قراءة في كتاب «حواس اللّغة - تعريب النّص وتوليف عروبته»

بقلم الأستاذة: لوت زينب

يرتبط البحث عن تعريب أو توليف ما يخصّص النوع العربي من النتاج الفني، وهي الحيّز المَكْنُون بإشكاليات تتعدد، فهل منحت الإجراءات النقدية الغربية منحى سليما لقراءة النص العربي؟ كيف تمكّن النقد العربي الحديث تبنّي المناهج الغربية بتعريبها أو إبدال مصطلحاتها في دراسة نموذجين مختلفين لغة وهوية؟ إذا كان الفراغ والبياض جملة تحقيقات تنمي غرائز القراءة لماذا ارتبط استكراه الفن العربي للفراغ ثم نراوغ في افتتان كل مقول دون  صحة قول؟ هذه اللغة العجيبة التي اجتبى فيها القرآن الإعجاز تبقى هناك بؤرة توتر تقوض نشاط النقد في وجهة ما، فهل لنا أن نتكلم عن إحياء ممارسة عربية لاستقراء منافذ جمالية النص العربي بدافع من حواسه اللغوية التي تنشط كخلية مكاشفة.
الفصل الأول من الكتاب يضم تحديدا لملمح النص العربي شعرا واستقراء لعذرية النص الجاهلي ونفض للجينات العالقة في النص الحديث، والفصل الثاني نقد الفراغ كنظرية تسقط حملها على القراءة العربية حيث يحدوا الفراغ خطوة تحتاج للملء، ويحتاج الملء لاحتمالات أقرب لتقنية لأنها ستهندس لنص جديد يتواءم بالمعطى الفني، وقد فسر مالك بن نبي الفراغ الكوني، نعلم جيدا أن الفن لا يفرق بين الديانات والحضارات فكل ماهو جميل،جميل، لكن نحن نتحدث عن الأفكار لكل فن، وكيفية استقراء تلك النماذج حسب لغتها وحضارتها، وانغماسها البيئي.
 ومن الجدير الإلمام بما هو غربي وعربي، فلا نود تجنيسا لأدب عن آخر لكن كقراءة استقرائية نود الوقوف على الخصائص الأدبية وإبداع اللغة بحسها الذوقي،فمادامت اللغة كائن حي فلكل كائن بيئته يعيش فيها ويتعايش منها، يحدثنا «بيار تيار دو شاردان» عن فكر الانسان الغربي.
ملخص كتاب شعرية الانفتاح..
قراءة فلسفية في لزوميات أبي العلاء المعري
يرتقي المتن الشعري عند أبي العلاء المعري بزخم معرفي، لا يمكن التحديد فيه ولا التقدير ولا الحصر إلا في تشكيل حركة منفتحة على كُنه المطلق الذي ينعكس من قوله:
 لا تُقيد علي لفظي فإنّي     
  مثل غيري تَكَلُمِي بالمَجَازِ
تمكّن المعري بتلك المعرفة القوية والخبرة العالية، والحدس الخبير في الذات اشتقاق الصور الفلسفية والنفسية، يرسم الشاعر ذاته من خلال قدرته على التَّشخيصِ، وإحكام التَّعـامُلِ مع الظاهرة الشعرية، وتسير أنظمتها وتأليف التَّراكيب والتَّحكم في الساكن إلى بث الحركة فيه، ودفـع اللذة إلى ذُروة التَّفكير في الظاهرِ والباطنِ الخفي، والتَّمحِيصِ في التَّوازي الموجود بين الصَّنعة وحـسن اختيار اللفظ الَّذي يؤدي مهمة تصوير وتأثيث الجودة، لكونها العامل في مزج مِخملية عملية الإبداع، بإتقان ممارسة السبك المُبدع فهل تنتج الفلسفة ذاتها من الحياة أو ترسمها الذات حياتيا؟ كيف يتمكّن التعدد من تسليط رؤية وإسقاط أخرى؟ هل القناعات هي جزء ذاتي من الموضوع أو هي ذاتها الموضوع؟ كيف نقيس درجة الإبداع؟ من أين تتجسد الأدبية في النص أو يجسد النص أدبيته بطريقته المثلى في إقناع القارئ وتهجين الملقى فرادة ونبوغا؟  
تتركّب الألفاظ في اللزوميات كمنتج فكري لفلسفة رؤيوية للحياة، والفعل الكتابي عند المعري قراءة في نماذج انسانية، من خلال أبجدية فكرية ولغة الفلسفية (عاقبة الشيخوخة ص 5 - المعشر المتنمس ص 11 - الفتيان العانسون ص 20 - الفقير والثري ص 34 - الملك المولّي ص 424 - المنجم ص 480 - النحلة الغافلة ص 708...ج1).
وتتجاذب كتاباته أبعاد أخرى لتصوير فني متعالي ومترف في الخيال (فرشُ الجسوم ونوارقها ص 207 - هل تعقل النجوم؟ ص 209 - قضايا ومنايا ص 605، ج1 / الذئاب العائثة ص 274 - الحياة جسرٌ ص 514 - الحياة إسار ص 557 - الشيب أزهار الشباب ص 712.../ ج2).
