نصوص وطّار نجحت لأنّها تُعبّر عن هوية
يتحدث الكاتب جلال حيدر في هذا الحوار الذي خص به «الشعب ويكاند « عن روايته الجديدة «الخميس الشاحب»، الصادرة عن دار «ومضة « للنشر والتوزيع، والتي استقاها من أحداث واقعية جرت في منطقته، عائدا بنا إلى تلك الأماكن المنسية في كتابات المؤرخين، ليروي تجارب البسطاء الذين لم يدون التاريخ حكاياتهم ولم يسجلهم في دفاتره الضاربة في عمق الزمن بكل عمق وصدق، فالكتابة عن التاريخ بالنسبة له عمل نضالي ومقاومة بالدرجة الأولى. جلال حيدر شاعر وكاتب من الجيل الجديد، من مواليد 1989 بمدينة خنشلة، كتب العديد من الأشعار، من أهم أعماله رواية «المذياع العاق» ورواية الخميس الشاحب».
الشعب ويكاند: كيف راودتك فكرة كتابة روايتك «الخميس الشاحب « الصادرة عن دار «ومضة « والتي لاقت إهتماما كبيرا من طرف القراء خلال معرض الجزائر الدولي للكتاب في طبعته 24؟
الكاتب جلال حيدر: كنت قد قرأت قبل سنوات كتاب «المرأة الشاوية في الأوراس» لماتيا غودري»، حيث كتبت تصف قبيلة «بني ملول» بأنهم عنيفون وغيورون جدا، هذه العبارة استفزتني ودفعتني للبحث عن المنطقة وتاريخها، وحين قرأت الكثير مما كتبه الانثروبولوجيون الفرنسيون عن المنطقة وساكنيها، أدركت أنه قد طالها الكثير من الإجحاف، وأنها نصوص تحمل نظرة ازدرائية للمنطقة، بحيث ينظر إليها ككائنات متسخة، وغير مهذبة. وهي نظرة قيمية عنصرية، لقد اعتبرت هذه الدراسات غير موضوعية أن قبيلة «بني ملول» لم يكن بإمكانها عبر تاريخها أن تؤسس دولة مستقلة، وقبل ذلك نقل الحسن ابن الوزان صورة أيضا قاسية عنها للإيطاليين.. ومن هذا المنطلق بدأت تتشكل لدي معالم هذا العمل الروائي، وأخذت تظهر الشخصيات أيضا في مخيلتي، وتقتحم أحلامي، كأنها تحتج ، لقد أحييت ملكة اسمها «حبثة»، كانت تحكم هذه القبيلة في زمن آخر، ثم إنني أعرف جيدا المكان الذي كتبت عنه، أعرفه شبرا شبرا، ومشيته على قدماي الإثنتين، مشيت عشرات الكيلومترات، كما كان «بنو ملول» يفعلون في فترة الأربعينيات، وقابلت الكثيرين ممن عايشوا الأحداث الواقعية التي كتبت عنها..أعرف الناس الذين تحدثت عنهم، أعرفهم بشكل عميق جدا. لهذا فالكتابة عنهم ضرب من ضروب النضال والمقاومة، دائما هناك أبطالا غير معروفين، يقبعون في زوايا التاريخ، هذه مهمتي، لأعيدهم إلى الحياة من خلال رؤيتي للأمور دون إغفال التاريخ.
- في رواية «الخميس الشاحب» هناك طفل يروي الأحداث، لماذا؟
إنطلقت من البراءة، من الذي يدوّن الأحداث في مخياله دون أدلجة أو انحياز إلى طرف على حساب الآخر. أردت أن أعود إلى الثورة بعيون الأطفال، بعيون صغارها. في الغالب الكبار يخفون أسرارهم عن الصغار، ظنا أنهم لن يفهموها، أنا عدت إلى الثورة من هذا المنطلق، جعلت من الطفل وبراءته وعفويته مركزية شخصية لأنقل بعينه تفاصيل الحياة آنذاك، كما راهنت على تعدد الأصوات في الرواية، لأنّ الأحداث متشابكة، ولا يمكن فهمها إلا من خلال منح الشخصيات أصواتا لتعبر عن أفكارها.
