العقوبات التأديبية المقرّرة بشأن مرتكب فعل البلاجيا
تأكيدا على موقف التشريع الجزائري من الانتحال في ميدان البحث العلمي، فقد عدّه خطأ مهنيا من الدرجة الرابعة إذا مارسه الأساتذة الباحثون الاستشفائيون الجامعيون، والأساتذة الباحثون، والأساتذة الباحثون الدائمون، بحسب نص المواد 22 و 24 و 31 المنصوص عليها تباعا في المراسيم التنفيذية المتضمنة القوانين الأساسية لهذه الفئة من الأساتذة، حيث جاء فيها ما نصه: “زيادة على أحكام المواد 178 إلى 181 من الأمر رقم 06 – 03 المؤرخ في 19 جمادى الثانية عام 1427 الموافق 15 يوليو سنة 2006 والمذكور أعلاه، وتطبيقا لأحكام المادة 182 منه، يعتبر خطأ مهنيا من الدرجة الرابعة (4) قيام الأساتذة الباحثين الاستشفائيين الجامعيين أو مشاركتهم في عمل ثابت للانتحال وتزوير النتائج أو غش في الأعمال العلمية المطالب بها في رسائل الدكتوراه أو في أي منشورات علمية أو بيداغوجية أخرى”.
بالرجوع إلى نص المادة 181 من الأمر 06 – 03 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية المحال عليها في المواد 22 و 24 و 31 أعلاه، نجدها قد حدّدت أشكال الأخطاء المهنية من الدرجة الرابعة بقولها:«تعتبر، على وجه الخصوص، أخطاء مهنية من الدرجة الرابعة، إذا قام الموظف بما يأتي:
1- الاستفادة من امتيازات، من أية طبيعة كانت، يقدمها له شخص طبيعي أو معنوي مقابل تأديته خدمة في إطار ممارسة وظيفته،
2- ارتكاب أعمال عنف على أيّ شخص في مكان العمل،
3- التسبب عمدا في أضرار مادية جسيمة بتجهيزات وأملاك المؤسسة أو الإدارة العمومية التي من شأنها الإخلال بالسير الحسن للمصلحة،
4- إتلاف وثائق إدارية قصد الإساءة إلى السير الحسن للمصلحة،
5- تزوير الشهادات أو المؤهلات أو كل وثيقة سمحت له بالتوظيف أو بالترقية،
6- الجمع بين الوظيفة التي يشغلها ونشاط مريح آخر، غير تلك المنصوص عليها في المادتين 43 و 44 من هذا الأمر”.
استنادا إلى نص المادة 181 أعلاه، خاصة في فقرتها الخامسة؛ فإن الانتحال في البحث العلمي عموما لا تُشرعن الشهادات والمؤهلات التي حصل عليها المنتحل في ميدان البحث العلمي، بدءًا بالشهادة أو الدرجة أو المؤهل التي حصل عليها الباحث عن طريق مناقشة بحثه، وانتهاءً بجميع الشهادات والمؤهلات والدرجات والترقيات التي حاز عليها لاحقا، وهذا فيه دليل على أن سحب اللقب العلمي المتحصل عليه يسري أيضا على سائر الألقاب العلمية الأخرى المحصل عليها لاحقا، وهو الأثر القانوني المنطقي المترتب عن تجريم الانتحال في البحث العلمي وإقرار العقوبة بشأنها، كما سنُشير قريبا.
يتعرّض مُرتكب الانتحال من الأساتذة - وهو خطأ مهني من الدرجة الرابعة كما تقدّم – إلى إحدى العقوبات التأديبية من الدرجة نفسها (الرابعة) طبقا لنص المادة 183: “تؤدي حالات الأخطاء المهنية المنصوص عليها في المواد 178 إلى 181 من هذا الأمر إلى تطبيق إحدى العقوبات التأديبية من نفس الدرجة، كما هو منصوص عليها في المادة 163 أعلاه”.
