اللغة العربية أمام تحديات العصر

مشروع حضاري للترجمة تنتظره الأمة العربية

سميرة لخذاري

يمكن اعتبار الترجمة بمنتجها وإصدارتها رافدا فكريا وحضاريا، لكونها تجعل المجتمع يهضم ما ينتج في هذا العالم، إضافة إلى ميزتها التي تنفرد بها كونها الأداة الوحيدة التي توفر المعرفة المنقولة من الشعوب الأخرى لكي تُستعمل في البحث والإبداع، ناهيك عن أنها الوسيلة الأساسية التي تدفع بالعلوم والتعريف بها عند شعوب متحدثة بلغات شتى لا قاسم مشترك بينها.

كثرت التظاهرات الثقافية التي تهتم بالترجمة، إضافة إلى المسابقات والفعاليات التي يمكن اعتبارها جسور تواصل بين الشعوب، وطرقا لكسر الحواجز بين الثقافات والتأكيد على رفع التحدي وتحقيق الانفتاح الفعلي، والجزائر ضمن الدول التي تزخر وتتمتع بأقلام وأسماء استطاعت أن تحفظ وجه الثقافة الجزائرية، خاصة تلك الكتابات التي ينتظر منها الوصول إلى أبعد النقاط وأرقى التتويجات.
ولعل اختيار مؤسسات خاصة بالترجمة في الدول الغربية لأسماء وروائيين جزائريين لترجمة أعمالهم إلى لغات شتى إلا دليل على الزخم الأدبي التي تتميز به بلادنا، دون تجاهل كلاسيكيات الأدب الجزائري التي تمكنت من نقش أسمائها من ذهب إلا أنها وللأسف ما تزال رهينة دول نشر أجنبية خاصة فرنسا، حيث أصدر كبار أدبائنا إصداراتهم هناك وبقيت بعيدة عن القارئ الجزائري، في انتظار تكليل المجهودات التي تبذلها وزارة الثقافة منذ سنين بالنجاح، خاصة في المعرض الدولي للكتاب»سيلا» الذي تحاول من خلاله الوصول إلى الهدف الرئيس من هذه التظاهرات الكبرى الذي يتعلق بالعلاقات بين دور النشر الأجنبية والجزائرية، على أن يكون شراء الحقوق ليس بالغلاء الفاحش الذي يرهق كاهل القارئ الوفي للكتابات الراقية.
ولا يتوقف الاهتمام بالترجمة في الفعاليات والنشاطات الدولية وإنما يصل إلى حجزها مكانا مميزا في الإصدارات الأدبية، كما هو الحال في المجلة الفصلية التي تعنى باللغة والترجمة التي تصدر عن المنظمة العربية للترجمة، التي قال في افتتاحية أحد أعدادها رئيس تحريرها هيثم الناهي أن «هناك شيء قد يخفى على المرء إذا لم يكن ملما بمعاني الترجمة، وجدلياتها ومعطيات أهدافها»، خاصة وأن الترجمة وعاء مهم لتطوير اللغة وإثرائها.
كما أكد ذات المثقف على ضرورة الاهتمام أكثر باللغة العربية، هذه الأخيرة التي تتميز بغنى مترادفاتها واصطلاحاتها، إلا أن ذلك غير كاف إذا لم تستخدم بالسياق الصحيح مواكبة كل ما هو جديد.
ويبقى الوافد الجديد عبر الترجمة ينشط من ذاكرة اللغة العربية لتعيد إحياء العديد من الالفاظ والدلالات التي عفا عليها الزمن، والتي لربما أصبحت الآن قاموسية ولا تستخدم، وبينها وبين الاندثار مسافة قصيرة.
وبناء على متطلبات العصر التي تستوجب على كل الميادين الإبداعية المتعلقة بهوية وشخصية شعب، فإن الإمة العربية اليوم أمام تحد أساسي يحتاج إلى وضع بنى تحتية للترجمة لتتجسد، كما جاء في ذات المجلة التي تعنى باللغة والترجمة، بتوحيد المصطلح اللغوي وترجمة مقابلة في اللغات العلمية الحية، لتتم انطلاقة الترجمة الحضارية من خلالها، «ورغم أنها جدلية تحتاج إلى ثورة علمية ثقافية، إلا أنها في نهاية المطاف خطوة كبيرة نحو مشروع حضاري للترجمة ما زالت تنظره الأمة».

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024