رواية للأسير الفلسطيني باسم خندقجي

النّصـوص المـوازية في “قنـاع بلون السماء”

د. نبيل طنوس

سنتناول في هذه المقالة ملاحظات حول نصوص موازية/مرافقة لمتن الرواية والتي نرى بأن لها أهمية خاصة ومن المفروض أن تكون لها علاقة بالمتن وتقودنا إليه.

يعدّ النّص الموازي من المفاهيم النقديّة التي عَمِلَت عليها الشّعريّة الغربيّة، وقد كان جيرار جنيت Gérard Genette من طرح هذا المصطلح، فما يهمه ليس النّص وحده، وإنما التّعالي النّصيّ والتفاعلات الموجودة بين النّصوص، وقد عرّف جنيت النّص الموازي في كتابه كما أشار إلى ذلك د. عبد الفتاح الحجمري (1996) بأنّه عبارة عن ملحقات نصيّة وعتبات نعبرها قبل ولوج أي فضاء داخلي، كالعتبة بالنّسبة إلى الباب، أو كما يقول المثل: “أخبار الدار على باب الدار”، وهكذا فالنصوص الموازيّة تزوِّدنا بأخبار المتن. تشمل النصوص الموازية عدة جوانب، ومن أهمها ما يلي:

-  الغلاف وكلّ ما عليه: اسم الشّاعر، عنوان الكتاب، صور وأشكال، ألوان، كلمات، خطوط، دار النشر وغيرها.
-  الغلاف الخلفيّ ومحتوياته من أشكال وصور وكلمات وألوان وغيرها.
-  الغلاف الداخليّ.
-  الإهداء.
- الشعار Motto.
- فهرست.
- إصدارات للمؤلّف.
- الغلاف ومحتوياته: يشمل الغلاف رموزًا فلسطينيّة ورموزًا صهيونية سنبينها خلال تطرقنا إلى مركبات النّصوص الموازيّة.
الــــعــــنــــوان:
يُعرّف العنوان مبدئيًا من خلال التّعريف الاصطلاحيّ التّالي: “العنوان للكتاب كالاسم للشّيء. به يعرف وبفضله يُتداول ويشار به إليه. يؤسّس (المؤلّف) علاقته هو بالنّص من خلال العنوان. والعنوان بالنّسبة للمؤلّف يمثّل أكثر من مجرّد قراءة، بل يمثّل خيارًا لما يريد لنصّه أن يقول، ويعبّر عمّا يُمثِّله النّص بالنّسبة إليه كمنتج له. (فحماوي وتد.2013)
 نرى بأنّ عنوان النّص هو كاسم المولود، فأحيانًا نختار الاسم قبل الولادة وأحيانًا ننتظر إلى ما بعدها وأحيانًا نسّمي المولود تيمّنًا بشخصيًة نقدًرها أو تأمّلًا مستقبليًا وفي جميع الحالات الاسم/ العنوان الّذي نعطيه للمولود/للنّص يعكس فكرنا وأحاسيسنا وما يجول بعالمنا نحن. “قناع بلون السماء” هو العنوان الرّئيسي للرواية ويحتوي على عاملين اثنين:
القناع ولون السماء.
الــــقـــــــــناع:
 القناع هو أسلوب بدأ بالشعر ومن ثمّ انتقل إلى القصة. يقول كاصد (2016) “القناع اصطلاحًا هو وسيلة فنيّة لجأ إليها الشعراء للتعبير عن تجاربهم بصورة غير مباشرة، أو تقنيّة مستحدثة. فِي الشعر العربي المعاصر شاع استخدامه منذ ستينيات القرن العشرين بتأثير الشعر الغربي وتقنياته المستحدثة للتخفيف من حِدة الغنائيّة والمباشرة في الشعر، وذلك للحديث من خلال شخصيّة تراثيّة، عن تجربة معاصرة، بضمير المتكلم. وهكذا يندمج في القصيدة صوتان: صوت الشاعر، من خلال صوت الشخصيّة التي يعبر الشاعر من خلالها”.