استنادا إلى نص المادة 183 فإن العقوبات التأديبية تتحدّد بحسب جسامة الخطأ كما صرّحت بذلك المادة 169/ فقرة 1 بالقول: “تصنف العقوبات التأديبية حسب جسامة الأخطاء المرتكبة إلى أربع (4) درجات: - وعدّت منها -:
الدرجة الرابعة: - التنزيل إلى الرتبة السفلى.
- التسريح”.
عن الجهة المخوّلة بإعلان هذا الصنف من العقوبات التأديبية بالنسبة إلى الأستاذ الباحث الاستشفائي؛ تقول المادة 23/ فقرتان 2 و 3 من المرسوم التنفيذي 08 – 129، المتضمن القانون الأساسي الخاص بالأستاذ الباحث الاستشفائي الجامعي: “وتعلن العقوبات التأديبية من الدرجتين الثالثة والرابعة بقرار مشترك بين الوزير المكلف بالتعليم العالي والوزير المكلف بالصحة، بناء على اقتراح من عميد كلية الطب و/ أو مدير المؤسسة الصحية المعنيين، بعد أخذ الرأي المطابق للجنة المتساوية الأعضاء المعنية المنعقدة في مدلس تأديبي.
تحدد كيفيات تطبيق هذه المادة بقرار وزاري مشترك بين الوزير المكلف بالتعليم العالي والوزير المكلف بالصحة”.
هذا ويتعرّض مرتكب البلاجيا أو السرقة العلمية (أستاذا كان أو غيره) لأطروحة الدكتوراه في مجال البحث العلمي للعقوبات التأديبية المنصوص عليها في المرسوم التنفيذي 98 – 254، مؤرخ في 17 غشت (أوت) 1998، يتعلق بالتكوين في الدكتوراه وما بعد التدرج المتخصص والتأهيل الجامعي، وقد صدر في ظلّ النظام الكلاسيكي؛ فقد نصت المادة 88 منه على أن: “كل تصرّف أو محاولة انتحال أو تزوير في النتائج أو غشّ له صلة بالأعمال العلمية المطالب بها في الأطروحة والمثبتة قانونا أثناء المناقشة أو بعدها، يعرّض صاحبه إلى إبطال المناقشة أو سحب اللقب الحائز عليه دون المساس بالعقوبات المنصوص عليهما في التشريع والتنظيم المعمول بهما”.
في ذات السياق، صدر مؤخرا القرار الوزاري رقم 547 الصادر عن وزير التعليم العالي والبحث العلمي، مؤرخ في 2 جوان 2016؛ حيث جاء في المادة 44 منه ما نصه: “كل محاولة سرقة علمية أو تزوير في النتائج أو غشّ له صلة بالأعمال العلمية المتضمنة في الأطروحة، والتي يتم ثبوتها أثناء المناقشة أو بعدها ويتم تأكيدها من طرف الهيئات العلمية المؤهلة، تعرّض صاحبها إلى إلغاء المناقشة وسحب اللقب، دون المساس بالعقوبات المنصوص عليهما في التشريع والتنظيم المعمول بهما”.
استنادا إلى نص المادة 44 أعلاه؛ فإن السرقة العلمية أو الانتحال أو البلاجيا عملٌ محظور ومُجرّم يستوجبُ ثبوتُها توقيع العقوبة التأديبية المناسبة المتمثلة في إلغاء مناقشة البحث (وهو الدكتوراه) بقوة القانون، إضافة إلى سحب اللقب العلمي الذي حصل عليه وهي الدرجة العلمية (الدكتوراه)، تطبق عليه العقوبتين معا. سواء ثبت ارتكابه لجريمة البلاجيا أثناء سير المناقشة أو بعدها. ويمكن أن يسري قرار السحب على جميع الألقاب والدرجات والرتب العلمية اللاحقة المحصل عليه، إذا ثبت ارتكابه للبلاجيا بعد المناقشة، سمحت له بالحصول على ألقاب علمية أخرى، فلا يحق له مناقشة أطروحته مرة ثانية.
