الفنانة جهيدة لـى« الشعب»:

فخر لـنا أن نحافـــظ على هويـتـنا ومقـومـاتهـا من أجل ايــصال ثـقافـتنا للغير

حوار: سعيدي محمد امين

 رفضـت تـــغـيــير اسمي لولــوج الــعــالمـيــة

تحدثت الفنانة جهيدة في حوار مع «الشعب» عن مسيرتها الفنية والاعلامية، وجولاتها بمختلف الدول العربية، مشيرة إلى أنها رفضت سابقا تغيير اسمها من أجل تحقيق النجومية والوصول إلى العالمية حين كانت بمصر، ودعت الفنانة الجيل الصاعد للحفاظ على الأغنية الملتزمة والسير على نهج من سبقوهم في هذا المجال، حفاظا على الهوية الوطنية ومقوماتها وإيصال الثقافة الجزائرية إلى الآخر..

- «الشعب»:  كان حضورك مميزا في الطبعة الثانية للمهرجان الثقافي الوطني لموسيقى وأغاني المرأة بالنعامة؟
 جهيدة: أهلا وسهلا، أنا سعيدة جدا لتواجدي بالنعامة وبينكم اليوم، كان لي الشرف أنني تعاملت مع شيوخ كبار أمثال الشيخ بلاوي الهواري، احمد وهبي، محمد بوليفة، شريف قرطبي، معطي بشير والقائمة طويلة جدا، حتى من المغرب العربي والمشرق مثل مصر وسوريا، الأكيد أنني جئت إلى ولاية النعامة وشاركت في الطبعة الأولى للأغنية النسوية في شتى طبوعها.
 وكنت قد قدمت عدة وصلات غنائية مع الفرقة الموسيقية من مدينة وهران، وهذه الطبعة الثانية، قدر الله أن أزور النعامة للمرة الثانية مع سكانها وأبنائها، وأنا أقول دائما أن هذه الأرض الطيبة تجمع أناسا طيبين، واليوم حظت بهذا التكريم وأقولها لك بكل صراحة انه لأول مرة أكرم بصفة رسمية من وزارة الثقافة خاصة مدير الثقافة لولاية النعامة سعد ميهوبي، والذي قدم لي هذه الفرصة، أشكره كثيرا على هذه المبادرة الطيبة وأنا جد مسرورة، ولا يخفى عليك أنني فنانة ملتزمة بدأت بالأغاني الوطنية، ومهرجان النعامة مميز ولأول مرة يتم تنظيم مهرجان للأغنية النسوية، حيث كانت الطبعة الأولى سنة 2015.  
- لو نسترجع معا شريط ذكرياتك، ونعود بك للأغنية الملتزمة، أو للأغنية التي تركت صداها وسط جمهورك، ونقول بدون استثناء «لميمة»^^ ااااه، هذه الأغنية غنيتها لوالدتي حينما كانت على قيد الحياة، غنيتها لأمها أي جدتي، من أجل تذكيرها بها، واليوم بعد وفاة أمي أصبحت هذه الأغنية تذكرني بها، فحينما أرغب في غنائها أبكي ولا أستطيع تأديتها، أصبحت أتأثر كثيرا حينما يطلب مني تأديتها وأقع في إحراج كبير، لأنها تذكرني بوالدتي التي توفيت منذ 04 سنوات.
 