استعمل أدونيس اسلوب القناع على غلاف مجموعته الشعريّة “أغاني مهيار الدمشقيّ” للتعبير الشعريّ بواسطة شخصيّة “مهيار الدمشقيّ”، وعند ظهور كتاب “تجربتي الشعريّة” للشاعر عبد الوهاب البياتي أصبح القناع مصطلحًا أسلوبيًّا يشير إلى الاسم الذي يتحدث من خلاله الشاعر عن نفسه متجردًا من ذاتيته أي أن الشاعر يتجه إلى خلق وجود مستقل عن ذاته وبذلك يبتعد عن حدود الغنائيّة والرومانسيّة. “يعد البياتي رائد القناع سواء من حيث تحديد مصطلحه الدقيق أو من حيث استخدامه في شعره حتى أن إحسان عباس يعتبر أن عماد التجديد في إبداع البياتي يعتمد على تقنيّة القناع ويعتبر السياب أيضًا من رواد القناع وذلك من خلال عدة قصائد للسياب اعتمدت على تقنيّة القناع مثل قصيدة “المسيح بعد الصلب” كاصد (2016). القناع في الرواية هو هويّة “أور” اليهودي التي وجدها “نور” الفلسطيني وتقنّع بها. وهي الهوية الزرقاء التي ترمز إلى الصهيونية. من هنا نرى بأنّ للعنوان أهميّة خاصّة وذلك بسبب ارتباطها بالمضمون وكما نقول بالمثل: “المكتوب يُقرأ من عنوانه”. لون السماء هو اللَّوْنُ الأزرق - سماويّ وهو أحد ألوان علم الصهاينة: أزرق أبيض. والمركب من نجمة داود بلون ازرق داكن بين خطين أفقيين أزرق داكن على حقل أبيض.
اللَّوْنُ الأزرق هو مجاز مرسل Synecdoche، نوع من الكناية، وهو أسلوب كلامي يستخدم فيه تعبير لجزء من الشيء للإشارة إلى الكلّ أو العكس. وهنا هي رمز الصهيونية. يؤكد هذه الرمزيّة ما ورد في متن الرواية:
«- ناتان ... أور واحد منّا ... أزرق أبيض”1. ويضيف الكاتب إشارة تفسيريّة لمعنى “أزرق أبيض” بالرقم 1. هكذا: (1) إشارة إلى لونيّ علم دولة الكيان الصهيوني. ص 148) لون العنوان هو الأحمر الذي يمثل القوة والعاطفة والثقة، ويمثل أيضًا الغضب أو الحذر أو الخطر. على الرغم من أن هذا اللَّوْن يمثل حالة الفلسطينيّ بشكل عام والأسير بشكل خاص، لكن بالنسبة لمضمون الرواية أرى بأن اللَّوْن الأزرق يلائم أكثر.
صورة الهويّة الصهيونية ذات اللَّوْن الأزرق فاتح ومعلومات مفصلة عن حاملها بالخط الأسود. معلومات مثل: صورة صاحبها، واسمه، واسم الاب والأم والعائلة وتاريخ الميلاد والعنوان والرقم التسلسلي وتاريخ الإصدار الدولي والعبري واسم الدولة ووزارة الداخليّة باللغتين ورسم شعار الشمعدان. وهي بطاقة الهويّة التي وجدها “نور” الشاب الفلسطينيّ واسم صاحبها الأصلي “أور” بالعبريّة ومعناه “نور” وهي الهويّة التي تقنَّع بها “نور “الفلسطينيّ”. مطرزة فلسطينيّة: التطريز الفلسطينيّ هو فن ومُكَوَّن هام في حياة المرأة الفلسطينيّة وهو جزء من الفلكلور الفلسطينيّ الذي وَرَثته المرأة الفلسطينيّة وأورثته إلى الأجيال القادمة على مرّ العصور، وتعود أصوله إلى عهد الكنعانيين، كما تشير الآثار في مختلف أنحاء فلسطين التاريخيّة. استعملت المرأة في فلسطين التطريز في تزيين أثوابها بشكل رئيسيّ إضافة إلى عدد كبير من حاجات البيت كالمفارش والوسائد والمحافظ وغيرها. انتشر هذا الفن في معظم أنحاء فلسطين تحديدًا المنطقة الوسطى منها.
كانت الأنماط المستخدمة في التطريز متباينة وفقًا للمناطق الجغرافيّة، وكان بالإمكان التمييز عبرها إلى المنطقة التي تنتمي إليها المرأة، بل حتى إلى أي بلدة تنتمي. تمّت إضافته إلى قائمة التراث الثقافيّ غير الماديّ في لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربيّة والعلم والثقافة (اليونسكو) عام 2021م (الويكيبيديا). المطرزة الفلسطينيّة تبرز بكل أناقتها على غلاف الرواية وموضعها فوق الهويّة الصهيونية الغامضة قليلًا وتبدو المطرزة الفلسطينيّة أكبر من الهويّة حجمًا.
