أجمع عدد من العلماء والمشايخ والأساتذة المشاركين بالملتقى الدولي الخامس للطريقة القادرية حول دور المرجعية الوطنية في أمن واستقرار الدولة الجزائرية، الذي اختتمت فعالياته الخميس بدار الثقافة مفدي زكرياء بورقلة على أهمية تأسيس مرجعية دينية مؤسساتية لقطع الطريق أمام الترويج لفكر التطرف والتسويق لهذا المنهج في أوساط المجتمع.
واعتبر بعض المشاركين من داخل وخارج الجزائر الذين استطلعت «الشعب» آراءهم أن دور الطرق الصوفية ومؤسسة الزوايا محوري في إرساء دعائم أمن واستقرار الدول ومواجهة الغلو وفكر التشدد والتطرف وتجفيف منابعه
في استطلاع لكوكبة من المشاركين في الطبعة الخامسة للملتقى الدول للطريقة القادرية بورقلة، أكد المتحدّثون على أهمية التمسك بتعاليم دين الإسلام الصحيحة من أجل مجابهة التشدد والفكر المتطرف من خلال أصداء رصدتها «الشعب».
وذكر الدكتور محمد بشير بويجرة أن الدراسة التاريخية للتوجه الصوفي في الجزائر أثبتت أنه كان توجها متميزا لأنه كان تصوفا سنيا معتدلا يكره العنف ومنسجما مع الكثير من العقائد الأخرى، مشيرا إلى أنه ركّز من خلال مداخلته على أمرين أساسيين وهما فيض التصوف ومؤسسة الزاوية، حيث أن فيض التصوف له أبعاد تاريخية وحضارية وفكرية ومرجعية دينية مهمة جدا، منوّها إلى الدور الاجتماعي للمتصوفين الذي يرتبط بالدعوة إلى الخير والإحسان للغير لأنّ «المتصوّف يعامل الآخرين على إنسانيتهم».
من جانبها الأمينة العامة لمؤسسة الأمير عبد القادر وحفيدة الأمير زهور بوطالب، أكّدت أّ الفكر الصوفي هو فكر يستمد أصوله من تعاليم الدين الإسلامي الصّحيح وهو سبيل لربط جسور التواصل بين العلماء المنتمين للطريقة القادرية ومختلف طرق التصوف، كما عرجت على الدور المهم للمرأة في دعم وترقية الطرق الصوفية من خلال دورها التربوي.
واعتبر في ذات السياق البروفيسور أحمد باب أحمد ممثل الطرقة القادرية بدولة موريتانيا أن التصوف أمان من التطرف، حيث أن للزوايا أدوار مهمة في صناعة المجتمعات وتعزيز حصانتها من الأفكار الدخيلة المتطرفة، مؤكدا أن طرق مجابهة الفكر المتطرف لا ينبغي أن تكون إلا بفكر مضاد يستطيع أن يرد عليه بعقلانية وبمسؤولية وحكمة وتبصر، مشيرا إلى أن العديد من المقاربات الموجودة فيما يخص هذه المسائل لم تستغل بعد، في حين نجد فيها الكثير من الحلول التي يمكننا الاكتفاء بها للحفاظ على الأمن والاستقرار بعيدا عن الحلول العسكرية والمستوردة.
من جهته الشيخ فرقان خان من دولة باكستان قال أن السبيل لمواجهة الغلووالتطرف هوالتحصن بتعليم مبادئ الدين الصحيحة، مشيرا إلى أنه ينبغي مواجهة الفكر المتطرف بالحكمة دون اللجوء إلى العنف والحرب.
وأضاف ذات المتحدث أن الطريقة القادرية لديها 600 فرع داخل وخارج باكستان بما يعادل 40 ألف طالب وطالبة، بالإضافة إلى 2700 مدرسة لتحفيظ القرآن للأطفال الصغار يتخرج منها كل سنة 5 آلاف أوأكثر حافظ، وعددهم 120 ألف دارس ودارسة داخل وخارج، كما تشرف على العديد من الأنشطة الدينية وتحفيظ القرآن والأناشيد وتلقين الدروس والمواعظ للتحصن بالفكر المعتدل فضلا عن قناة تلفزيونية هادفة.
أما محمد الشيخ الفاروق أبو تساوي خليفة الزاوية القادرية في السودان، فقد اعتبر أن للمنهج الصوفي دور كبير في ترقية المجتمع لاسيما في تربية الشباب وتلقينهم تعاليم الدين الإسلامي الصحيح، حيث لعب رواد الصوفية في السودان، كما ذكر دورا كبيرا في التصدي للتطرف والمصالحة بين أبناء البلد.
وأكّد الشيخ البرزنجي القادري الحسيني شيخ الطريقة القادرية من العراق أن التصوف عبر التاريخ كان صمام الأمان في كل البلاد الإسلامية.
من هنا: «نحن نقتدي بتعاليم السنة النبوية التي جاءت برسالة التوحيد لتوحيد الصفوف وجمع الناس على دين واحد وكلمة واحدة والتأكد على أهمية تقبل الآخرين على اختلافهم سعيا لتكرس فكر التعايش السلمي»، يضيف ذات المتحدث.
ومن جانبه ذكر الشيخ وليد حسين الإدريسي نائب مفتي جمهورية روسيا الاتحادية أن الإسلام المعتدل يحمل السلام لكل سكان العالم على غرار الطريقة القادرية التي تمثل المنهج الإسلامي المحمدي الصحيح الذي ينبذ التطرف وكافة أشكال التشدد.
أما الشيخ عبد الرؤوف غفاري غسكيا حامل لواء الطريقة القادرية بالبنين اعتبر من جهته أن الطريقة تعكف على نشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيح والتربية الروحية، إلى جانب المساهمة في نشر الوعي ومكافحة الجهل، منوّها إلى ضرورة تعزيز مكانة المرجعية الوسطية والعمل على تجفيف منابع الفكر المتطرف لاسيما بإفريقيا.
يذكر أنّ الملتقى الدولي توّج بعدة توصيات هامة من بينها العمل على إرساء ثقافة الحوار وإبراز قيم المرجعية الوطنية لتجفيف منابع الغلووالتطرف، استثمار الخطاب الصوفي في ترقية وترسيخ قيم المرجعية الوطنية والمواطنة والحرص التام نحوالحفاظ على هوية الأمة، بناء مدونة شاملة لمصطلحات المرجعية الوطنية والتعايش واحترام الآخر بما يثري المنظومة الصوفية بكل روافدها واتجاهاتها، الدعوة إلى ضرورة انفتاح الزوايا والطرق الصوفية على المجتمع وعلى مختلف الفئات لاسيما المرأة بالنظر إلى دورها التربوي، إدراج موضوع التصوف وأعلامه وطبقات الصوفية ضمن المنظومة التعليمية، ضرورة تنظيم مؤتمر عالمي حول شخصية مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر بالشراكة مع مؤسسة الأمير عبد القادر، إقامة مشاريع علمية وثقافية وروحية مشتركة مع المجامع القادرية في إفريقيا والعالم الإسلامي، ضرورة فتح كلية للدراسات الإسلامية بولاية ورقلة لربط الشباب بتراثه الصوفي وتقوية الشخصية الوطنية وتشجيع إقامة مشاريع الخير ومؤسسات استثمارية اقتصادية يعود نفعها على بلادنا وغيرها من البلدان.