عددا منه، ورئاسة تحرير «المدينة نيوز» الجريدة المتخصصة والخاصة بتظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، مشيرا إلى أن أكبر عائق واجهه هو المادة الإعلامية في قالبها الثقافي، وأن أغلب الأقلام الصحفية التي تشرف بالعمل معها، ورغم كفاءتها كانت تجد صعوبة في التحول والانتقال من القسم المحلي أو الوطني على سبيل المثال إلى القسم الثقافي، معتبرا تغطية عرض مسرحي لا يشبه تماما تغطية خرجة ميدانية أو حادث مرور، وإجراء حوار مع كاتب أو موسيقي أو فنان تشكيلي، يستلزم الإلمام بمساره ومسيرته ومجاله إلماما كافيا، للحصول على مادة ثقافية دسمة.
كما أكد أن العمل في مجال الإعلام الثقافي يحتاج تكوينا خاصا أكاديميا وميدانيا، سيما وأن الساحة الإعلامية الجزائرية تفتقر له، وأنّ الصحفيين المتخصصين في ذلك يعدون على أصابع اليد، مضيفا أن كثيرا ما كان هذا النقص يستدركه الأكاديميون كل في مجاله، حيث أن الأديب يكتب حول الأدب، والمسرحي يكتب حول المسرح والفنان التشكيلي يخوض في الفن التشكيلي، ليتأسف على التأخر الكبير في إنشاء إعلام ثقافي خاص ومتخصص مقارنة بدول أخرى، والتي قطعت شوطا كبيرا في المجال، وتمتلك من القنوات والجرائد والإذاعات بدل الواحدة عشرة، وهذه نقطة سلبية كانت ـ حسب المتحدث ـ عائقا كبيرا في ترويج وتصدير ثقافتنا لبعضنا البعض، «فما بالك بتصدير أدبنا وموسيقانا ومسرحنا وفننا التشكيلي للرقعة العربية والعالمية.