- اخترت أن تكون أحداث روايتك الأولى «المذياع العاق» متعلقة بفترة التسعينيات في الجزائر، لكن في روايتك الثانية «الخميس الشاحب»، اخترت فترة الأربعينيات، لماذا؟
عندما صدرت رواية «المذياع العاق «أصبح الغلاف مطية البعض لرفضها حتى دون الاطلاع على النص، رفضت في بعض المكتبات التي زرتها والتي تعرض كتبا تحمل لوحات لنساء عاريات على أغلفتها وهي مكتوبة بالفرنسية، لهذا لا تزعج أحدا، المسألة أننا نقدس اللغة العربية. وهذا منطق أعتبره ظالما للغة نفسها. رواية «الخميس الشاحب» تختلف لأنّ أحداثها تجري في فترة ما بين أربعينات القرن الماضي إلى غاية نهاية الخمسينات، وهذا جعلني أتناول فترة مختلفة عن تلك الفترة التي عالجتها في «المذياع العاق». أنا أعود دائما إلى الجانب الذي أهمل في الكتابات، إلى الزوايا المظلمة من التاريخ. يهمني أن أقدم نصا يمتلك قيمة جمالية ومعرفية، أما هذه الجدالات فهي آفلة.
لماذا يميل بعض الكتاّب الشباب في الجزائر للعودة إلى التاريخ أكثر؟
نحن جيل كما ذكرت لك وجد أمامه الكثير من الخراب ويجب أن ينبش فيه بحثا عن رؤية واضحة لما حوله، مجتمعنا تشكله هذه الصراعات، التي يجب أن نفهمها في سياقها الذي ظهرت فيه بالعودة إلى مصادرنا نحن أي بالعودة إلى الذاكرة الشعبية مثلما فعلت في روايتي «الخميس الشاحب»، وخاصة علينا أن لا نكتفي بقراءة ما كتب عنا من طرف الآخر الغازي والمستعمر وأقصد بهذا الكتابات الأنثروبولوجية الفرنسية التي أنجزت خلال فترة غزو فرنسا للجزائر لأنّها قائمة على نظرة عنصرية، والغرض الأساسي منها كان إظهار أن الجزائريين لا يملكون ثقافة وأن فرنسا ستثقفنا وأنها تحمل الحضارة في حين أنها لم تحمل غير الدمار والخراب، فهي من فكك نسيجنا الثقافي، لهذا أرى أن مهمة الجيل الجديد من الروائيين الشباب تكمن في العودة إلى التاريخ من خلال مصادرنا التاريخية، يجب أن يقدموا إضافة جمالية حقيقية في الأدب الجزائري.
- لكن كيف تعود إلى حقبة لم تعشها..؟
الرواية التاريخية من أصعب أنواع الكتابة، لكنها ليست مستحيلة، لقد كتب امبرتو ايكو «اسم الوردة» بالعودة إلى تاريخ الكنيسة، وكانت من أعظم النصوص الحديثة.
- تناول الكثير من الروائيين الجزائريين مسألة هويتنا الثقافية كيف ترى أنت هذا الموضوع؟
بصراحة، أقرأ نصوصا كثيرة، ممتازة من حيث الجانب التقني، لكنها تفتقر إلى هوية، عندما تقرأها لا تفرق بين أسلوبها، وبين أسلوب كاتب آخر من الخليج، رغم أنّ هؤلاء يمتلكون خصوصية في نصوصهم، ولا يخشون استعمال الدارجة. أنا أحاول أن يكون لنصي أسلوبا خاصا، وهوية خاصة بي أنا، وهوية خاصة بمخيلتي، أنطلق منها، أحاول أن أمزج كل اللهجات، كل اللغات، لأصنع نصا جزائريا. نجحت نصوص وطار لأنّها تمتلك هذه الهوية، ونجح ياسين، ومولود فرعون، لأنهم يمتلكون هذه الخصوصية.
- حراك.. كورونا.. ثم أزمات عالمية.. كيف ترى هذا التحوّل؟
دائما أعود للتاريخ، الثورة أنتجت جيلا آخر، ربما غيور أكثر من اللازم على الجزائر، لهذا وقعت أحداث أليمة. الحراك أيضا أنتج جيلا غيورا أكثر من اللازم على الحرية، وكورونا أنتجت جيلا خائفا أكثر من اللازم على الصحة. أتمنى أن نواجه هذه المرحلة بعقلانية فقط. هذه الجزائر وهذا الشعب يستحقان الأفضل دائما.
- ما رأيك في الأعمال الدرامية الرمضانية؟
تركيا أسرفت في الإنفاق على الدراما، وصنعت لبلدها سفيرا في كل مكان، وهذا أنعش اقتصادها، لأنّه خدم السياحة أيضا. سوريا أيضا، حتى أنّ الجزائريين يعرفون اللهجة السورية، لكن السوريين لن يفهمونا أبدا، الموسيقى التركية أصبحت معروفة، المصريون أيضا، واستغلوا الدراما لرفع معنويات جيشهم، صنعوا له أبطالا ورموزا. مثل رأفت الهجان. نحن نعرف كل شيء عنهم، لكنهم يجهلوننا، رغم أننا نمتلك أبطالا عظماء، ونمتلك مواهب تستطيع أن تقدمهم إلى العالم، أتمنى أن نرى الأفضل في السنوات القادمة..