إنّ أهمية التّخطيط اللّغوي بما يرسمه من أهداف وما يقدّمه من تدابير وحلول من أجل تطوير وترقية القطاع السياحي، وكيف تساعد اللغة العربية هذا القطاع في تحقيق الأهداف المسطرة له وأهمها تنمية الاقتصاد الوطنيّ.
هذه اللغة لها دور رئيس في بناء الأمّة والهويّة الوطنيّة، كما أنّها مصدر مهمّ من مصادر الدخل القوميّ ومقوّمات وجود الأمّة العربيّة الإسلاميّة.
ونظرا لأهمّيّتها سعت المؤسّسات والهيئات العلميّة إلى تطوير الأهداف والاستراتجيّات لتغيير كيفية اِستخدام الأفراد للّغة، وهذا ما يُعرف بالتخطيط اللّغوي، والذي هو في جوهره لا يخرج عن كونه عمليّة منظّمة واعية لاختيار أحسن الحلول الممكنة للوصول إلى أهداف معيّنة بغية حماية اللغة القوميّة من التحديّات المحدقة بها، خاصّة وأنّ استعمالها اِنحصر في فئة قليلة من المجتمع، وفي ميادين محدّدة كالدين والتعليم والعدالة، وهذا الوضع يستدعي تخطيطا لغويّا جادّا يعمل على حلّ المشاكل الفعليّة التي تعيشها اللغة العربية، ويأخذ بعين الاعتبار العوامل اللغويّة وغير اللغويّة التي تؤثّر سلبا أو إيجابا في عمليّة التخطيط، إضافة إلى اِستفادته من العلوم الإنسانيّة المجاورة والمتقاطعة مع اللغة العربية.
وقد نتساءل عن علاقة التخطيط اللغوي بالتنمية السياحيّة، فنقول بأنّ التّخطيط يتلازم مع كلّ الجهود التي يبذلها الأفراد أو المؤسسات، ولكنّه في غالب الأحيان لا يكون ذا أثر فعّال إلاّ عندما يكون مجهودا فاعلا من أجل التنمية الشاملة، وعناصر ومبادئ التخطيط تؤكّد الصلة الوطيدة بينه وبين التنمية، فالتخطيط عبارة عن سياسة محدّدة تُعتمد من أجل التحديث والتطوير والتصحيح، كما أنّه يهدف إلى تحقيق أهداف مستقبليّة تتناسب وطموحات الدولة.
وبهذا يتّضح أنّ التنمية والتخطيط متلازمان، والتنمية هي أهداف طويلة المدى، ويتمّ تحقيقها على مراحل وعبر خطط تنمويّة محدّدة. ذلك أنّ التنمية السياحيّة هي تنمية حضارية شاملة لكافة المقوّمات الطبيعيّة والبشرية والمادية واللغويّة، وبالتالي فهي أداة للتنمية الاقتصادية وللتدفقات المالية بالنقد الأجنبيّ. كما لا يمكن الحديث عن تنمية سياحيّة دون رسم سياسة لغويّة رشيدة تمهّد الطريق نحو الترقية والتطوير.
وما تقدّم يدعونا إلى الحديث عن أهمية اللغة في القطاع السياحيّ، والتي تتجلّى من خلال:
1- الاتّصال والتواصل: تمكّن اللغة المرشدين من التحاور والتفاهم مع السيّاح، ومن فهم اِحتياجاتهم وتكييفها للأفضل، وهذا ما يمكّنهم من الاحتفاظ بزبائنهم من خلال التعامل معهم بلغة يفهمونها، وهذا من شأنه أيضا أن يمنحهم راحة نفسيّة وطمأنينة، خاصة إذا راعى المرشد لغة الضيف.
2- جودة الخدمة السياحيّة: إنّ حُسن الاتّصال والتواصل بين المنظّمة السياحيّة والضيوف يمنح الخدمة السياحية جودة عالية؛ خاصّة إذا كان المرشد مؤهّلا ويتمتّع بمهارات لغوية تمكّنه من التواصل بشحنات ثقافيّة متنوّعة، خاصّة وأنّ المرشد لا يتعامل مع الضيف بالوثائق والمستندات بقدر ما يتعامل معه بالأداء.
3- إرضاء الضيف: إنّ خدمة الضيف وكسب رضاه من أهمّ خصائص الخدمة السياحيّة؛ لذا من المهمّ التواصل مع الضيف بلغة مهذبّة ولبقة واعتماد أسلوب المجاملة، خاصّة وأنّ أغلب الخدمات يتمّ التعامل فيها وجها لوجه، مع الضيف، فلابدّ أن يكون هناك نوع من المجاملة والعلاقات الودّية التي تجمع ما بين المُرشد والضيف، فهذا كلّه يمكّن من الاتّصال الجيّد مع الضيف وتفهّمه.