قــــبـــّة الـــصـــخـــرة:
هي قبّة المسجد الواقع بجانب المسجد الأقصى، في القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي محمد، صلَّى الله عليه وسلَّم، إلى السماء العليا في ليلة الإسراء والمعراج، ومن هنا رمزيّتها وقداستها. قبّة الصخرة هي معلم تاريخيّ إسلاميّ مميز، نال عناية فائقة من المسلمين على مرّ العصور. بُنيت سنة 69 للهجرة على يد عبد الملك بن مروان. لقبّة الصخرة مكانة خاصّة في الإسلام، فهي معلم يُعَدّ من أشهر الفنون المعماريّة الإسلاميّة. تبرز قبّة الصخرة على غلاف الرواية معلنةً فلسطينيتها وفي الخلفيّة الأسوار ومدينة القدس.
الشابان: هما نفس الشخصيّة ولكن الوضعيّة (Poza) مقلوبة وترمز إلى الهويتين واحدة حقيقيّة والأخرى مقلوبة وهي القناع. البالونات: ترمز إلى حلم الانطلاق إلى الحريّة. اللون الأسود للبالون يرمز إلى الحلم بالحريّة. ختم: يحتوي على نفس الأرقام ولكن عربيّة (هندية) وعبرية (لاتينيّة). حيفا بالعربية بالحاء كما يلفظها العربيّ وCAIFFA كما يلفظها اليهودي. وهذا يتماثل مع ثنائيّة الشخصيّة “نور “الفلسطينيّ” و«أور” اليهوديّ. الغلاف الخلفيّ: يحتوي على: ملخص القصة. تصميم الغلاف: نجاح طاهر.
بالون أسود، دار النشر: دار الآداب. تعريف بالكاتب.
الإهــــــــــــداء:
«إلى عمّي خالد رفيقي العتيق المبدئيّ دومًا، وإلى عمتي ناديا ابنة حارة الياسمينة القويّة ابدًا”. يحتوي الإهداء على كلمتين: المبدئيّ والقويّة تعكسان قِيَم في شخصيّة الكاتب. في الإهداء يوجد تقدير لعمّه ولعمته. عمّه مبدئيّ ليدل على أنه مَهَماتيّ instrumental وعمته قويّة ليدل على أنها تعبيريّة Expressive. في هذا الإهداء يعلن الكاتب إيمانه وتبنيه لمبدئية عمِّه ولقوة عَمَّتِهِ مما يُقَوّي ثباته وصموده في الأسر وطموحه للتحرر منه.
الــــشــــعـــــار Motto:
 الشعار جملة يضعها كاتب أو جماعة معيّنة أو تنظيم معين أو دولة للتعبير عن توجّه خاص أو عن قيمة أو فكرة تصف دافع واضع الشعار. يحكي عن النوايا أو الأهداف وغيرها. قد يكون الشعار من إعداد واضعه أو اقتباس من مرجع معين. للدول توجد شعارات وطنيّة.
هنالك شعارات تقليديّة، مثل:
-  “إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ”.
-  “خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ”.
-  “العلم نور والجهل ظلام” وغيرها.
الشعار الذي اختاره كاتب الرواية مُقتبس من جداريّة محمود درويش:
-  «غنّيْت كي أزِن المدى المهدور
-  في وجع الحمامةِ،
-  لا لأشْرح ما يقول الله للإنسان،
-  لسْت أنا النبيّ لأدّعي وحْيا
- وأعْلِن أنّ هاويتي صعود” (محمود درويش: جداريّة)
هذا الاقتباس هو شعار (Motto) يُلَمِّح فيه الكاتب إلى نزول الوحي على النبي محمد (صلّى الله عليه وسلّم) ويعبّر فيه عن إعلانه للصمود في عُزلته، وأن روايته ليست وحيًا فهو لا يدّعي النبوءة إنما يغني تعويضًا عن حياته المهدورة.
المــــصـــــــادر
الحجمري، عبد الفتاح. (1996) . عتبات النّص البنية والدلالة. الدّار البيضاء. منشورات الرابطة. فحماوي وتد، عايدة. (2013). في حضرة غيابه، تحولات “قصيدة الهويّة” في شعر محمود درويش. إصدار: مجمع القاسمي للّغة العربيّة، أكاديميّة القاسمي ومكتبة كلّ شيء. حيفا

