يعاني قطاع الثقافة في ولاية قالمة جملة من المشاكل التي أحدثت شرخا كبيرا بين المثقف والإدارة، كما أثّرت سلبا على العمل الثقافي محليا، ممّا تسبّب في تدهوره، ودخول شريحة المثقفين في نفق مظلم، نتج عنه اندثار المبادرات الثقافية، وتحوّل المؤسّسات الثقافية إلى هياكل دون روح، فمستوى السينما والمسرح عموما لم يرتق بعد إلى مقام الجودة التي يطمح إليها الجمهور، الذي ظلّ لسنوات ينتظر ترميم قاعات المسرح ودور السينما والمسرح الروماني من أجل احتضان تظاهرات ترقى للمستوى.
انتقد العديد من المثقّفين والمتتبّعين للشأن الثقافي بولاية قالمة الوضع الثقافي المتميّز بالركود التّام، فالمسرح الجهوي ـ حسبهم ـ منذ مدة متوقف بسبب أشغال ترميم لم تنته، معتبرين معلم المدينة ما يزال يخيّم عليه غمامة حملها التهاون واللامبالاة ولا رقيب ولا حسيب، أمّا رجال المسرح وطاقاته فيموتون مرتين، ومع موتهم يقبر الإبداع المسرحي إلى الأبد.
فيما يعاني المسرح الروماني هو الآخر منذ سنوات طويلة إلى أجل غير مسمّى، ونفس الشيء بالنسبة للسينما التي لم يعد لها وجود بقالمة، لتبقى هي الأخرى تحت رحمة المشاريع غير المنتهية، بالإضافة إلى دار الثقافة والتي ما زالت تنتظر أيضا التفاتة عسى تعود لها الحيوية والنشاط كما كانت ذي قبل، وحتّى المعالم الأثرية التي تزخر بها قالمة، ما زالت هي الأخرى في طي النسيان.
السينما.. ثقافة مغيّبة
أكّد محدّثونا أنّ ولاية قالمة التي كانت تتوفر على قاعة للعرض السينمائي «الانتصار» شهدت في وقت سابق حركية سينمائية نشطة ومميزة، إلا أنّها أغلقت وتوقفت تماما عن النشاط منذ مدة، وأصبحت عرضة للإهمال والتلف من ناحية الهيكل وتجهيزات، كما بقيت أبوابها مغلقة طيلة سنوات لأسباب مجهولة ومبهمة تنتظر إجابات حتى يومنا الحالي، لتتمكّن ربما من لملمة شتات هذا الجانب.
ونوّه ذات المتحدّثين إلى عدم جدية مسؤولي الثقافة، في دعم أيام سينمائية يتم اقتراحها من طرف جمعيات محلية، وعدم المساهمة في نشر ثقافة سينمائية للجمهور القالمي من طرف دار الثقافة، فضلا عن غياب الدعم المادي للإنتاج السينمائي، واندثار سينما الطفل بشكل تام في الولاية.
شوقي بوزيد في تصريح سابق لـ «الشعب» خلال عرض مسرحية «شرف محارب» بقاعة المحاضرت بمقر الولاية بقالمة، قال «لست راض على ظروف العرض، والتي لم تسمح بظهور المسرحية بشكل أفضل».
وتأسّف المخرج شوقي بوزيد على ما أسماه سباتا عميقا من قبل القائمين على الثقافة في قالمة، مؤكّدا بأنّ الكارثة والمأساة التي يعيشها الحراك المسرحي في قالمة كبيرة، باعتبار أنّ المدينة التاريخية العريقة لا يوجد فيها للأسف قاعة مسرحية نموذجية، وبأنّ جميع القاعات الموجودة الآن خاصة بالمحاضرات، ولا تصلح للعرض المسرحي النموذجي، قائلا «متى نرى مراكز ثقافية نموذجية تحتوي على قاعات مسرحية مهيأة لجميع العروض المسرحية وليست قاعات محاضرات؟».
كما أنّ أحد الممثّلين الصّاعدين وبلهجة قاسية..قال: «للأسف أصبحنا نتسوّل ونرجو حتى يتكرّموا علينا بـخشبة مسرح متهالكة، لكي نعرض عليها مسرحياتنا ونفجر طاقاتنا الإبداعية»، ويضيف ذات المتحدث بأنّ المجتمع القالمي متعطّش للمسرح والسينما، بمختلف فئاته ولو عرضناه في الشارع وفوق الصخرة لحضر الجمهور».
حالة التدهور تعود لسنوات
الكاتبة وردة زرقين في تصريحها لـ «الشعب»، تقول بأن الثقافة في قالمة تعيش في السنوات الأخيرة «نكبة» حقيقية في مجال النشاطات الثقافية بسبب المرافق الثقافية المغلقة، مشيرة إلى أن قطاع الثقافة بصفة عامة والمسرح بصفة خاصة بالولاية عرف في السنوات الماضية، ركودا شبه تام، حيث تمّ تجميد المهرجانات التي تعوّد عليها الجمهور على قلتها، مع إغلاق الفضاءات المخصّصة لذلك، كالمسرح الجهوي محمود تريكي، والقاعة الكبرى للعروض بدار الثقافة عبد المجيد الشافعي، بالإضافة قاعة السينما والمسرح الروماني..
وأضافت أن المثقف القالمي أصبح يغيّر نظرته في البحث عن ذاته خارج ولايته، فالكثيرون من مثقفي قالمة لهم جوائز وطنية ودولية، لكن محليا لا يحتفي بهم ولا يتم تقديمهم والتحدث عنهم.
من جهتها ترى «سمية» طالبة بمعهد الفنون الدرامية، بجامعة قسنطينة، بأنّ الوضع الثقافي بقالمة، متدهور رغم توفّر الولاية على هياكل ثقافية، هذا الوضع ـ كما أضافت ـ ليس وليد اليوم بسبب جائحة كورونا (كوفيد-19) بل يعود لسنوات، والدليل ـ حسبها ـ واقع المسرح الجهوي والمسرح الروماني وغيرهما من الهياكل الثقافية التي لا تقدّم سوى أنشطة مناسباتية، بينما يبقى الفنّان القالمي مهمّشا ولا تتذكّره الجهة الوصيّة إلا في بعض المناسبات.
وأشارت إلى أنّ الهياكل الثقافية بالولاية خاوية وآهلة للسّقوط، كما أنّ بعض النوادي والجمعيات التي تحاول رغم قلة التجهيزات والوسائل تلقى العراقيل الإدارية من طرف من ليست لهم علاقة بالثقافة والعمل الفني، كما أنّ المسرح يعيش نكبة فنية ونكبة السقوط والوعود الكاذبة بالترميم. وأكّدت الطالبة أن العديد من خرّيجي المعاهد الفنية من شباب قالمة، لهم الكفاءة في العمل والتسيير والإبداع، إلا أنهم عاطلين عن العمل.
ويعتقد أحد الشعراء، أنّ أسباب الركود الثقافي بولاية قالمة، يعود لوضع أشخاص في غير أماكنهم، وهو ما جعل الفعل الثقافي يعاني من الركود منذ سنوات، مضيفا أنّه إذا أردنا الخروج من عنق الزجاجة يجب التنقيب عن الغيورين على مدينة قالمة، والمتعطّشين للفعل الثقافي لخدمة الكاتب والفنّان والمبدع، وغيرهم من المواهب الموجودة هنا وهناك، بحيث يتفق الجميع على واقع مرير بحاجة للإنعاش وتدارك النقائص والحاجة الماسة للنهوض بقطاع الثقافة في ولاية قالمة.