اختلف الباحثون والمؤرخون حول تاريخ ميلاد الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي وإن كانت جمهرتهم قد مالت إلى أنه ولد عام 831 للهجرة الموافق لعام 1427 للميلاد، غير أنهم جميعاً اتفقوا على أن وفاته كانت في عام 909 للهجرة الموافق لعام 1503 للميلاد، فهذا باحث يقول: ولد المغيلي في مدينة مغيلة التابعة لبلدية ودائرة مغيلة، ولاية تيارت حالياً سنة 831 هـ الموافق لسنة 1427م، وهذا آخر يقول: يرجح أن يكون مولده سنة 820 هجرية، ومن الباحثين من وثق سنة ولادة المغيلي وسنة وفاته في عنوان دراسته مفترضاً أن سنة الولادة لا خلاف عليها، أو متفقاً مع أغلب الباحثين؛ لذلك نجد إحدى الباحثات تعنون دراستها على هذا النحو : الشيخ المصلح عبد الكريم المغيلي 831-909هـ / 1427 - 1503م.
تتجلى عين الطائر أكثر ما تتجلى عند الإمام المغيلي من خلال كتابه لب اللباب في رد الفكر إلى الصواب، فهو كتاب في المنطق، وفيه يبرز الإمام المغيلي كمنطقي متمكن، لا يقل أهمية عن العمالقة من مناطقة الشرق والغرب.
وفي هذا الكتاب الذي يُعد كنزاً لا يقدر بثمن، نجد أوّل عنوان فيه أصول المنطق، ثم ينتقل الإمام المغيلي إلى عنوان آخر، هو مسألة، وهذا العنوان يتكرر في أغلب صفحات الكتاب، حيث تقضي كل مسألة إلى أخرى ضمن تسلسل منطقي تم العمل عليه بأسلوب إبداعي. ولعلّ من المناسب قبل الولوج إلى آراء الإمام المغيلي في المسائل المنطقية، أن نميز من وجهة نظر معاصرة بين الفلسفة، والمنطق، فالفلسفة هي بذل الجهد من أجل الحصول على المعرفة الحقيقية الخالصة مهما كان نوع المعرفة طبيعية أو رياضية أو ما إلى ذلك، بينما المنطق هو القوانين المنطقية التي تحمي الذهن من الخطأ والزلل وتوجهه إلى صواب الرأي وتبعده عن الخطأ في العقيدة وغير ذلك؛ حتى تتوافق العقول الصائبة على صحة المنطق، أما موقع ويكيبيديا فيذهب إلى أن علم المنطق يمكن أن يُسمى أيضاً علم الميزان، حيث به توزن الحجج والبراهين، وكان ابن سينا يسميه خادم العلوم، كما كان الفارابي يسميه رئيس العلوم. وجاءت تسميته بالمنطق من النطق، ويطلق على اللفظ وعلى إدراك الكليات وعلى النفس الناطقة.
وبالعودة إلى الإمام المغيلي، نجده يقول في المنطق: أما المنطق: فاختلف فيه، هل هو علم أو آلة؟ والتحقيق أنه علم بالنظر لنفسه، آلة بالنظر لغيره، ثم يضيف: فعلى الأول قالوا: المنطق علم يتعلم فيه كيفية الانتقال من أمور حاصلة في الذهن لأمور مستحصلة فيه، وعلى الثاني قالوا: المنطق آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن من الخطأ في الفكر. وفي المسألة السابقة لمسألة تعريف المنطق يميز الإمام المغيلي بين الترتيب، والعلم والمعلوم، فيقول: “أما الترتيب: فهو جَعْلُ الأشياء في المراتب، وهي المنازل والعلم فحصول صورة أمر في الذهن. والمعلوم هو الصورة الحاصلة في الذهن”. إن التمييز بين “حصول صورة أمر في الذهن” و “الصورة الحاصلة في الذهن”، يدل على منطقي متمكن، يُدْرك أنه يتعامل مع “علم الميزان”، حيث لكل كلمة منطقها في سياقها.
وفي مقاصد التصورات يتساءل الإمام المغيلي: ما المُعرّف من حيث هو ؟ وكم أقسامه؟ وما كل قسم فيه؟ وعلى هذا المنوال يستمر الإمام المغيلي في طرح المسائل المنطقية، وهي الأسئلة التي تلد إجابات، ثم لا تلبث الإجابات أن تلد أسئلة أخرى، لا بد لها من إجابات.
نعم، إنها عين الطائر تلك التي نظر الإمام المغيلي من خلالها لكل مسألة استحقت النظر، وهي عين ترى الأشياء وهي بعيدة عن الهدف، ثم تُمْعِنُ في معاينة الهدف كلما اقتربت منه أكثر، إنّها عين ترى المكان على اتساعه، وتتأمل في آفاقه، فقد تدربت جيداً على العيش في أرضه، وسمائه، وقريبة من مائه.. يا لها من عين بصيرة ويا للإمام المغيلي من عالم شمولي، درب نفسه جيداً على الفهم المنطقي للعالم، وأمور دينه ودنياه.
الخاتمة
أما وقد وصلت هذه الدراسة إلى خاتمتها، فقد توصلت إلى جملة من النتائج، أبرزها:
اختلف الباحثون حول سنة ميلاد الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي، لكنهم اتفقوا حول سنة وفاته، وهي 909هـ/1503م.
الإمام المغيلي عالم مسلم، يتسم بالشمولية، وبعد النظر، وسعة الأفق، وكان واحداً من أبرز علماء زمانه.
رجحت هذه الدراسة بأنّ الإمام المغيلي لم يحارب اليهود؛ لأنهم يهوداً، ولكنه حارب طائفة منهم اتسمت بالجشع والاحتكار، والمبالغة في التعاملات الربوية، والخروج على القوانين والأعراف.
لم يتفق جميع العلماء المسلمين في عصر الإمام المغيلي على محاربة تلك المجموعة اليهودية بالطريقة التي حاربهم فيها.
لم يكن الإمام المغيلي مجاملاً للسلاطين، ولا باحثاً عن عطاياهم، ولكنه كان ناصحاً أميناً لهم.