أشاد الشاعر المصري جمال بخيت في حوار لـ ''الشعب'' بمستوى العلاقات التي تربط الجزائر بمصر، مشيرا إلى أنه تربى وترعرع على مفردات الثورة الجزائرية التي ربت وجدانه وفكره، من ناحية ربط الإنسان بوطنه واستعداده للشهادة جيل بعد جيل من أجل الحرية. وأكد بخيت بأن مختلف التظاهرات الثقافية من مهرجان السينما والشعر إلى المعارض تساهم في إثبات حقيقة بأننا شعب واحد يحيا في بلدان مختلفة، داعيا إلى ضرورة قيام مشروع على غرار الاتحاد الأوروبي.
- ¯''الشعب'': في خضم ما حدث ويحدث حاليا في مصر، ما هو الدور الذي قدمه المثقف المصري لوطنه، وخاصة في ظل ما يحدث أيضا لبعض الفنانين؟
¯¯ جمال بخيت : المثقف المصري في قلب هذه الأحداث من الألف إلى الياء، فالمثقف هو المفجر الحقيقي لهذه ''الثورة''، كل الشباب الذين كانوا يتواصلون على الفايسبوك هم مثقفون ونتاج لثقافة الرفض التي تواصلت لسنوات.
المثقف المصري اليوم يعلم بأن ''الثورة'' لم تستكمل أهدافها بعد وهي الحرية، العدالة الاجتماعية، وهم بحاجة إلى بناء وعمل دءوب ومتواصل.
''الثورات'' لا تحقق أهدافها في غضون شهر يمكن أن تصل إلى سنوات، فقد تطول وقد تقصر، ولكن المثقف المصري دائما في بؤرة الحدث ويرفض رفضا قاطعا تشويه الفن أو الرموز الفنية مهما كان توجهها، فأي كان اختلافنا مع ما تقدمه، فأنا لست في مجال تقييم أعماله الفنية بل هي من عمل النقاد، وليس الثورات السياسية ولا الدينية، ولا يمكن لأي أحد أن يُجرم عمل غير مُجرم أصلا.
لأي إنسان سواء كان سياسيا أو مواطن عادي أو فنان أو مفكر استكمال الحريات، فللمصريين حق في المعرفة وتبادل المعلومات والتعبير بكافة الوسائل، فهذه الحقوق خط احمر يدافع عليها المثقف المصري إلى أن تتحقق بإذن الله.
- ¯ يعني أنك من المؤمنين بأن المثقف بقلمه وكلماته يلعب دورا كبيرا في التغيير؟
¯¯ بالتأكيد.. نقول إن المثقف يعمل على التغيير، وذلك ليس معناه أن يكون منظما إلى حزب سياسي أو أن يقوم بمظاهرات، فالثقافة في حد ذاتها فعل تغيير، وحتى القصيدة العاطفية الجيدة تساهم في تغيير الواقع.
أنا مع كل الذي قلته، لكن بتحفظ، هو أن البعض يفهم من فكرة أن المثقف يعمل على التغيير أي يقوم بمظاهرات، لا، الثقافة دورها أعمق من ذلك وتأثيرها أغنى بكثير، وبطبيعة الحال دون التقليل من دور الذين نزلوا في مظاهرات لأن ذلك أيضا دور مطلوب، ولكل مهامه.
¯ وما هو دور جمال بخيت في هذه الأحداث؟
¯¯ القصائد التي كتبتها على امتداد عمري وبالتحديد في الثلاثة سنوات الأخيرة، والموجودة في ديوان ''دين أبوهم'' كانت تغنى في ميدان التحرير خلال الـ١٨ يوما، وهذا يدل على أن فعلنا الثقافي كان حاضرا.
فبعد أن استقر ''الثوار'' في الميدان كانت أدواتهم الأغنية والقصيدة وهي أدوات الشحن والاستمرار في المقام الأول، ومن هناك كان جزء منها كل ما كتبته على مدى عمري الشعري.
¯ قلت بأن قصائدك التي كتبتها سابقا تغنت في ميدان التحرير، وفي نفس الوقت أخذت الشعارات التي كانت تلقى أيضا وقدمتها في قصيدة ''ارفع راسك فوق أنت مصري''؟
¯¯ بالضبط، هذا هو التواصل، فالمثقف مرتبط بقضايا شعبه، نحن نأخذ من بعضنا البعض، ونتعلم من هذا الشعب العظيم، وفعلا ''ارفع راسك فوق أنت مصري'' انطلقت في ميادين مصر، وبالضبط في قلب القاهرة في ميدان التحرير، وهي أهزوجة شعبية جاءت عفويا في ١١ فيفري، وفي هذا اليوم كنت مع الجماهير، استمعت إلى هذا الشعار الجميل ومنه جاءت هذه الأغنية.