 

مـن هـو بــاسم خـندقجـي؟

كاتب وأسير فلسطيني من مواليد 1983. درس في جامعة النجاح الوطنية في قسم الصحافة والإعلام. اعتُقِل من قبل قوات الاحتلال الصهيونية في 2 نوفمبر 2004، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة. له عدة روايات ودواوين شعر كتبها من داخل سجون الاحتلال وآخر رواياته «خسوف بدر الدين» الصادرة في ديسمبر 2018. ترجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسية. وحصل على الجائزة العالمية للرواية العربية البوكر عام 2024 عن روايته «قناع بلون السماء».
تجربة باسم خندقجي في أدب السجون، مختلفة ومُلفته للنّظر؛ فهو يقبع في السّجن منذ 02 نوفمبر عام 2004، ولا يكتب عن تجربته فيه، وهو بذلك يختلف عن سجناء كُثُر كتبوا عن عالم السّجن وتجربتهم فيه، وتكاد أعمالهم تقتصر على تجربتهم ومحيطها، أمثال علي الخليلي الذي كان من أوائل من كتبوا عن أدب السجون في سبعينات القرن الماضي وكتابه «المفاتيح تدور في الأقفال»، وأيضا فيصل حوراني وكتابه «المحاصرون» بينما نجد باسم حداثيًا قد خرج عن المألوف في رواية أدب السجون، فالأدب برأيه يُعمّر أكثر من السياسة وتحفظه الأجيال وتتناقله بينما السياسة تموت على الغالب مع صاحبها، وتبقى كلمات أسرانا وكتاباتهم أبديّة.
في أفريل 2024، حصل على الجائزة العالمية للرواية العربية البوكر عام 2024 عن روايته «قناع بلون السماء» الصادرة عن دار الآداب سنة 2022. وقد قال عنها رئيس لجنة التحكيم “روايةٌ تغامر في تجريب صيغ سردية جديدة للثلاثية الكبرى: وعي الذات، وعي الآخر، وعي العالم، حيث يرمح التخييل مفككاً الواقع المعقد المرير، والتشظي الأسري والتهجير والإبادة والعنصرية. كما اشتبكت فيها، وازدهت، جدائل التاريخ والأسطورة والحاضر والعصر، وتوقّد فيها النبض الإنساني، كما توقدت فيها صبوات الحرية والتحرر من كل ما يشوه البشر، أفراداً ومجتمعات..”.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024