أما بالنسبة إلى نص المادة المادة 88 من المرسوم التنفيذي 98 – 254 نجد أن المنتحل في أطروحة الدكتوراه يكون عرضة إلى إما لإبطال المناقشة بقوة القانون كأن لم تكن؛ إذا ثبت ارتكابه لجريمة البلاجيا أثناء أشغال المناقشة، وفي هذه الحالة – على ما يبدو - يُمكن مناقشته مرة ثانية شريطة أن يُعدّ بحثا جديدا (أطروحة جديدة) وفق الشروط التي تُقدّرها الهيئة العلمية للمؤسسة الجامعية التي ينتسب إليها، أو أيّ إجراء تراه مناسبا، كما أن لها أن تُقصيه من المناقشة أمامها. وإما أن يُسحب منه اللقب العلمي (دكتوراه) الذي حاز عليه؛ إذا ثبت ارتكابه للبلاجيا بعد المناقشة، تطبق عليه إحدى العقوبتين. وهنا بدوره يسري أثر السحب على جميع الألقاب العلمية التي حاز عليها من تاريخ مناقشته للدكتوراه.
ثانيا- أقسام الانتحال في البحوث العلمية:
يُمكننا تقسيم البلاجيا بالنظر إلى جانبها الشكلي وجانبها الموضوعي ( أو المعيار الشكلي والمعيار الموضوعي ) المرتبطين بالبحث العلمي. واستنادا إلى ذلك نُفرّق بين البلاجيا الشكلية والبلاجيا الموضوعية ( بلاجيا المحتوى والمضمون ). أيضا يمكن تقسيمها بالنظر إلى وسيلتها ( أو معيار الوسيلة ) إلى نوعين: البلاجيا الكلاسيكية ( التقليدية ) والبلاجيا الحديثة ( الالكترونية أو الرقمية ).
1- الانتحال الشكلي والانتحال الموضوعي:
- الانتحال الشكلي:
يرتبط الانتحال الشكلي (البلاجيا الشكلية) بشكل البحث المنتحَل – بفتح الحاء المهملة – ؛ فيُغيّر مثلا الطالب أو الباحث المنتحِل – بكسر الحاء المهملة – ( PLAGIARISTE ) المعلومات التي تُكتب على صفحة واجهة البحث ( LA PAGE DE GARDE )؛ كأن يُغيّر عنوان البحث مثلا ويستبدله بعنوان آخر، مع الإبقاء على محتواه دون تغيير أو تبديل، أو أن يُبقي على العنوان و يُغيّر فقط المعلومات الشخصية التي تخصّه كالاسم واللّقب، واسم المؤسسة الجامعية ( جامعة، كلية، معهد، مركز، ملحقة،... ) المسجل بها أو التي ينتسب إليها، والسنة الجامعية الجارية التي أُنجز أو نُوقش فيها البحث.
- الانتحال الموضوعي:
أو البلاجيا الموضوعية؛ تتعلق بموضوع أو مضمون البحث العلمي فكلّ طالب أو باحث انتحل مضمون بحث علمي كاملا ونسبه إلى نفسه يكون قد مارس انتحالا موضوعيا، وهنا قد يحتاج هذا الطالب أو الباحث المنتحِل إلى ممارسة الانتحال الشكلي أيضا؛ إذ من خلالها ينسب البحث إلى نفسه عن طريق حذف كلّ البيانات التي تُشير إلى صاحبه ( مؤلّفه الحقيقي)، ويضع بدلا منها بياناته الخاصة الشخصية.
كذلك يُعتبر انتحالا موضوعيا: كل عملية تغيير أو تبديل تطال مضمون البحث أو محتواه على وجه السرقة؛ فإذا قام الطالب أو المنتحِل باقتطاع جزءٍ من بحث، وطبعه تحت عنوان معين ( أي تحت عنوان آخر مغاير)، أو ألحقه ببحثه ونسبه إلى نفسه دون أن يُشير إلى ذلك، يكون قد مارس انتحالا موضوعيا.
