الحلقة 1
لما يريد الإنسان التمييز بين الظاهر الحقيقي والوهم الغير ملموس سيخضع لضغوطات الصراع مابين الأسود والأبيض، السرور والهموم، الليل والنهار، الوجود والعدم، ليس من السهل الخروج منه ببساطة وكسب مايحتاجه، ينبغي أن يبحث بالعقلانية العلمية والأكاديمية ومجالات أخرى و مستويات عدة، مابين المادية الجدلية والفكرية، نستطيع القول بأن الباحث هنا يقع بين الخطين الساخنين مايريده...؟ الأول : ملموسات جوهرية ....؟ والثاني: افتراءات وحاجات وهمية ....؟ الصدق أو الكذب ؟ الثاني يدل على العدم وهو يستصحبنا العمق والتحقق علميا نحو الاتجاهات الفكرية.
بين المادية والفكرية
المادية الجدلية تعتبر أن الفكرة نتاج المادة ليس من نتاج الفكر، ففكر الانسان نتاج مادي من عقله وليس الانسان من نتاج الفكر. هناك صراع وجدل قوي بين المادية والفكرية لهذا نجد الانقسام مابين الماديون والمثاليون كلهما بعكس الآخر يتجه مساره، المثاليون يعتقدون بأولوية الفكر أو الروح، والماديون يعتمدون على الاتجاهات العلمية التي تنفي زوال المادة ومن هذا المنطلق نقرأ هنا وهناك الجدل المثير والمستمر عند فلاسفة هذين الشطرين.
في قصيدة الهزيمة يقول لنا الشاعر سمكو محمد (ولد 1969 كركوك العراق) بلغة ديناميكية هناك اختلاط مابين المادية الجدلية والفكرية وأن كل منهما تكون التكملة للآخر، لو لا العقل كمادة أساسية وجوهرية للإنسان فلن يكن للتفكير عمقا بأشياء ولولا الفكر لن تكن جدلية المادية بعنفوانها الحالي وتبسط سيطرتها، الهزيمة أحيانا تقول لنا الفكر يبسط سيطرته على العقل وأحيانا تبرز المادية، ربما الشاعر لن يدرك بذلك وعفويا نطق به.
من هنا لابد أن نرى و ندلي باعترافاتنا كأحقية في هذا الشأن، الرياضيات علمتنا بأن السالب بعد السالب يعني موجب، وهذه بمعنى آخر هل أن الهزيمة تلو الهزيمة تعني الفرج والوصول الى السرور، رغم أنها تدل فقط على الانكسار النهائي والتدمير والخراب والتحطيم، كما علمتنا الرياضيات إذا أردنا الوصول الى نتيجة صحيحة وسليمة وهادفة من خلال فض الطرق نلمسها وليست بطريقة واحدة، ودوما ينبغي علينا أن نعلم بأن الحقيقة وما نمارسها في الذهن فلا يتصور بأنه صاحب الحقيقة ومن يقف خلفه مخطئ.
الهزيمة أن تعيش في دوامة من الأخطاء المتكررة والمتشابهة، والعثرات الدائمة المستمرة، فهل أن الأخطاء للشاعر قد تتجدد مرة تلو الأخرى، هناك أخطاء متشابهة أثناء دوران الحياة، إننا نترك هذه وندخل القصيدة ونبدأ من البداية نجد جمالية القصيدة من جملة شعرية للشاعر والمفكر أدونيس ( المزهرية يرى جسد المرأة فقط ) هنا لعب الفكر وجدلية المادية في آن واحد في إحياء هذه الصورة الشعرية، المزهرية وجسد المرأة أشياء مادية، ولكن الفكرة هي التي خلقت الجملة الشعرية، وشاعرنا هكذا يريد أن يتماسك بلعبة جمالية الكلمات لكي تخلق من أفكاره جمل جميلة وفكرية، من هنا يتعمق مع أفكاره وتنظيراته ومايريد أن يقول لنا في الهزيمة عن علاقاته العاطفية والجنسية في حياته، فلابد للقارئ أن يستمر ويفكر بما يردد لنا الشاعر من خلال كلمات قد تشاغب عقولنا لصعوبة استيعابها والا للناقد يسهل القراءة عندما يتجول في معاني السطور وأبعادها.
