يعتبر الهواء عنصرّا أساسيًا من مكونات الحياة، بَيْدَ أنّ الإنسان يستطيع أن يتحمل نقص الغذاء لأيام والماء لساعات ولكن ليس في مقدوره تحمل نقص الهواء، وخاصة الأوكسجين، إلا لدقائق محدودة جدًا، ولا تقل أهمية الهواء للحيوان والنبات عنها للإنسان.(١)
وقد اهتم المشرع الجزائري بالعامل البيئي كمعضلة جديدة في التشريعات الوطنية والتنمية الاقتصادية،(٢) وبدأ الاهتمام بمبدأ التوازن بين النمو الاقتصادي ومتطلبات حماية البيئة على المستوى التنفيذي منذ ظهور اللّجنة الوطنيّة الوزاريّة التي استحدثت من أجل التحضير للندوة الدّوليّة حول البيئة في استكهولم عام 1972، والمؤتمرات الدولية اللاحقة التي عالجت مسألة البيئة، وفي إطار جلسات الاستماع السنويّة لقطاع تهيئة الاقليم والبيئة كان التلوث الجويّ من أهم البنود المبرمجة (٣).
جاء القانون رقم 03 - 10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة ليؤكد التوجه العام للتشريع البيئي الجزائري(٤)، والذي يزاوج بين البيئة والتنمية المستدامة حفاظًا على حقوق الأجيال القادمة في بيئة سليمة وصحية، كما نصّت عليها جُل الاتفاقيات الدّوليّة المعنية بالبيئة والتي صادقت عليها الجزائر؛ فكيف عالج هذا القانون التلوث الجويّ؟ أو بالأحرى: ما هي الأحكام المقرّرة لحماية الهواء والجو في ضوء القانون رقم 03 - 10 المتعلق بحماية البيئة في اطار التنمية المستدامة؟
للإجابة عن هذه الاشكالية يجب التصدي للأسئلة التالية: ما هي القواعد العامة لحماية البيئة من التلوث الجوي واستنزاف طبقة الأوزون في التشريع الجزائري البيئي؟ وما هي العقوبات المقرّرة في حالة مخالفة هذه الأحكام؟
ولقد تمّ الاعتماد على المنهج الاستقرائي التحليلي، وفقًا لمقاربة تتكون من قسمين يُتناول في الفصل الأوّل متطلبات حماية الهواء والجو في ضوء أحكام القانون رقم 03 - 10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة؛ وأما الفصل الثاني فيعالج الحماية الجزائية المقررة لحماية الهواء والجو في قانون البيئة الجزائري.
الفصل الأوّل
متطلبات حماية الهواء والجو
عالج المشرع الجزائري على غرار التشريعات المقارنة مسألة حماية البيئة الجوية والفضاءات المغلقة ضمن قانون إطاري وأحال المسائل التقنيّة إلى السلطة التنظيمية، بغية تحقيق الحماية المنشودة، ووفاءً لالتزامات الجزائر الدولية في مجال حماية الجو والهواء، وخاصة المتعلقة بتنظيم إنبعثات المواد المستنفذة أو الملوثة لطبقة الأوزون(٥).
لذا يتناول هذا الفصل القواعد العامة المقررة لحماية الهواء والجو في ضوء أحكام القانون رقم 03 - 10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، وذلك من خلال التصدي أولاً لمفهوم التلوث الجوي (في المبحث الأوّل)؛ ومعالجة مقتضيات حماية الهواء والجو المنّصوص عليها في قانون حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة والمراسيم التنفيذية ذات الصلة ثانيًا (في المبحث الثاني).
المبحث الأوّل: مفهوم التلوث الجويّ
يُعد التحديد الاصطلاحيّ للمفاهيم والأطر أولويّة من بين أهم الأولويّات في أيّ دراسة أكاديميّة جادّة كما يذهب إلى ذلك جُل علماء وكتاب المنهجيّة، لذا ارتأينا في مستهل هذا البحث تناول موضوع الدراسة من هذه الزاويّة، وذلك من خلال بيان مفهوم التلوث الجويّ(٦)، عن طريق تحديد التعريف التشريعيّ والتعريف الفقهيّ (في المطلب الأوّل)، ومعالجة أسباب التلوث الجويّ، أنواعه وسبل مكافحته (في المطلب الثاني).