أيضا يُعتبر انتحالا موضوعيا: كل طالب أو باحث يتصرّف في موضوع البحث ما إما بالاختصار أو التلخيص أو إعادة الصياغة، دون أن ينسب أصل موضوع هذا البحث – قبل التصرّف فيه - إلى مؤلفه الحقيقي والفعلي.
يستوي في هذا النوع من الانتحال أنْ يُبقي الطالب أو الباحث على مضمون أو موضوع البحث على لغته الأصلية أو أن يُترجمه إلى لغة أخرى، سواء قام بانتحاله كاملا أو اجتزأ منه جزءًا وطبعه مُستقلا تحت عنوانٍ مُغايرٍ أو ألحقه ببحثه كما تقدّم.
2- الانتحال الكلاسيكي والانتحال الإلكتروني:
- الانتحال الكلاسيكي ( التقليدي ):
يستند الانتحال الكلاسيكي إلى وسائل الانتحال التقليدية دون اللجوء إلى الوسائل التقنية الحديثة، وإنْ كان المؤدّى واحد وهو الاستيلاء على الأبحاث العلمية وما يُلحقه من أضرار معنوية ومادية على أصحابها الحقيقيين.
من الوسائل التقليدية لارتكاب الانتحال: أن يقوم الطالب المنتحِل مثلا بالتلاعب ببيانات صفحة واجهة البحث؛ كأن يُغيّر عنوانه مع الإبقاء على مضمونه كما هو دون تغيير، لكن على نحو يتلاءم فيه هذا العنوان المستحدث مع موضوع البحث، وقد تقدم ذكر التنبيه إلى ذلك.
في سياق متصل، قد يُبقي على صفحة واجهة البحث فلا يُغيّر العنوان، ولكن يُغيّر البيانات الخاصة بصاحب البحث الحقيقي؛ فيُغيّر اسمه ولقبه، والمؤسسة الجامعية التي ينتسب إليها، والسنة الجامعية، ويستبدلها المنتحِل بالبيانات الخاصة به، مع الإبقاء دائما على محتوى البحث كما هو. وقد تقدم ذكر ذلك أيضا.
أيضا في ذات السياق، أن يُغيّر صفحة الواجهة على النحو الذي ذكرت مع حذف بعض صفحات البحث؛ فيجمع بذلك بين الانتحال الشكلي والانتحال الموضوعي (البلاجيا الشكلية والبلاجيا الموضوعية) الذي ذكرته قبلا.
- البلاجيا الحديثة ( الإلكترونية أو الرقمية):
لقد أحدث ظهور الأنترنت ( INTERNET) ثورة غير مسبوقة في مجال الإعلام والاتصال، أسهمت في تكريس مفهوم العولمة في بعدها وجانبها الإعلامي والاتصالي (العولمة الإعلامية والاتصالية)، وانكماش الحدود الزمكانية بين الشعوب والمجتمعات التي أصبحت بفعل العولمة تعيش فيما يُشبه القرية الواحدة بل البناية الواحدة بل الغرفة الواحدة.
أصبحنا بفعل ظهور الأنترنت معنيين بالتعايش مع هذه الظاهرة العالمية الجديدة (أقصد العولمة الإعلامية والاتصالية) بإيجابياتها وسلبياتها. لقد أضحت الأنترنت الوسيلة الإعلامية والاتصالية الأولى عالميا في الحصول على المعلومة ونشرها وإذاعتها من أيّ نقطة من نقاط هذا العالم المترامي الأطراف، وليس أدلّ على ذلك من التدفق المعلوماتي الكبير والهائل والمتسارع عبر شبكتها العنكبوتية ( البينية )؛ هذا التدفق الذي يُسهّل الوصول إليه والإفادة منه بمجرّد نقرة على جهاز الحاسوب الموصول بالشبكة.