- ¯ كانت لك زيارات عديدة للجزائر، كيف تقيم التبادل الثقافي فيما بين الدول العربية، وبين الجزائر ومصر على وجه الخصوص؟
¯¯ بين الدول العربية أجد بأن المعارض وكل الفعاليات الثقافية، من مهرجان السينما والشعر تساهم في إثبات حقيقة بأننا شعب واحد يحيا في بلدان مختلفة.
وعلى مستوى الجزائر، مهما قلت لا يمكنني أن أفي محبتي لهذا الشعب، لأنني تربيت على مفردات الثورة الجزائرية التي ربت وجداني وفكري.
ربتني من ناحية ربط الإنسان بوطنه واستعداده للشهادة جيل بعد جيل من أجل الحرية، وكل هذه المعاني اكتسبناها بشكل مباشر من الإلهام الذي أدخلته إلى حياتنا الثورة الجزائرية.
زرت الجزائر أربعة مرات وفي كل مرة تزداد محبتي لها وتتجذر في قلبي وروحي أكثر فأكثر من خلال أصدقاء رائعين في كافة المجالات، ومن خلال فنونها وثرائها، وأدبها الشعبي والفصيح.
فالجزائر دولة كبيرة في المنطقة العربية، وفي إفريقيا وهي تستطيع لعب دور محوري في التقدم والنهضة التي نتمناها للعرب ولإفريقيا، وأي تجاهل للجزائر في هذا الإطار هو نوع من الغباء أو الخيانة.
- ¯ ألا ترى بأن هذه العلاقات مناسباتية ومرتبطة فقط بالتظاهرات الثقافية؟
¯¯ لا في الحقيقة هناك تواصل، فأنا أختلف معك في هذه النقطة، لأن هناك جزائريون يعملون في مصر والعكس، فقبل أحداث كرة القدم، الاستثمارات المصرية كانت الرقم الثاني في جدول الاستثمارات الخارجية في الجزائر، حيث أن المستثمر الأول أموال فرنسية والمستثمر الثاني أموال مصرية، لذلك هناك تواصل في مختلف المجالات.
والحقيقة حتى وإن كان التواصل مناسباتي فإنه لا ينقطع طوال العام، فنحن حين ننتهي من معرض الجزائر نذهب إلى تونس ثم معرض الشارقة وبعدها القاهرة، ما يعني أن التظاهرات مستمرة على مدار العام في مجال النشر، كما أن هناك مهرجانات السينما في مختلف الدول العربية وحتى في دول الخليج.
إضافة إلى ذلك هناك تواصل من خلال الإنترنيت، فقد أصبحت هناك عناصر لا يجب أن نغفلها كلها تؤدي إلى نفس الاتجاه.. لكن فقط على السياسيين أن يعتبروا ويفهموا بأن مصلحتهم ومصلحة الوطن العربي في قيام مشروع حده الأدنى أن يكون على غرار الاتحاد الأوروبي الذي يجمع دولا تتحدث لغات عدة، فماذا عنا نحن من نتكلم لغة واحدة وثقافتنا واحدة ويجمعنا دين واحد، فنحن أولى من غيرنا بهذا الاتحاد الذي تتحرك فيه رؤوس الأموال ورجال الأعمال.. كل ذلك يجب أن يزول بإزالة الحواجز المصطنعة كالتأشيرة فيما بين الدول العربية.
- ¯ وفي نظرك، ما الذي يقف عائقا أمام تحقيق ذلك؟
¯¯ الأنظمة السياسية، فهي تستفيد من ذلك، وليس لديها الوقت للدخول في مشاريع من هذا النوع، فقط تزود مصالحها الشخصية.
أقول إن هذه الوحدة قادمة لا محالة، وشرطها الديمقراطية الحقيقية داخل الدول العربية، فتوحد المصالح هو ما يتوجه له العالم كله أو التوجه إلى التكتل، فكيف نواجه هذه الكيانات، على الأقل يجب أن يقوم اتحاد يحفظ لكل بلد نظامها السياسي ويبحث عن مصالحنا ، كما في أوروبا.
- ¯ قلت بأنك تربيت على مفردات الثورة الجزائرية، هل كتبت عنها في أشعارك؟
¯¯ نعم كتبت الكثير عنها، وألقيها في كل زيارة لي إلى الجزائر.
- ¯¯ كتبت لوردة الجزائرية، على أي أساس تختار المطربين، ومن من الأصوات الجزائرية التي ترغب في التعامل معها؟
¯¯ شرطي الوحيد أن يكون للمغني صوت رائع، فقد ظهرت في السنوات الأخيرة ظواهر كثيرة في الغناء العربي، أصوات لا علاقة لها بالفن.
أنا لا أتعامل إلا مع الأصوات الحقيقية مثل وردة الجزائرية، كما كتبت لماجدة الرومي في فيلم ''الآخر'' ليوسف شاهين، وكتبت أغنية ''آدم وحنان''.
ليست لدي أي مشكلة في التعامل مع أي صوت، إلا أن يكون قوي، والشرط الآخر أن تكون له الرغبة في التعامل معي، لأنني بطبيعتي لا أسعى إلى الأصوات إلا إذا كان هناك سعي للتبادل.