الـــكـــاتـــبـــة والقـــاصـــة فـــضــيـــلـــة بـــــــــهـــيــلــــيـــل لـ»الشعب»:

الـــكـتـــابــة حـــيـــاة جـــديدة أمـــنـــحـــهـــا لنـــفـســـي ولمـــن حـــولي

حوار: محمد أمين سعيدي

المــبــدع بحــاجــة إلى الاحــتــواء ولــيــس الــتــهــمـيش

تعلقت بعاداتها وتقاليدها وببيئتها، ومن خصوصيات هذه البيئة وجماليتها كتبت فأبدعت، هي فضيلة بهيليل الشابة والأستاذة الجامعية التي قالت في حوار لـ»الشعب»، إنها تكتب للمرأة المرهقة التي تسكنها، وللمرأة التي لا تزال غير قادرة على البوح، لا تتخيل كتاباتها إلا وهي تتعطر بروائح قهوة عبقة بالشيح وشاي تزينه وريقات النعناع في جلساتها العائلية حول موقد نار، تستدرجها رائحة الرتم لتطيل البقاء..

 الشعب: بداية نوّد أن تعرّفي القارئ أكثر بالكاتبة والقاصة فضيلة بهيليل؟

** فضيلة بهيليل: تحية عطرة عطر الحروف التي تحمل في طياتها كل المودة، موصولة بالشكر لك على هذه الفسحة الجميلة، التي تبعث في نفس الكاتب دفقة أمل تروي بعضا من روحه الحبلى بالانتظار وإلى كل طاقم جريدة الشعب، تحية إلى القراء الأعزاء الذين تجمعني بهم رابطة الحرف والكلمة.

** فضيلة بهيليل أو فضيلة نور الهدى من مواليد 1 ماي 1983 ببشار، متحصلة على شهادة ليسانس في اللغة والأدب العربي سنة 2006 بجامعة سعيدة، وشهادة الماجستير تخصص نقد حديث ومعاصر سنة 2011 بجامعة بشار، دكتوراه في اللغة والأدب العربي بجامعة بشار سنة 2018، متحصلة على عديد الجوائز منها في مسابقة القلم الذهبي للقصّة القصيرة الذي نظمته جمعية «أقلام لترقية الإبداع الأدبي» بالتعاون مع إذاعة النعامة الجهوية سنة 2009، ومسابقة مجلة «نفحة» الإلكترونية في مجال القصة القصيرة، ناهيك عن مسابقات أخرى إلكترونية.

 

* تكتب فضيلة بهيليل؟

** الكتابة بالنسبة لي حياة أخرى جديدة أمنحها لنفسي ولمن هم حولي، أكتب للمرأة المرهقة التي تسكنني، للمرأة التي لا تزال غير قادرة على البوح بعد، تلك التي تحتاج طاقية وحروفا تخبئ داخلها عاطفتها المتأججة كي لا يصل إليها برد انتقادات، أكتب للإنسان فينا، لذلك الذي لا يبحث عن شيء سوى أن يظل الخير خيرا شاملا لجميع الناس. 

 

* أول إصدار لك مجموعة قصصية بعنوان «على هامش صفحة» سنة 2017، كيف كانت البداية مع الكتابة؟

** بداياتي كانت مع الخاطرة أيام ثانوية عبد الحميد بن باديس بالعين الصفراء، كنت أكتب وأعرض محاولاتي على الصديقات والأصدقاء، فأنتشي وأنا أرى إعجابهم بحروفي، والدتي أيضا أطال الله في عمرها من القراء الأوفياء لكتاباتي، تقرأ لي بشغف وتشجعني على مواصلة الكتابة مهما كان حرفي بسيطا.

مجموعتي القصصية «على هامش صفحة» كانت شبيهة بولادة جديدة، أن يسافر حرفك من قارئ لآخر بعيدا عن رقابتك وشروحاتك فتستقبل آراء الآخرين وتعليقاتهم وانتقاداتهم، لَهو فعلا إعلان عن بداية حياة جديدة تتصالح فيها روحك مع أرواح أخرى، هو باختصار أن يُسمع صوتك وتبني لنفسك جسرا. 