بالنظر للقيمة العلمية للأنترنت، عدّها علماء المنهجية مصدرا من مصادر البحث العلمي من حيث أن فيها تسهيلا للوصول إلى المعلومة والوثائق العلمية ( المصادر والمراجع ) ذات الصلة كمًّا وكيفًا، ومن ثمّ يُمكن منهجيا الاستناد إليها والاعتماد عليها في إعداد البحوث العلمية، واستخدامها في التوثيق البحثي العلمي الأكاديمي بشروط وضوابط منها: الأمانة العلمية في النقل والإسناد والتوثيق.
في هذا الإطار، تعدّ الأنترنت بالنسبة للطلبة والباحثين وسيلة مُجدية في تلقي العلم واكتساب المعرفة وإعداد البحوث ( على اختلاف مستوياتها ) في المؤسسات التعليمية المختلفة، سيما مؤسسات التعليم العالي ( الجامعي )؛ حيث أصبح بإمكان الطالب والباحث في المؤسسات الجامعية أن يستفيد من خدمات الأنترنت ( SERVICES D´INTERNET) المتعددة قصد تحضير دروسه وإنجاز بحوثه؛ فعلى سبيل المثال أصبح بمقدوره القيام بعملية التنزيل أو التحميل (TELECHARGEMENT) لأية مادة علمية تفيده في ذلك ( مسموعة، مرئية، مكتوبة... ).
وبهذا الصدد، صار من الممكن منهجيا للطالب اعتماد المواقع الإلكترونية كمصدر من مصادر أيّ موضوع بحثٍ في تخصصات العلوم الانسانية عموما بما فيها العلوم الشرعية والعلوم القانونية، طبعا في حالات استثنائية يستدعيها مثلا: نقص المادة العلمية في الموضوع محل البحث، أو أصالة المادة الإلكترونية المراد تنزيلها ( تحميلها )... ونحو ذلك، مع مراعاة صحّة تلك المعلومة، وعزوها إلى مصدرها بكل أمانة علمية.
ولأهمية الأنترنت في تلقي المعلومة ( INFORMATION ) في ميدان البحث العلمي ( RECHERCHE SCIENTIFIQUE )؛ صار لزاما على الطالب أو الباحث أن ينخرط في مجال المعلوماتية ( INFORMATIVE)، ويُحسِن استعمال الأنترنت، ويتعلّم كيفية الإبحار والبحث فيها، والاستفادة من خدماتها في إنجاز بحوثه.
هذا فضلا عن حتمية تعلّمه كيفية استخدام جهاز الحاسوب ( الإعلام الآلي )؛ الذي ربما يُعتبر أقدم وسيلة كانت – ولا زالت - متاحة للاستفادة من خدمات الأنترنت؛ إذ ليس من الصواب في شيء أن نجد طالبا أو باحثا لا يُحسن استخدام الحاسوب والأنترنت في عصر المعلوماتية الذي تتسابق فيه الدول نحو الريادة والسيادة في ظلّ التسارع الهائل لمشاهد العولمة الإعلامية والاتصالية، فمنْ لم يُواكب أو يُساير هذه الحداثة الإعلامية والعصرنة الاتصالية؛ سيقبع خائبا في غياهب ظلمة “أمية العصر: الأمية الإلكترونية”.
لكن من المهم على مستخدم الأنترنت في إطارها العلمي كالطالب والباحث الجامعي مثلا أن لا يحيد عن الاستخدام السليم والأمثل لها؛ إذ يتوجب عليه أخلاقيا ألا يقوم بعملية تنزيل أية مادة علمية بحثية بنية الانتحال والبلاجيا، أو ما أسميه: “ الانتحال الإلكتروني أو الرقمي “ أو “ البلاجيا الإلكترونية أو الرقمية”.
تأسيسا على ما تقدم ذكره؛ فإن الانتحال الإلكتروني (الرقمي) في ميدان البحث العلمي: أن يعمد شخص وهو الطالب أو الباحث إلى انتحال موضوع بحث علمي بتحميله من الأنترنت، ونسبته إلى نفسه كذبا وزورا، فهو انتحال إلكتروني أو رقمي نظرا لأن الطالب أو الباحث المنتَحِل يُوظِّف فيه الأنترنت كوسيلة الكترونية لممارسة الانتحال غير المبرّر قانونا.