المطلب الأوّل: تعريف التلوث الجويّ
تعدّدت وتنوّعت التعاريف التي عالجت بيان التلوث الجوي، يمكن تصنيف أهمها: ضمن التعريف التشريعيّ (في الفرع الأوّل)، والتعاريف الفقهيّة (في الفرع الثاني)؛ نتصدى لها فيما يلي:
الفرع الأول: التعريف التشريعيّ
التلوث الجوي أو ما يصطلح عليه البعض بـ: تلوث الهواء؛ نوع من أنواع التلوث البيئي الذي يمس الغلاف الجوي والفضاءات المغلقة، والتي عالجها التشريع الجزائري ضمن القانون رقم 03 - 10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة؛ حيث عرّف التلوث الجوي ضمن المادّة 04 منه؛ على أنّه «التلوث الجوي: إدخال أية مادة في الهواء أو الجو بسبب انبعاث غازات أو أبخرة أو أدخنه أو جزيئات سائلة أو صلبة، من شأنها التسبب في أضرار وأخطار على الإطار المعيشي».(٧)
وعرّفه المشرع المصري على أنّه «كل تغيير في خصائص ومواصفات الهواء الطبيعي يترتب عليه خطر على صحة الانسان والبيئة سواء كان هذا التلوث ناتجًا عن عوامل طبيعية أو نشاط إنساني بما فيه تلك الضوضاء».(٨)
أمّا المشرع البلجيكي فقد عرف تلوث الهواء على أنّه «كل انبعاث في الهواء أيا كان مصدره سواء بمادة غازية أو سائلة أو صلبة من المحتمل أن تصيب صحة الإنسان أو تسبب الأضرار للحيوانات أو المزروعات أو الأموال العامة».(٩)
ولقد عرّف المجلس الأوربي في إعلانه الصادر في 8 مارس 1968 على أنّه: «وجود مواد غريبة في الهواء، أو حدوث تغيير في نسب المواد المكونة له ويترتب عليها حدوث نتائج ضارة».(١٠)
الفرع الثاني: التعاريف الفقهية
تـــعدّدت وتــنوّعت تــعاريف الكتّاب والشـــراح الذيـــــن تناولـــوا تـــعريــف التـلـــوث الجـــويّ أوبالأحرى تلوث الهواء، فيرى البعض أن تلوث الهواء؛ يعني «اختلاط الهواء بمواد معينة، مثل وقود العوادم والدخان. وبإمكان تلوث الأضرار بصحة النباتات والحيوانات، وتخريب المباني والإنشاءات الأخرى».(١١)
كما يُعرف على أنّه «وجود شوائب من الهواء سواء كان بفعل الطبيعة أم بفعل الانسان وبكميات ولفترات تكفي لإقلاق راحة وصحة من يتعرض له». (١٢)
ويُعرّف أيضًا على أنّه «وجود مواد سائلة أو صلبة أو غازية في الهواء مما يؤدي إلى أضرار للحيوانات أو المزروعات أو الأموال العامة».(١٣)
المطلب الثاني: أسباب التلوث الجوي، أنواعه وسبل مكافحته
نتناول الأسباب التي أدت إلى بروز ظاهرة التلوث الجوي وخاصة في عالم اليوم، أنواعه (في الفرع الأوّل)، وسبل مكافحته (في الفرع الثاني)، ضمن ما يلي:
الفرع الأول: أسباب التلوث الجوي وأنواعه
إنّ أسباب التلوث عديدة ومتنوعة؛ يصنفها بعض الباحثين إلى نوعان ملوثات هوائية خارجية وملوثات هواء داخلية (١٤)، ويمكن تصنيفها كذلك إلى طبيعية وأخرى بشرية، كما يرجعها البعض إلى طبيعية وأخرى كيميائية، ويصعب حصرها، وأهمها حسب الدكتور عارف صالح مخلف (١٥)، نذكر:
1 - عوادم السيارات؛
2 - مخلفات الصناعات الغازية؛
3 -حرق النفايات والقمامات؛
4 - الغاز الطبيعي؛ خاصة مصانع تكرير البترول والغاز على غرار ما يعانيه سكان مدينة سكيكدة من مصنع التكرير البترول المنشأ في قلب المدينة، والذي أدى إلى إصابة العديد بأمراضٍ تنفسية كالربو وأمراض السرطان... وأمراض أخرى.
5 -الأتربة المتطايرة (الهباء)؛
6 -المبيدات الحشرية والكيمائية؛
7-الأعمال الحربية أو النشاطات العسكرية؛
8 - بالإضافة إلى التجارب النووية أو الكيماوية المؤثرة على الجو.
أمّا عن أنواع ملوثات الهواء، يذكر بعض الباحثين (١٦) ما يلي:
1 -الملوثات السمية؛
2 - الملوثات الخانقة؛
3 - الملوثات المهيجة؛
4 - الملوثات المخدرة؛
5 - المواد الحرارية؛
6 - ملوثات الروائح الكريهة.
أهم مظاهر التلوث الجوي (١٧)، تتمثل في:
1 - الضباب الدخاني؛
2 - الأمطار الحمضية؛
3 - الاحتباس الحراري؛
4 - استنزاف وتلوث طبقة الأوزون.
الفرع الثاني: سبل مكافحة التلوث الجوي
يذهب اتجاه فقهي إلى الإقرار بأنّ وسائل مكافحة التلوث تكمن في وجوب مقاومة أسبابه، لا سيما بوضع معايير ومقاييس لنقاوة الهواء وتحديد المستوى المسموح به، بواسطة أدوات الضبط الإداري البيئي، والتي تسمح للسلطات الإدارية بالحفاظ على توفر الحد الأدنى(١٨)؛ وعلى سبيل الذكر، ينّص قانون البيئة الأردني في المادّة 18 منه على ضرورة إصدار المواصفات والمعايير المناسبة لنقاوة الهواء وتحديد مواقع المنشآت التي تعد مصدر للتلوث وإنشاء مراكز لمراقبة انبعاث التلوث.(١٩)
تتضمن أهم صور ووسائل المعالجة أو مكافحة التلوث الجوي(٢٠)؛ ما يلي:
1 - تقليل عوادم المركبات؛
2 -تخفيض وتنظيم انبعاث الغازات الصناعية؛
3 -معالجة القمامات والنفايات وحظر حرقها؛
4 -تشجيع عملية التشجير والمساحات الخضراء لتقليل الأتربة والعوالق؛
5 -عقلنة وترشيد استعمال المواد الكيمائية؛
6 - بالإضافة إلى حظر التجارب النووية والإشعاعية.