عبــد القادر بن دعماش

الحــاج رابـح درياسـة رائــد الأغنيــة الجزائريــة

بفقدان الحاج رابح درياسة رحمه الله فقدنا هرم كبير من الثقافة الجزائرية، هرم كبير من الذاكرة الفنية الوطنية، كان من الشخصيات المقربة حيث ترك لي رصيدا كبيرا في الذاكرة من حيث التراث اللامادي، فلقد كان رحمه الله يعتبر من بين أكبر المدافعين عن الشعر الملحون، الموسيقى التقليدية الفلكلورية، لاسيما البدوية. ولقد أخذ طابع الأغنية البدوية خاصة الآياي كنموذج مصغر ثم قام بمزجها بالأغنية التراثية، وبالتالي رفع من مستواها، الذي وصل بعد ذلك إلى كل فئات المجتمع الجزائري على غرار كل محبيه من العالم العربي، الذين استحسنوا هذا الطابع، حيث وصل بالكثير من الدول العربية الى حفظ أغانيه وتسجيلها مما جعل الكثير من الدول العربية تقدم له دعوات لإقامة حفلاته على ترابها.
يعد الراحل رائد الأغنية الجزائرية، حيث اعتمد على مصادر من كل التراب الوطني ولهذا السبب نالت رضا الجمهور، كونه الوحيد الذي استطاع ان يلم شمل كل شرائح المجتمع، من كل الولايات.
المرحوم الحاج رابح درياسة عاش حياة قاسية في صغره خاصة في الفترة التي فقد فيها والديه، ولكنه لم يستسلم لها وعمل جاهدا على تحسين مستواه الشيء الذي خوَّل لفتى في الخامسة عشر من عمره، أن يدخل في مجال العمل حيث لم تكن السنوات 1949-الى غاية 1954 بالسهلة أبدا عليه والتي تزامنت مع مخاض إندلاع ثورة التحرير المجيدة، ولكن حبه للفن كان أقوى من كل الصعاب التي كانت تعرقل مساره، اكتشف قوته الفنية في مجال الفنون التشكيلية والمنمنمات، إلى جانب بصمته في مجال التصميم والرسم، حتى أصبح مطلوبا من قبل بعض الناشرين الكبار مثل الناشر « دنيا » الذي كان يعتمد على انتاج الاسطوانات السمعية المتكونة من 45 لفَّة وكان يقوم بتصميم غلاف الاسطوانات التي كانت موسومة في تلك الفترة على شكل أقواس، نظرا لما تحمله من دلالة تراثية.
الحاج رابح درياسة شارك في حصة « من كل فن شوي » التي كانت بقيادة محمد الحبيب حشلاف المتوفي 2005، الذي كان من أكبر الشعراء في الجزائر، من أكبر المسؤولين في الإذاعة آنذاك، وتخرج من حصة « من كل فن شوي » فنانين كبار مثل فضيلة دزيرية حيث يذكر أن هذه الحصة الفنية دامت 13 سنة جمعت عمالقة الموسيقى مثل عبد الوهاب سليم قبل ان يكون رئيس لفرقة موسيقية، إلى جانب كل من محمد الهاشمي ڤروابي، أحمد وهبي، كمال حمادي، نورة، شريف خدام، وحينها لم يكن معروفا كمغني، بل كان معروف بكاتب كلمات.
الحاج رابح درياسة رجل مسالم هادئ منضبط ملتزم حيث لم أر في حياتي رجل حريص على احترام القوانين لاسيما التزامه بالتعاليم الدينية وحريص كل الحرص على الإتيان بها.
الحاج رابح درياسة ظل بعيدا عن الساحة الفنيه ما يقارب 11 سنة، حيث أذكر في 2012 عندما قمنا بدعوته من أجل تكريمه في قاعة ابن زيدون تحت إشراف وزارة الثقافة قال لي سأحضر ولكن لا تحرجني وتطلب مني الغناء!! ولكن في وسط الحفلة، صعد وطلب الميكروفون ليؤدي بعض أغانيه التي دوّت القاعة وأطرب بها جمهوره الذي كان متعطشا لصوته الدافئ. وبعد 2012 كان الرجوع الى الساحة الفنية وإهداء الجزائر أغنية أنا جزائري التي قدمها مجانا بدون مقابل والى غاية اللحظة مازالت عبارة مجانا موجودة في العقد المكتوب بخط يده، وهي الاغنية التي أنتجها في باريس رفقة مُغْني الأغنية الرايوية أما كلمات القبائلية فلقد كتبها له كمال حمادي.
الحاج رابح درياسة كان لا يقبل بالكتابة عنه في الإعلام ولكنني أنا الوحيد الذي كتبت عنه مقالين الأول في جريدة لوسوار دالجيري والثاني في جريدة المجاهد.
من بين المواقف الطريفة التي حصلت لي معه عندما كنا في تونس، حينها كانت ضمن فعالية أسبوع ثقافي، فبينما كنا نتباحث في محتوى ومعاني القصائد والنصوص التراثية، إذ يمتثل أمامنا رجل ويقول له يا الحاج يا الحاج إنني استمع الى أغانيك الآن في الإذاعة وحينها تركنا عملية البحث التي كنا نقوم بها ضاحكين من هذا الموقف الذي جاءنا ونحن في عز الانهماك والبحث الشاق.
اشتغلت معه في قصيدة « رأس بنادم » للشاعر سيدي لخضر بن خلوف الذي استطاع ان يكمل نص القصيدة المفقودة بعد عملية بحث طويلة متعبة تشاركنا فيها، وبفضل الله المرحوم أضاف عليها 64 بيتا واستشهد ذلك في قوله هادي قصيدة سيدي بن خلوف وفيتها وتممتها وشكرا ياشيخي حبيب حشلاف الذي لقاني هذا التراث وهذا ما جادت به قريحتي ».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024