الرّوائي مراد غزال لـ «الشعب»:

«ريغة» مصالحـــــــة مع ذاكــــــرة الأماكــــــن

حوار: إيمان كافي

 على المثقّف أن يؤرّخ لذاكرة وموروث منطقته بأسلوب روائي 

يقال إنّ الكاتب يستهل مشواره في عالم  الرواية غالبا بالسرد، وهذا ما قام به مراد غزال في روايته الأولى «سيدة المعبد، ذكرى العائدين من الورق»، قبل أن يكتب «ريغة غواية الملح والبارود»، روايته الأخيرة التي كانت أكثر نضجا، وأكّد في حواره لـ «الشعب» تسليطه الضوء من خلالها على حقبة زمنية بمنطقته وادي ريغ  بالجنوب الشرقي للبلاد، كما برز فيها بوضوح تأثره بتلك الأماكن الراسخة في ذاكرته، وكذا انعكاسها على كتاباته. وفي هذا الصدد، شدّد الكاتب على أهمية التعريف بالموروث الثقافي وإخراجه من المؤلفات الأكاديمية غير المتاحة للقارئ العادي، وصياغتها بأسلوب روائي يقرأه الجميع ويستسيغه العامة.

 الشعب: من هو الروائي مراد غزال لمن لا يعرفه؟

 الرّوائي مراد غزال: مراد غزال من مواليد المغير، خرّيج أدب إنجليزي ومؤسّس مجموعة «المغير تقرأ»، كما أشغل حاليا منصب رئيس اتحاد الكتاب بهذه الولاية الفنية.

 

* كيف بدأت مسارك الأدبي؟

**بدأت مساري الأدبي أو بالأحرى اكتشفت السارد الذي يسكنني في أيام الدراسة الجامعية، وككل شاب كنت أخط بعض الخواطر والتأملات الفكرية التي جمعتها بسنة التخرج بأول كتيب بحياتي الأدبية، عنونته بـ «آسف على الإزعاج»، ثم انتهجت الكتابة أسلوبا حياة، وبت أكتب بنهم حتى بات عندي مجموعة من الإصدارات الأدبية.

 

* يبدو أن اهتمامك منصب على القصة والرواية أكثر..لماذا؟

** لا أدري بصراحة ولكن أجد ذاتي في السرد، فكما تقول كاتبة كبيرة إن الرواية هي فن المواراة. ربما أعشق كتابة الرواية والقصة لأواري العديد من الأفكار والرؤى والمعاناة المجتمعية بشخوص من ورق، فلنقل أورط شخوص أعمالي لكي يحملوا ذاك المتبصر المجتمعي الذي يسكنني بقصصنا ويومياتنا التي يجب أن تُحكى.

 

* بين الرّواية والقصّة مسار ممتد، كيف كان بالنسبة لك؟

** القصة فن مرهق وفن مظلوم ببلادنا ولم نمنحه حقه، رغم أني أصدرت مجموعتي القصصية «أعواد الثقاب» والتي لم تشف شغفي لذاك الفن بعد، أما الرواية فقد وجدت نفسي فيها بعمق وأظن أنني اخترت سبيلها لأواصل فيه كل الكلام والقصص التي أود أن أخبر العالم عنها.

 

* الذاكرة جزء مهم في تفاصيل الإبداع، كيف بدت ملامحها من خلال أعمالك؟

** ربما الكاتب مراد غزال الآن أصبح أكثر نضجا من مراد السارد بالسابق، ولهذا سأخبرك أنّني منذ أن بدأت أخط روايتي الأخيرة قد اخترت الذاكرة أو مفهوم الموروث والحفر فيه طريقا أسلكه بكل أعمالي، بإذن الله، لأنّنا يجب أن نكتب على موروث واد ريغ التي انتسب لها والحفر في الأمكنة لنؤرخ بعض الأحداث التي يجب أن تذكر للأجيال.

 

* لديك عدد من الرّوايات والقصص، حدّثنا عنها؟

** فن الرواية كتبت فيه عملين «سيدة المعبد، ذكرى العائدين من الورق» وروايتي الأخيرة «ريغة غواية الملح والبارود»، الرواية الأولى كانت باب دخولي لذاك العالم السردي، كانت متخمة بالغربة والبحث عن المفاهيم غير الناضجة لدى شخوصها. أما ريغة فكانت تأريخ لحقبة زمنية معينة بمنطقتي، قرأت وسألت على تفاصيلها بعمق، ثم كتبتها لعلها تصالحني مع مفهوم الأمكنة.

كتبت أيضا في فن الخاطرة، كما أصدرت كتيبا عن فيروس «كورونا»، جمع بين القصة وبعض فلسفة وكتبت بأدب الطفل، إذ سيصدر لي كتيب جامع مع كاتبين من مصر كمجموعة قصصية للأطفال ستصدر بدولة مصر.