- في محطات مرت بها جهيدة في حياتها في مجال الفن، الأكيد واجهتها عوائق، فالفنان مهما تألق أو وصل إلى النجومية، تصادفه عثرات من أجل الاستمرارية، والأكيد كذلك أنه كانت هناك تضحيات كبيرة من أجل البقاء في الساحة الفنية؟
 الفنان الحقيقي يجب أن يبقى وأن يستمر مع جمهوره، صحيح أن لكل واحد ظروفه، فنحن كنا في وقتنا نسجّل في الاذاعة ونصور للتلفزيون، كانت مؤسسة واحدة ولم يكن لدينا مشكل في تسجيل الأغاني، ولكن حاليا هنالك مشكل، فمثلا حينما تسأل هل من جديد؟ أقول لك الأغاني القديمة الكل يعرفها والجديد أين هو؟.
الجديد يتطلب دخول الاستوديو، وذلك يتطلب مصاريف كبيرة، فأغنية واحدة تكلفك 20 ألف دج، أضف على ذلك مصاريف الموسيقيين و....، للأسف لا يوجد من يدعمنا، في بعض الأحيان أسجل بعض الأغاني على حسابي الخاص، ولكن بنسبة قليلة وحتى الميدان نقص كثيرا وليس من ناحيتي أنا فقط.
-  بالنسبة لكتاب الكلمات والملحنين، خلال الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات كانت زاخرة بهم وبالعروض الفنية، حيث التبادلات الثقافية الفنية بين الجزائر والدول الشقيقة والصديقة، إضافة إلى المهرجانات التي كانت ثابتة وكانت فرصة للفنان من أجل البروز وإظهار انتاجه الفني؟
 صحيح، فأنا كانت بداياتي أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، كنا محظوظين مع مشايخنا، وربي يرحم الصايم الحاج الذي تبناني فهو من أدخلني للإذاعة وقدمني لناجي نور الدين رحمه الله، وبلاوي الهواري الذي قدم لي 45 أغنية وبعدها أحمد وهبي الذي عملت معه كذلك 4 أغاني،
لتتوسّع أعمالي وتوجهت للعاصمة التي عرفت فيها انتعاشا فنيا حقيقيا، أتذكر أننا كنا نحيي أسابيع ثقافية سواء داخل الوطن أو خارجه، كانت أول مشاركة لي خارج الوطن في عاصمة كوبا - هافانا ـ بقيادة رئيس الفرقة الموسيقية شريف قرطبي، شريكي عبد القادر، محمد العماري رحمهم الله، إلى جانب شاعو عبد القادر ونوارة.
وبعدها بأسابيع أخرى زرت اليمن وتونس التي مكثت بها وسجلت فيها عدة أغاني مع الملحن كافي قاسم الذي قدم لي أغنية «حب المحبة بمعنى الجميل» موجودة بالإذاعة، وكذلك بشير سالمي «جبال الأوراس»، وبعدها توسعت أعمالي في ليبيا مع ملحنين ليبيين وكذلك سوريا مع الفنان المرحوم سهيل عرفة في اغنية «شو على بالك يا عمي» باللهجة السورية، وبعدها القاهرة التي مكثت بها مدة 04 سنوات، حيث أمضيت عقدا مع الفنان سمير صبري، حيث كنت أتجول معه لإحياء الأفراح أو الجولات الفنية التي كان ينظمها بالدول العربية، وقد شاركت معه في الامارات، بيروت والقاهرة، أين كان لنا كل أسبوع نشاط بالإسكندرية وهذا خلال سنة 1994 وبعدها عدت إلى الجزائر.
- خلال تواجدك بمصر قابلتي شخصية كان لها الأثر الكبير على مسارك الفني، ألا وهو الأستاذ لطفي احمد؟