 تعدّدت الدراسات في شخصية أبي العلاء المعري،  وأدبيته من أهمها ذكرا «المعري ذلك المجهول رحلة في عالمه النفسية لعبد الله العلايلي»، الذي بَسَطَ المستويات النفسية واللغوية في اللزوميات، وأضاف طه حسين المجموعة الكاملة – أبو العلاء المعري – المجموعة العاشرة – و»طه حسين تجديد ذكرى أبي العلاء المعري دار المعارف القاهرة الطبعة السادسة 1963م» المستوى الفيزيولوجي، واستقيت الدراسة الإنسانية التي أسقطها مارون عبود على أبو العلاء المعري «زوبعة الدهور».
 ينفتح النص الشعري انفتاح مُتغَيِر، في شحنة حركية فنية تُثيرُ، وتستأثر المادة في رؤيا تجسيم وصقل وارتقاء اللغة بتشكيل منتج مناوئ لترتيبه الفيزيولوجي الخام، إلى محاكاة الواقع بواقع القوانين التي برمجة التَّخرِيج النصي، ونمذَجة الحاضر القار إلى الغائب المستحضر في عبقرية الجاهز في الإنشاء الأدبي، اللغة هي كينونة الأديب في عالمه، ومضمونا جماليا بعد الصياغة، فلا يعد الظاهر خبرة لتوقـع، وإنـما المتوقع الالتفات لـقيمـة المـضمر، والمـختزل في الـرموز البـاعـثة للانفـتاح والتقدير والنسبية، والتعـايش بشعرية المفتوح على المغلق، واكتشاف المحمول الفكري المـتحكم فـي توجيه المتّغير فـي حقل التَّميز، والمستمر في تقديم المنجَز.
 تسـمح الشعرية بالتّأمل في جوهر الأشـياء، والتَّجاوب الايـجابي في موجات الظواهر الدلالية لتعميق الرؤية المستقبلية لأفق التوقع، وعُدَّت مرجعـا لكل هذه التجارب، ينسجم فيها الجديد المشحون بضرورة الانتقال من الصورة الشعرية إلى شعرية الصورة، والبحث في المؤثرات الّتي تجس الإيقاع والالتفات لمواضع الـمُؤثرات وصيـرورة البحث داخل عوالِق الرمز، وأشكال الهيمـنة الجمالية في المعطى الفني، وليس هـذا إلا لتَّنضِـيد المنهجية الفـكرية من خلال المترابطات اللفظية الّتي تتقاطع وتتلاقى في نفس المؤثر، والارتقاء بجسد النص الشعري وحركته الإلتوائية في تنفيذ فجواته، واختراق العادي باللامتوقع المنزاح من المجرد إلى المتضافر، في شكلنة وأسلبة المنتج.
 تنشط الشعرية بـمواضيعها على القوانين الِّتي تتحكم في إنتـاج النص، وتنمو بدورها في مسار الدراسات القرائِية لتقديم خطوة أخرى لكسب الطريقـة والمسلك الخاص بها، والمخـصص من أجلها، تتعمق الشعرية في لزوميات أبي العلاء المعري، بدائرة ميتافيزيقا الذات وكـوامنها وكينونتها الزمكانية، واستطيقا التناغم التَّجميلي في تشكيلات الصورة، وترتيب العلاقات الّتي تستنبطها من ولوجها للمقـاصد والبنيات اللغوية في كونية المنجز، مستمدا الأفق التواصلـي بين الواقـع بـحيثياته والخيـال باِرتباطـه التَّخيلـي التَّصويـري الحسـي، والذوق الذي ينحدر منه العبقرية، والقدرة على تأصيل إطار خارجي يـخدم المخطط الداخلي
تحتاج الكتابة الى هندسة للمعنى بارتباطه الفني الاستطيقي بالشكل - المحتوى - المهيمنة، وتمثل الشعرية هي التوصل لعلمنة الأدب واستنطاق الحقائق الأدبية المتوارية في إجراءات الأدبية أدبية أبو العلاء المعري في اللزوميات لها خصوصية ذكرت في هذا الفصل أولها التأثير الفيزيولوجي، الصورة الفنية العلائية، انفتاح الصورة في الحركات التي حظيت بتفكير خاص عند أبي العلاء المعري فكل الحركات الملتزم بها في نهاية كل حرف الروي من عجز البيت صورة إنسانية وتصوير تمثيلي. حركة الضم - حركة الفتح - حركة الكسر - حركة السكون - في نهاية حاولت تقدير ما سبق في إبقاء الأثر لحركة الساكن في اشتغال النص المفتوح كإلحاق المرجع بمرجعيته وإتمام القول بخاتمة المقول.
اقتراب ظاهرتي لنص لزوم ما لا يلزم ببعض الجهد المتواضع بتصديره على هذا النحو شعرية الانفتاح في لزوميات المعري، بالانفتاح على المتخيل الشعري في تركيب اللفظ والمعنى، ثم انفتاح النص الفلسفي في اللزوميات: فلسفة أبيقور - الفلسفة الوجودية - الفلسفة الرياضية - فلسفة الكائن.
يرتكز الشعر على الموسيقى فكيف لا تكون اللزوميات، وقد اشتعل فيها الشاعر على الترتيب الأبجدي واستفاء البحور الشعرية، وتناسق القوافي برويين، ونفس الحركة في النص الشعري الواحد،كالوثبات الموسيقية مما يمنحه الخيال المنفتح على: القافية والروي في المتخيل الشعري،  وتكرار اللفظ وإيقاع المعنى المتخيل.

 

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024