 

* تعكس بعض الأعمال بطريقة أو بأخرى زوايا المكان وحكاياته، هل لعنوان روايتك الصادرة مؤخرا «ريغة» علاقة بذاكرة الأماكن؟

** كما قلت سابقا أنا مشتغل بحثا وقراءة وتحقيقا عن تاريخ وادي ريغ بعيدا عن الرواية. فعلا روايتي الأخيرة اشتغلت عن مفهوم الأمكنة والتاريخ بمنطقتي، وحاولت أن أصوغها بشكل سردي، حتى أن عنوانها له دلالة جلية على منطقة واد ريغ، وأفكر في كتابة عمل آخر عن حضارة «بنو جلاب» التي كانت تحكم المنطقة طيلة أربع قرون كاملة، وأجد أن من واجب المثقف أن يؤرخ تاريخ وموروث منطقته، ويخرجه من كتبه الأكاديمية غير المتاحة للقارئ العادي وصياغتها بأسلوب روائي يقرأه الجميع ويستسيغه العامة.

 

* بالإضافة إلى أعمالك في الرّواية والقصة، تشتغل في الوقت الحالي على نصوص مسرحية، ما الذي تختلف فيه الكتابة والسرد للمسرح عن الكتابة في الرواية والقصة حسب تجربتك؟

** عالم المسرح عالم آخر تماما، تعرّفت عليه بعدما قمت بالعديد من الورشات في الكتابة الدرامية، كما أتاح لنا المسرح الوطني فرصة الاحتكاك بدكاترة ومختصين في الكتابة الدرامية بورشة متخصّصة، وذلك ما سمح لي بكتابة بعض النصوص.

الكتابة الدرامية للمسرح مرهقة جدا تحتاج إلى الجدية وتبصر أعمق، لأنها كتابة مشهدية تعتمد على تفاعل المشاهد والأحداث بالخشبة لإنتاج فكرتك التي تود إيصالها للمتلقي، بعيدا عن الراوي العليم الذي يخبرنا كل شيء بفن الرواية والقصة. الآن أنا أشتغل على نص مسرحي حول مفهوم السجن وفلسفته، كما كتبت نصا مونودراميا، يشتغل على التدريب يعمل على تمثيله الآن مبدع من مدينة الوادي.

 

* بالنّظر إلى واقع المسرح الجزائري، هل ترى أنّ العمل على إثراء النّصوص المسرحية، يستحق اهتماما أكبر من المبدعين؟

** نعم بالفعل، المسرحي يحتاج منّا نحن ككتاب وكجمعيات والوزارة الوصية، عملا أكثر وإلى الكتابة أكثر وبشكل أعمق، لأن المسرح فن يساهم في تهذيب الذوق العام، ويساعدنا على اكتشاف ذواتنا. من جهة أخرى، أرى أن الكتابة المسرحية بالجزائر ليست بأحسن أحوالها، فقد شابتها السطحية والمنتفعين ككل الفنون الأخرى.

 

* تعمل حاليا على تدريب الأطفال على كتابة القصة في مدينتك المغير، كيف كانت التجربة؟

** تدريب الأطفال على كتابة القصة، أعتبره واجبا مقدّسا أمام ذاتي، والتي تعتبر أن المثقف الحقيقي هو المؤثر بمجتمعه لا الساكن ببرجه العالي وأفكاره المتعالية. الآن أنا بفضل المولى، ثم «شباب المغير تقرأ» والكثير من الخيّرين درّبت أكثر من 160 طفل على كتابة القصة، كما استطعنا كمجموعة «المغير تقرأ» أن نصدر كتيبين، جمعت فيها قصصا لـ 60 طفلا عنوانهما «براعم المغير تقرأ»، والتي جمعت قصصا لأطفال دربوا على كتابة القصة، وجمعت قصصهم هناك.

تعليم الأطفال أعتبره فلسفة أخرى أعتنقها، إضافة إلى الكتابة عن الموروث، وسنواصل تدريب الأطفال وتحفيزهم على الكتابة دوما بإذن الله.

 

* هل من خطط مستقبلية لبعث الثّقافة المحلية وتعزيز حضورها في السّاحة الوطنية؟

** نحن كاتحاد كتاب ومجموعة «المغير تقرأ» نحاول بعث الثقافة المحلية بإقامة صالونات أدبية دورية، للتعريف بمبدعي المنطقة وكذا تبنّي بعض الأعمال التي تهتم بالتاريخ وطباعتها، كما أحث بهذه المناسبة مديرية الثقافة المستجدّة بولايتنا الفتية بالتعاون مع كل مثقفي المنطقة، على إقامة ملتقيات ومهرجانات تعمل على دعم الموروث، أما على المستوى الشخصي فلديّ بعض المشاريع في مجال الكتابة سأعلن عنها في وقتها عن ذاكرة منطقتنا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024