إن الانتحال الإلكتروني ( الرقمي ) وإن كانت تتحقق صورته باستخدام الأنترنت، لكن هذا لا يعني أنها تتمّ بعيدا عن الانتحال الكلاسيكي؛ فالطالب أو الباحث المنتحِل إذا قام مثلا بتنزيل مذكرة أو رسالة أو بحث أو أيّة وثيقة علمية أخرى، فعمليه التنزيل تلك تتمّ – كما هو واضح – إلكترونيا عن طريق الأنترنت، لكنها تتعلق بتزييف البيانات نفسها التي يتمّ الإعتداء عليها في الانتحال الكلاسيكي.
إن الطالب أو الباحث المنتحِل – كما أشرت قبلا – يُلغي كل ما له علاقة بالباحث الحقيقي من عنوان بحثه، واسمه ولقبه، والمؤسسة الجامعية التي ينتسب إليها أو سجّل فيها بحثه، والسنة الجامعية للتسجيل... وهكذا.
وقد يُبقي المنتحِل على عنوان البحث مع التصرف في موضوعه، وقد يُبقي عليه دون تصرف، ووجه الحداثة في كل ذلك هو استخدامه الأنترنت باعتبارها وسيلة بحثٍ حديثة؛ تتيح له الحصول على البحوث في مختلف المستويات العلمية ( ليسانس، ماجستير/ ماستر، دكتوراه )، وبجودة عالية، وبسرعة فائقة، وهذا للأسف سهّل على الطالب والباحث في العلوم الشرعية والعلوم القانونية وسائر التخصّصات العلمية الأخرى انتحال بحوث الآخرين بسهولة تامّة.
كلمة ختامية لا بد منها:
في ختام هذا المقال، أحبّ أن أُسجّل هنا ملحظًا مهمًّا يختصر لنا ما تقدّم ذكره، فمن المؤسف أن يُصبح البحث العلمي مرتعًا خصبًا وميدانًا مناسبًا للمنتحلين المبطلين، ويُقتحم من غير أهله المنصفين الذين جعلوا من البلاجيا والانتحال والسرقة العلمية سمتهم ودينهم، ولقد اتضح أن أسباب تفشي ذلك في أوساط الطلبة والباحثين كثيرةٌ مردّها إلى غياب الأخلاق والقيم الشرعية في البحث العلمي.
في سياق متصل، من المؤسف أن تعرف هذه الظاهرة السلبية طريقها وتجد مناخا ملائما للتفريخ بين طلاب الشريعة الإسلامية والباحثين في علومها وأيضا في العلوم القانونية، فضلا عن سائر العلوم الإنسانية الأخرى، وقد علمنا موقف الشريعة والقانون في تحريم وتجريم البلاجيا بأنواعها وطرائقها.
هذا وتتوزع المسؤولية الأخلاقية في انتهاك حرمة البحث العلمي والتعدي على أخلاقياته ويقع عبؤها على عاتق كلّ من الطالب أو الباحث المرتكبّ للبلاجيا، والأستاذ المؤطّر الذي تخلّى عن واجبه الرسالي فأفسد الطلاب بسبب تفريطه في الصرامة الأكاديمية وما تتطلبه من أمانة علمية، وأخيرا الإدارة الوصية التي أهملت هي الأخرى دورها في الضبط الإداري لشؤون البحث العلمي، يُؤكده حالات التساهل في تسجيل الأبحاث وعرضها على الهيئات العلمية.
هو واقعٌ آسنٌ لا مناص من الإقرار به بكلّ ألمٍ، والأملُ – بعد الله عز وجل - معقودٌ على جميع المعنيين من أجل تحسين الوضع والارتقاء به نحو الأفضل.
الحلـقــة 2 والأخـــيرة