 

** إصداراتك تمت على مستوى عدد من دور النشر، لماذا هذا الترحال، وهل واجهتك صعوبات عبر مسيرتك الأدبية؟

** نعلم جميعنا أن أكبر مشكلة تواجه المبدع هي كيفية النشر والتوزيع، كيف يوصل المبدع إبداعاته إلى أكبر عدد من القراء، الأمر ليس سهلا إذا تعاملنا مع كتاباتنا على أنها سلعة لابد أن نسوق لها بأنفسنا، دار الكلمة للكاتب «عبد الكريم ينينة» كانت أول دار استقبلت مجموعتي القصصية «على هامش صفحة»، تمتاز بالجودة والإتقان والجدية في العمل، غير أنها دار تكتفي بالطبع دون التوزيع، وهو الأمر الذي يضطر المبدع إلى أن يتحول إلى موزع، وبالتالي كان انتشار مجموعتي الأولى محدودا جدا وهو ما حال دون توزيع المجموعة بكافة ولايات الوطن.

اخترت دار المثقف بعد ذلك لما فيها من مزايا تشجع المبدع وتساعده على التوزيع، خاصة وأن الدار تعرض الكتب بمعرض الكتاب الدولي، ضف على ذلك أنها تمكن المبدع من النشر محليا ودوليا، وهي عروض يحتاجها كل مبدع، لاسيما إن كان في بداية مشواره الإبداعي.

 

* لمن تقرأ فضيلة وبمن تأثرت؟

** أحببت أسلوب طه حسين والمنفلوطي أيام المتوسطة، ثم بدأت بقراءة الروايات الجزائرية في الجامعة، كما أن حكايات ألف ليلة وليلة كانت وجبة دسمة لأخط أولى محاولاتي في القصة، أحببت لغة أحلام مستغانمي في «فوضى الحواس» و»ذاكرة الجسد»، ثم اكتشفت أسلوب الروائي الحبيب السائح ففتنت بروايته «تلك المحبة» التي كانت موضوع رسالة الماجستير وغيره من الكتاب، مؤمنة أنا بأن النص الجيد يظل كذلك مهما طال به الزمن والعكس، فإن النصوص الرديئة يأفل نجمها مهما حاول صاحبها التشهير بها، أقرأ لكل الكتاب دون تمييز، سواء كانوا معروفين أم لا، لا فرق عندي. 

 

* بنظرك ما هو واقع الثقافة والمثقف على حد سواء محليا ووطنيا؟

** واقع الثقافة في بلادنا مؤلم، الثقافة اليوم أصبحت مرتبطة فقط بمجموعة من الندوات أو اللقاءات السريعة، خصوصا تلك التي تجعل المبدع آخر اهتماماتها وإن كان شعارها تشجيع هذا الأخير، في حين يظل المثقف يركض خلف البحث عن هوية حقيقية لهذه الثقافة ويجد نفسه يتأرجح بين عالمين، عالم أفلاطوني بمثله وكماله وعالمه الحقيقي المغاير تماما لما يصبو إليه. 

* وكيف ترين المقروئية مع انتشار التكنولوجيات والانترنيت، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، وهل لهذه المواقع دور فعال في الساحة الأدبية؟ 

** كنت نشرت مقالا بمجلة «مسارب» الإلكترونية يحمل عنوان «الكتابة الرقمية، هدم أم بناء»،  تحدثت فيه عن المقروئية اليوم في ظل التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي التي لم يعد بإمكاننا تجاهلها أو رفض التعامل بها ومعها، حتى وإن كنا من مناصري القراءة الورقية، هذا عن المقروئية اليوم، أما مساهمتها في الساحة الأدبية، فلا يمكن إنكارها رغم النقائص الموجودة فيها ورغم المبالغات التي قد تمنحها لنصوص لا تستحق، إلا أنها ساهمت وبشكل كبير في وصول نصوص كثيرة ما كان لها أن تظهر لولا هذه المواقع الإلكترونية.   