4- الثّقة بالنّفس: يوفّر إتقان اللغة في القطاع السياحيّ حالة من الشعور بالثقة بالنفس خلال تقديم الخدمة؛ لأنّها تمكّن العامل من تقديم الخدمة بامتياز لما توفّره له من إمكانيات وقدرات، كالإطّلاع على ثقافات وعادات وتقاليد وقيم وطرق تفكير مختلف الأجناس في العالم كيف لا واللغة حاملة لتاريخ وثقافات الشعوب.
5- ميزة تنافسيّة: تتطلّب إقامة علاقة مربحة بين الضيف والمؤسّسة السياحيّة فهم احتياجاته بشكل أفضل ممّا يفهمه المتنافسون في القطاع، وأن يقدّموا خدمات أفضل ممّا يقدّمه الآخرون من حيث الجودة والتميّز. واللغة هي وحدها القادرة على ترجمة هذه الخدمات بالشكل المطلوب والمرغوب؛ لذلك إذا امتلك المرشد أو الموظّف في القطاع السياحيّ المهارات اللغوية العالية، فإنّ الضّيف سيرسم صورة جيّدة عن الخدمات التي تقدّمها المنظّمة السياحيّة وهذا سيساعد على بقاء الضيف أطول مدّة ممكنة. فالسياحة إذا كانت قطاعا اِقتصاديّا حيويّا يستثمر العملة فإنّ الكلمة هي أيضا عملة.
وإذا نحن حاولنا تتبّع وحدة هذه اللغة في مجال السياحة، فإنّنا نلمس واقعا لغويّا باهتا ضعيفا بسبب:
- ممارسات من ينتصرون للّغة الأجنبيّة، التي قلّصت من دور اللغة العربيّة في كثير من المجالات وبخاصّة المجال الاقتصاديّ، وهذا ما جعل اللغة العربيّة تنزوي وتبتعد عن الحياة العمليّة.
- تعمل المؤسّسات السياحيّة على تلبية حاجات الضيف دون اِستحضار الأبعاد الحضاريّة للشعب الجزائريّ والمنبثقة من هُويّته الإسلاميّة، والتي تحملها اللغة التي من المفترض أن يتمّ التواصل والتفاهم بها.
- المؤسّسات يحكمها منطق نفعيّ وماديّ، يستبعد اللغة العربيّة ما دامت لغة الاقتصاد ليست هي اللغة العربيّة، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها.
- التعدّد اللغويّ والثنائية اللغويّة التي تشهدها المؤسّسات الحكوميّة على اختلافها تُترجم بصدق الاضطهاد الذي تعيشه اللغة العربيّة.
- غياب التصوّر الكامل والدقيق في ظلّ سياسات مرتجلة لم تهتم بتهيئة اللغة العربيّة من داخلها، ولم تزوّدها بآليات النجاح.
- محدوديّة الرصيد اللغوي للمعجم السياحي وبساطة استعمالاته، وهذا ما دفعهم لإهمال اللغة في هذا القطاع عوض الاهتمام بإصلاحها وتحديثها.
- اعتقاد القائمين على هذا القطاع، بأنّ السائح يجهل اللغة العربية جهلا تامّا، وهذا الجهل بها من شأنه أن يجعله ينفر.
وقد خلصنا ممّا تطرّقنا إليه إلى بعض الاقتراحات والتوصيات، نذكر منها:
* تنمية وتطوير القطاع السياحي من خلال تنمية قدرات الموارد البشرية لاستيعاب كلّ التطورات الحاصلة في المجال السياحي.
* ضرورة تحديث اللغة والمصطلحات العلميّة الموظّفة في هذا القطاع، خاصّة وأنّه قطاع متعدّد اللغات، والنظر فيها ما إذا كانت صالحة لتكون لغة عمل وتخاطب، وقادرة على توصيل المفاهيم والمعاني الحديثة إلى السيّاح.
*الاهتمام بالتخطيط اللغويّ بغية تحسين الخدمات داخل المؤسسات السياحيّة؛ لأنّ القطاع السياحيّ عنصر أساسيّ في التنمية الاقتصاديّة.
* يجب استعمال اللغة العربيّة في هذا القطاع الحيويّ ومؤسّساته الخاصّة بطريقة إيجابية مع انتقاء الكلمات المناسبة لاستعمالها كلغة سياحيّة، لأنّ اللغة العربيّة تنتشر ويتّسع مجال استعمالها بمدى ما تتّصف به من سهولة وبساطة ومسايرة للواقع، وما تحمله من رسالة.
* إتقان اللغة العربيّة واللغات الأجنبية لإمكانية التحاور والتفاهم، وتجنّب الحرج الذي قد ينتج عن استعمال لغة قد لا يفهمها الضيف.
* وجوب اعتماد تخطيط لغويّ يهدف إلى تعميم استعمال اللغة العربيّة في القطاع السياحيّ؛ لأنّها مهمّة في التعريف بالهوّية الوطنيّة.
* تنمية وعي المؤسّسات السياحيّة بأهمّية اللغة في خدمة هذا القطاع، إضافة إلى وضع برامج تدريبيّة لتنمية المهارات اللغويّة للعاملين في هذا القطاع.