 للتصحيح فقط، حين زرت القاهرة ذهبت من أجل استكشاف فقط والتعرّف على هذا البلد أم الدنيا، ولم أذهب من أجل الشهرة أو غير ذلك، ذهبت كزائرة سياحية رفقة شقيقتي مليكة يوسف، خاصة وانها سبقتني إلى هذا البلد، وهي من شجعتني لزيارة «صوت القاهرة»، حيث أخبرتني أنهم يقومون بمسابقة للأصوات الجديدة، فرفضت باعتباري فنانة معروفة، غير أنها أصرت مؤكدة أنني معروفة في الجزائر وليس في مصر، فبقيت مترددة وبعدها ذهبت إلى صوت القاهرة وشاركت في مسابقة «صوتيات ومرئيات»، وكانت لجنة التحكيم مكونة من صلاح الشرنوبي، محمد قابيل، حلمي بكر، فنجحت وتحصلت على الجائزة بعدما أديت أغاني فيروز، واخبروني انني أتميز بالعرب في صوتي، وهم يحبون العرب وبعدها امضيت معهم عقدا لمدة سنة حيث منحوني إقامة سنة كاملة، لانهم بعد المسابقة هم من يتكفلون بمصاريف الشريط أو الالبوم.
وبعد الاستفسار عن هذا الشريط، فوجئت بهم يطلبون مني المساهمة بنصف تكلفة المشروع 50 ألف جنيه، فاصطدمت بهذا القرار ولهذا توقف هذا المشروع، كما انهم طلبوا مني تغيير اسمي لأن اسم «جهيدة» ليس اسما فنيا فرفضت وانسحبت واخبرتهم انني فنانة معروفة في وطني بهذا الاسم، ولو غيرت اسمي لن اقبلها أنا أولا وثانيا جمهوري، وبعدها ذهبت إلى شركة «الخيول»، حيث سجلت بها اغنيتين الأولى «من غير دموع» من كلمات فايز حجاب وألحان وليد سعد، والثانية «مجانينك»..
العمل صعب هناك خاصة وأنني كنت مع زوجي وأمي وبناتي، العمل يتطلب سهرات إلى غاية 4 صباحا خاصة وأن سمير صبري كان كل يوم يأتيني بأغاني من أجل حفظها، كانت مشقة كبيرة، تعبت وبناتي تعبن كذلك معي، فكنت كل جمعة أذهب إلى جامع الازهر وأطلب من الله أن أعود إلى بلدي وأن أجد مهنة تناسبني..، والحمد لله استجاب الله لدعائي، حيث قدمت طلبا وكنت متحصلة على شهادة مسرح من المعهد البلدي للمسرح بوهران، فدخلت مع فرقة المسرح لمدة سنة تقريبا مع محمد عجايمي، فريدة كريم، نوال زعتر.. بعدها توظفت بالإذاعة بالمسرح الإذاعي لمدة 12 سنة، وطلب مني لاحقا أن اقدم برامج فنية بعد أن تم إحالة عناصر الفرقة المسرحية على التقاعد، فتعلمت من الاعلاميين الذين كانوا معنا ولأن الاذاعة مدرسة تعلمت من خلالها العمل الاذاعي.  
- الاستاذ عبد الرزاق سراج شخصية ثانية، كان له الأثر على مسار الفنانة؟
 سراج عبد الرزاق هو زوجي وأب بناتي، هو الآخر أخذت منه عدة أغاني، ولحن لي كذلك 5 أغاني، ساعدني حيث كان يرافقني في حفلاتي وجولاتي الفنية، يحفظ برنامجي والاغاني الخاصة بي، كما أن الانسان الذي ساعدني كثيرا وبفضله استطعت أن أواصل مسيرتي الفنية الشيخ بلاوي الهواري وكذلك صايم الحاج في بداياتي الفنية.
- معظم الفنانين الذين هاجروا إلى المشرق تأثروا باللهجة  المشرقية،.. بالرغم من انك قضيت 4 سنوات كاملة بمصر، جولات باليمن، الامارات، لبنان وغيرها، إلا أنك حافظتي على اللهجة الجزائرية بل حتى في المسار الفني لم تسلكي طريق الاغنية المشرقية، ما السرّ؟ 