قبل الشروع بالقصيدة، أود أن ينتبه القارئ لخطأ ما وقع لربما يكون فادحا مابين المترجم للقصيدة والشاعر نفسه، قد ترجم كلمة ( دوران ) بـ ( الهزيمة ) والأصح هي ( خسارة ) فهناك فرق بين الخسارة والهزيمة وكلنا ندرك ما الفرق، وحينما سألت الشاعر عن هذا الخطأ في الترجمة فرد علي بأن هنا تأتي بمعنى الهزيمة، اذن هنا الشاعر نفسه قد يتحمل عبء هذا الخطأ لأن في اللغة الكوردية ( هزيمة ) بمعنى ( به زين ) كان على الشاعر ان يسمي قصيدته بعنوان ( به زين ) وليست ( دوران ) للتوضيح فقط. رغم أننا لدينا بعض الملاحظات في الترجمة بعد مقارنة النص الكوردي مع النص المترجم للغة العربية، إلا أننا نقول كلمتنا حول ماجاء في النص المترجم، لأننا ندرك بأن الشاعر نفسه مرضي بالترجمة ارضاءً حسنا.
من خلال ثقوب الأبواب
وشقوق المنافذ
كنت أنظر
فأرى النساء مابين سجادة المفروضات
ومكر فساتيهن الملطخات
يتمازحن مع الأبليس
يحففن حواجب تماثيلهن بالأمواس
ويرين رغباتهن في منفضات رجالهن
الذين كانوا يكتبون كلمة نور بيد
وبالأخرى يسنون سكاكينهم بوجه القمر
يستصحبنا الشاعر من بداية القصيدة لكي نتفهم منه مايريد أن يقول لنا، المعنى هنا نرجعه لقلب الشاعر والا أننا لنا قراءة ربما نخالف ما يقصده، وما معنى الذي يقصده بهذا القول ولكننا نسأل أي معنى نحن ننسبه إليه، وهذا مانبحث عنه هنا، تتخاصم الأفكار في الأذهان مابين عدة مواضيع حساسة منها ( فلسفية ، الجدلية المادية والفكرية)، نلمس بأن الفلسفة دخلت من مجراه الصحيح في أروقة باب النص دونما يدرك الشاعر انها عفوية، أشياء لم ولن نلمسها ولا نراه ولا نشاهده كالمشاهدة ( النظر ) والرغبة والكتابة ضمن نطاق حواس باطنية داخل الإنسان. هناك تعقيدات فكرية مابين المشاهدة ولعبة الكر والفر مع الرجل وأخذ الدروس من الأبليس لكي تكون قوية بإرادتها على الرجل وتعلن الحرب مع الخالق حينما ترمي السكين بوجهالقمر، وهذه في رؤيتي فرض الارادة على الرجل لأن تفكير الرجل اليها مجرد عملة مادية جسدية وهنا سمكو يقول لنا بأن النساء بكبريائهن تعظم وجودها من العدم وتبرز بيننا وتقول كلمتها.
