قال إن أصحابها لا يدركون مفهوم الإخراج المسرحي

بـوخـليـفـة يستهـجـن فكرة أولويــة السينوغــراف عـلى المخــرج

أسامة إ.

يتساءل الأستاذ بالمعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري ببرج الكيفان د.حبيب بوخليفة، عن السبب/الهدف من وراء الخلط بين أدوار المخرج المسرحي ودور السينوغراف، والحديث عن أولوية هذا الأخير على المخرج. ويذهب بوخليفة إلى القول إنه ‌ينبغي على الذين يقترحون فكرة أولوية السينوغراف على المخرج، أن يدركوا أولا خصائص المخرج والإخراج، وأن يفرقوا بين التراجيديا والكوميديا، وأن يتعلموا ماهية عملية الإخراج عبر العصور في التجارب المسرحية البشرية، ويفهموا عمق وجوهر الفعل المسرحي وأدواته المختلفة في تركيب العرض

يعرّف د.حبيب بوخليفة، يعرّف الإخراج على أنه تحويل النص المكتوب إلى نص منطوق، نابض بالحياة في العرض والفضاء المسرحي، وهو أساسا قراءة وكتابة ثانية للكتابة الأولى سواء تعلق الأمر بنص مكتوب أو ذهني، وهو القدرة على الرؤية المركبة التي تنسجم فيها كل المفردات الفنية الأخرى التي تصاحب العرض المسرحي. فالمسرح بدأ بالممثل وما يزال مستمرا به، فهو العنصر الأساسي والجوهري في تقديم العرض، وبدونه ليس هناك مسرح على الإطلاق.
ودائما بحسب منشور بوخليفة، فإن الرؤية الفنية الجمالية والفكرية واحدة في كل الحالات، لا يمكنها أن تتجسد خارج الشخص الواحد الذي يقودها منذ البداية، ابتداءً من اختيار النص أو التناص إلى غاية تقديم العرض أمام الجمهور، فالسينوغرافيا هي جزء من مجموعة المفردات الفنية المهمة في تصميم العرض، بحسب التعريف العلمي لهذه الوظيفة. وبهذا، فالسينوغرافيا علم وفن يهتم بالاشتغال على الفضاء المادي وتأثيثه ركحيا، ويهندس الفضاء المادي المسرحي من خلال استنطاق انسجام مشهدي بين ما هو سمعي وبصري وحركي، بتوظيفها للديكور والاكسسوارات والماكياج والأزياء وتشكيل الصوت والإضاءة، والمؤثرات الأخرى المختلفة في تصميم العرض. وتعتمد هي الأخرى على عدة علوم وفنون متداخلة في نسيجها كفن المكياج والخياطة والنجارة والحدادة وفن التشكيل والكهرباء والفوتوغرافيا والموسيقى.
سينوعرافيا المادة لا الروح
بعبارة أخرى فإن السينوغرافيا فن يلتزم أساسا بالجانب المادي للعرض المسرحي، ويقوم بدور هام في إثراء الفضاء المسرحي وإغناء العرض من أجل تحقيق إبهار المتفرج.
وإذا كانت السينوغرافيا تهتم بالجانب الهندسي المادي للفضاء، يضيف بوخليفة، فإنها غير ملزمة بالجانب الروحي للعرض وهنا نقصد جوهر الفن المسرحي: الممثل والتشخيص والتحليل وإدارة الممثل التي تعتبر الجزء الأكبر من عملية الإخراج. وهذا ليس معناه أن الإخراج عملية تابعة للسينوغرافيا أو التأليف أو الاقتباس أو الإعداد، بل هي عملية فنية مستقلة بذاتها، فأدوات الكاتب هي الحاسوب أو الورق والقلم والكلمات، بينما أدوات المخرج أكثر تنوعا، هي التفكير والمعرفة الواسعة والرؤية والمواقف والالتزام والقيادة والتشكيل الواسع للوجود فوق الخشبة المسرحية أو الفضاء المسرحي، تتمثل أساسا في العمل مع الممثل (الإنسان) بالدرجة الأولى، فالمفردات الفنية المختلفة كالديكور والإضاءة والأزياء وفنون بصرية وسمعية مختلفة، يوظفها ويوزعها، بطريقة متضافرة في وحدة متكاملة في إبراز ما عجزت عنه اللغة والكلمة وحدها، والمخرج هو الذي يرتب وينسج هذه الوحدة بدقة مبررة ومستوى جمالي عالٍ.