بالنسبة لتأثري باللهجة، أولا حينما كنت في مصر كنت أتحدث باللهجة المصرية حتى يفهمونني جيدا، لكن خارج هذا البلد لهجتي لم تتغير، لأنه لا يوجد مثل وطنك الجزائر، كما أنه في الخليج يفهمون اللهجة الجزائرية، أضف إلى ذلك الفنانة لطيفة التونسية رغم شهرتها ونجوميتها بقيت محافظة على اللهجة التونسية، وهذا فخر لنا حينما نحافظ على هويتنا ومقوماتها من أجل ايصالها وايصال ثقافتنا للغير.
 فمثلا حينما كنت في مصر كنت أؤدي أغاني جزائرية، فينما قدمني صلاح الشربوني للتلفزيون أديت أغنية «لميمة» وارتديت لباس «الفرقاني الجزائري»، حيث انبهر الجمهور باللباس الجزائري وبالثقافة الجزائرية، بل حتى حديثي كان باللهجة الوهرانية، فالجزائر قارة من خلال تراثها، ثقافتها وتنوع طبوعها الفنية.
- في الوسط الفني الجزائري توجد أسماء قليلة جدا مازالت محافظة على هذا النوع من الغناء بعيدا عن الاغنية التجارية التي استهوت الكثير من الفنانات، باعتبار أنه كانت لكم الفرصة مع شيوخ الفن الأصيل في الأغنية الوهرانية أو العاصمي أو في اقصى الشرق الجزائري، كيف يمكن ايجاد أصوات جديدة تحافظ على هذا الفن؟
 مثلما قلت لك، بلادنا غنية لذلك لابد من إيصال ثقافتنا من أجل التعريف بها مثل السلف، قروابي حين تستمع لأغانيه تعرف أنه جزائري، حمادة تعرف أنه بدوي وهراني، نفس الشيء بالنسبة للأغنية القبائلية والشاوية.
الأغنية الجزائرية معروفة أينما حللت، لماذا جيل اليوم لا ينتهج نهج أسلافه، لماذا المشرقيين محافظين على تراثهم وثقافتهم، في رأيي تقصير من الفنانين فنحن لدينا معاهد ولنا مواهب، وهذه الموهبة ماذا تحتاج لإتقان هذا الفن، هناك دراسات أكاديمية، لنا مقامات ولنا طبوع، لماذا لا نتمسك بتاريخنا وبحضارتنا وتراثنا.
نحن أخذنا من مشايخنا الفن الأصيل، فالأغنية الوهرانية كانت بالقصبة والقلال، من أسسها وأرجعها اغنية عصرية وهرانية، الفنان بلاوي الهواري هو من أدخل عليها السولفاج مع الحفاظ على أصلها، فهو من أرجعها عصرية وأضاف عليها المقامات العربية.
- لنعد إلى سنوات الطفولة، من المتعارف عليه أن كل إنسان يتأثر بشخصية فنية يقلدها، بمن تأثرت الفنانة جهيدة؟
 في الحقيقة بدايتي كانت في البيت، كنت أتابع كثيرا الفنانة فيروز مدرستي الأولى، أما التي كنت أقلدها في اللباس والملامح والحركات هي الفنانة سميرة توفيق، من خلال مسلسل «سمرا»، كنت من معجبيها وأقلدها كثيرا حتى من ناحية تصفيف الشعر، وكذلك الفنانة اسمهان، نجاة الصغيرة، أما في الجزائر فتأثرت كثيرا بالفنانة فضيلة الدزيرية التي أحب أغانيها لحد الآن، تعجبني كامرأة جزائرية أصيلة محافظة على تراثها، هؤلاء تركوا كنزا من التراث.
لماذا لا نواصل مسارهم؟ فأنا بدأت بالفن العربي، ولكن بعد التحاقي بإذاعة محطة وهران وجهني شيوخي لتأدية أغاني وطني فبدأت بالأغنية الوهرانية، وبعد توجهي للعاصمة غنيت العاصمي وبعدها توجهت للاوبيرات.
 -  إدخال اللغة العربية الفصحى على الأغنية الجزائرية، ألا يؤثر عليها ويفقدها جمهورها، ماذا لو نترك كل شخص يغني الطابع المحلي الذي يعيش فيه، وما هي نصيحتك؟
 صحيح، أشاطرك الرأي، الفصحى أحب أن أستعملها في الملاحم الوطنية، أما الأغنية الموجهة للجمهور، فيجب أن تكون فيها قليلا من خفة الروح مثل اللهجة المحلية. أنا منتجة بالقناة الوطنية الأولى، قدمت عدة برامج فنية متنوعة منها الجزائر تغني، أنغام الجزائر، الفرصة جات، شيوخ البدوي، وحاليا أقدم حصة «وقفات فنية»، وحصة «نغمة وبسمة» للشهر الفضيل، وتتناول الأغنية الروحية في الأغنية الملتزمة والدينية، وأيضا فيها فكاهة نتذكر ونستذكر الفنانين الذين قدّموا للكوميديا الجزائرية، أمثال حسن الحسني، الحاج عبد الرحمان، حديدوان والذين قدموا ورسموا البسمة على وجوه الجزائريين.  
كانت لي طموحات كبيرة بعيدا عن الأغنية، أردت أن أواصل في ميدان التمثيل ولكن لم أجد الفرصة، بالرغم من أنني قدمت وشاركت في بعض التمثيليات، كوميديا تمثيلية مع محمد حلمي «مينوشة»، «بركة حاضنة الرسول» لمحمد عجايمي، وأعمال أخرى غير أنها قليلة جدا، حاولت المواصلة ولكن لا يوجد من يدعمك أو يساعدك فكان هذا طموحي، أما طموحي الكبير فهو العمل الإذاعي، أحب الاذاعة أكثر من التلفزيون، أجد فيه راحتي، وأعبر من خلاله عما أريده. 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024