* وماذا ألهمتك البيئة الصفراوية، وهل كان لها أثر على كتاباتك الإبداعية؟

** يقولون «الشاعر ابن بيئته»، وكذلك الأمر ينطبق على القاص والروائي، إذ من الصعب أن نكتب خارج المحيط الذي نعيش فيه سواء كان الكاتب محبا لهذا المحيط أو حتى معاديا له، بالنهاية هو يعكس بيئته وطبيعة تعايشه معها، أنا ابنة العين الصفراء، ابنة منطقة تزخر بالتاريخ، تعبق بالعادات والتقاليد، لها خصوصياتها ولها جمالها الذي يتجلى في طبيعتها المتفردة وسكانها الذين ألفوها وأحبوها، ولا أتخيل كتاباتي إلا وهي تتعطر بروائح قهوة عبقة بالشيح وشاي تزينه وريقات النعناع في جلساتنا العائلية حول موقد نار تستدرجها رائحة الرتم لتطيل البقاء. وفي كل جزء من كتاباتي إما أمشي حافية على رمل المحبة، أو أخط من ورق الجريد أحلامي، أو يتجول أبطالي بأسواقنا الأسبوعية أو تحت ظلال العريش، هكذا أرى علاقتي بمدينتي وبيئتي، علاقة انتماء واحتواء.

 

* في نظرك ما مدى تأثير جائحة كورونا على الحياة الثقافية؟

** لم يقتصر التأثير السلبي للجائحة على القطاع الصحي والاقتصادي والسياسي فحسب، بل طال حتى القطاع الثقافي منه، تجلى ذلك واضحا من خلال توقف نشاط الفعاليات الثقافية وإغلاق المكتبات ومعارض الكتب، ونشاط الجمعيات وغيرها..  كل هذا أثر سلبا على هذا القطاع، غير أن هذه الجائحة دفعت المثقف إلى التحدي من خلال البحث عن بدائل تمثلت في خلق فضاء التواصل واستمرارية النشاطات الثقافية رقميا، كتنظيم ندوات ومداخلات يتم نقلها مباشرة لملايين المتلقين والتفاعل معها عكس ما كانت عليه قبل الجائحة، تنحصر فاعليتها أمام الجمهور الحاضر بالمدرج ووحده من يتفاعل، وانتعاش قراءة الكتب الرقمية وتنظيم مسابقات في مختلف الفنون تعتمد على فضاءات التواصل، إن الجائحة وإن كانت قد أضرت بالقطاع الثقافي إلا أنها خلقت إنتاجا ثقافيا رقميا قد يصبح لاحقا، هو رائد هذا القطاع أو سببا مباشرا في انتعاشه.

 

* أثريت مؤخرا المكتبة بعدة عناوين، هل لك أن تذكري بها؟

** هناك عدة إصدارات منذ سنة 2017 إلى اليوم، حيث أن البداية كانت بمجموعة قصصية بعنوان «على هامش صفحة» سنة 2017، ثم مجموعة قصصية أخرى بعنوان «وعادت بخفي حنين» سنة 2019، ثم دراسة نقدية «جمالية التعدد اللغوي في الخطاب السردي لدى السائح الحبيب» سنة 2020، فرواية قصيرة بعنوان «ما لم تحكه شهرزاد القبيلة» سنة 2020، إضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان «المادة 64» عن دار الأمير سنة 2021، قراءة إبداعية بعنوان «وشوشات الأنامل»، «حديث الروح» سنة 2021، وأخيرا والذي سيرى النور هذه الأيام كتاب «قراءات».

في الأخير أقول إن المبدع شخص تكفيه كلمة تشجيع، تكفيه إحاطة بقليل من الاهتمام والنصائح والتوجيهات كي يستطيع مواصلة الدرب الذي اختاره لنفسه، إنه باختصار يحتاج الاحتواء.. لا التهميش، شكرا لكم على هذا الفضاء الذي يسع بعضا من أحلام الكتاب والمبدعين.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024