لكي يصل المخرج إلى هدفه يتعامل حتما مع كل تلك الاختصاصات، يؤكد بوخليفة، لأن المسرح فن مركب، يعتمد على جهود الجماعة. يكفي أنه ملزم بالوحدة المنسجمة، فهو يشبه الطبيب الجراح، الذي لا يمكنه إجراء العملية الجراحية دون طقم الأطباء الاختصاصيين الآخرين، ولكن هو يقود العملية الجراحية لوحده وعليه تقع مسؤولية حياة البشر أو موتهم بعد العملية.
يسهر المخرج على إبراز العرض على شكل ومضمون منسجم الوحدة، دون نقصان أو زيادة، فإذا خرج المشاهد وفي ذهنه فقط أن الديكور والمناظر جميلة والإضاءة والاكسيسوارات ساحرة، فهذا معناه عدم وجود انسجام بين عناصر العرض كالتمثيل والإلقاء والريتم، ما جعله يتذكر الديكور على حساب بقية العناصر، وهذا خلل في الوحدة العضوية للرؤية الإخراجية. ما يعني أن السينوغراف كان أقوى بكثير من المخرج  وأن السينوغرافيا لم تكن مرتبطة بالفكرة الموجودة في النص وبالشخصية وبالوضع النفسي والفكري، أي أنها لم تكن خادمة لأفكاره.
ولا حدود لمسؤوليات المخرج المسرحي، فهي تتربع بين إدارة الفريق العمل وفكرية وفنية جمالية، تظهر في صياغة الأفكار والشكل الفني للعرض وتقنية واعية تظهر في المشاركة الوثيقة في تصميم وتنفيذ المؤثرات المسرحية المختلفة والديكور والإضاءة والتمثيل والصوت. ينبغي على المخرج الفاعل المتميز أن يسعى حتما ودائما إلى تطوير ثقافته العلمية والفنية والدينية والحرفية المهنية.
خصوصية جزائرية؟
يرى بوخليفة أن فكرة إلغاء أولوية وظيفة المخرج أو التقليل منها واستبدالها بالسينوغراف، فكرة «جزائرية» بحت. لم نقرأ لعمالقة الفن السينوغرافي على غرار جوزيف سفابودة أنه نفى أو قلل من مركزية المخرج، بالرغم من أنه من الأوائل الذين أعطوا القيمة الأساسية في تركيب العرض، وأحيانا كان يقوم بتصميم عروضه في تجاربه المختلفة. ومنذ منتصف القرن العشرين عندما أصبحت السينوغرافيا في تطور شائع وملزم لم نسمع أن أحدا من السينوغرافيين قلل من دور وظيفة المخرج التي تسببت في تنوير مفهوم السينوغرافيا. ثم نتساءل هل نحن نملك سينوغرافيين بالمفهوم الدقيق للكلمة؟ فالفكرة شاذة مثل فكرة تصميم عرض بمائتي ممثلا وممثلة على الخشبة المسرحية، لم يحدث هذا منذ أرسطو إلى اليوم.
وكلما تطورت أساليب السينوغرافيا والمفردات التقنية الرقمية الأخرى  تتطور أساليب الإخراج. الجدير بالذكر أنه يمكن للسينوغراف أو الممثل  أن يصبح مخرجا أو حتى لمساعد المخرج إذا كان يرغب في ذلك وتتوفر فيه شخصية المخرج وليس كما يحدث عندنا على مستوى المؤسسات العمومية، حيث الممثل الرديء يدك في وظيفة مساعد مخرج، لأنه لا يصلح لا للتمثيل ولا للإدارة.. «لقد فرضت البيروقراطية التعيسة قيم ومعايير الحشو في سياسة الترقيع الظرفية حيث لا قيمة للثقافة والفنون»ـ يخلص بوخليفة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024