ولما نسترجع تأملاتنا لعمق الفكر والفلسفة لابد ان نكون صريحين مع الذات ومن ثم مع الآخرين وهنا بادئ الصراحة تستسلم أفكارنا لحقيقة مجرى الحياة والبحث عن جوهر بنية الانسان والكون إذا قلنا هذا النص له إلتزام شديد بالفكر والفلسفة، العبثية هنا وهناك تلازم الشاعر ويشير لنا في هذا المتمتع الرائع والبدائي من القصيدة ويراودنا بالاتجاه السليم له فيدرك في السطر الذي يشير اليه ( يتمازحن مع الأبليس ) الى أن يصل ( وبالأحرى يسنون سكاكينهم بوجه القمر) رغم أنه وقع بمصيدة العبثية في الوقت ذاته يحاول معنا بالاستصحاب نحو المنعطف الفكري والذي أصابه وأصاب نصه بالغموض المعنوي لذى الناقد والقارئ، أننا لن نتفق مع الجملة الشعرية لـ ( أدونيس ) كمقولة حينما أشار إليها قبل بداية القصيدة والذي يقول فيها ( في المزهرية يرى جسد المرأة فقط ) إلا في حالة واحدة ألا وهي الحب والعشق والرومانسية في الشعر، ولغير ذلك نجد الكثير من المزهرية، والشاعر أيضا يستوحي من هذه المقولة لكتابة قصيدته ولكن ضمن الاطار الذي أشارنا إليه، وإلا الفكر والفلسفة لهما تعمق في حياة الانسان والكون وكيفية بنيتهما، وإذا صح التعبير نقول سمكو محمد انعطف من أفكار إنسانية بحتة للعبثية ومن ثم كل هم الشاعر يتجسد التعمق بأفكار ورغبات وسجية المرأة عند تعاملاتهن واختلاطهن اليومية وكيفية ممارسة التصرفات مع الجنس المقابل، ويستغرب لفسيولوجية هذا الكائن المجهول بحسب نظرتهن وتدني طمحه الفكري والفلسفي وكذلك الجدلية المادية لأفق غريب ينبغي على الكاتب والمفكر أن يجد كل ما حول الانسان من الغرائب والعجائب وكيفية نشوئها، من تكوينة الكون الى عقلية الساسة المستبدة ومستبدلة السلطة سلميا، ليس مستغربا الرجل الشرقي يرجع كل مايريد يفسره ويفكر به لفلسفة جوهرية يتحول عفويا ومن خارج إرادته لاتجاه الحب والعشق والرومانسية والجدلية المتشابكة بين الرجل والمرأة لسيطرة وهيمنة البعض على الآخر، كلما يحاول ويجاهد تجسيد روح الفكر والفلسة والجدلية المادية يستكمل نصوصه ضمن نطاق رغباته وشهواته وغرائزه الجنسية المندفعة صميميا، وإذا قلنا آفاق والنظرية الابعادية لجوهر الغاية عند رجالنا الشرقيين بصيرة لربما نبالغ وإنما الى حد ما ذات بعد قصير.
هيجان من أشعات كونية
عند بداية المقطع، القارئ يتصور بأن في ثقوب الأبواب وشقوق المنافذ هيجان من أشعات كونية لابد التحقق من مآربها ومصدر إطلالتها وانطلاقتها والا القارئ يصطدم بنظر النساء . على كل حال ستكون قرائتنا النقدية ضمن إطار القصيدة. وعملنا هنا ليس بهدف إنحطاط النص وعدم إبرازها وتقليل جهود الشاعر، لا وإنما لنا القراءة والنقد وله الكتابة ونشير فيما بعد لإبداعه الرائع ضمن الإطار المخلوق.
كانوا يقولون : لو لا ليالي الأنس
لكان النهار جوهرة بلا حكمة أو قيمة
رعد ماتذوب به رقائق الجص
كان يزمجر قائلا:
تيهوا تحت زمن الأنس المطلق
تحت ظفائر مدلات بالحروف
بين طوق و أبيء وشقوق الجدران
طالما أنكم لستم من مشتاقي الملكوت
لما لا تكرون تلك الشمعدانات الكريستالية
أنتم الذين مبعدون عن الألهات
لما تخافون من زعل الطاووس
أنتم الذين لاتفهمون من ونين أمهاتكم وهلع أبائكم
ماذا أنتم فاعلون بين تلك السطور الباردة والجامدة
أنتم الذين تقفزون على مدار الساعة
فوق عشرات من المعاول والطبر الملونة
في صباح أي فصل وتحت جناح أي طائر
تحنطت أنوثتكن كالمومياء.
يتبع...