عاد البروفيسور عبد الحميد بورايو، العلم الجزائري في سماء الدراسات الشعبية، إلى ثلاثة من الدارسين كان لهم دور كبير في الترسيخ للبحث في مجال الثقافة الشعبية المغاربية، ورحلوا منتصف الشهر الفائت؛ ليلى قريش وعبد الحميد حاجيّات من الجزائر، وعبد الرحمن أيوب من تونس.. وسعى الأستاذ بورايو إلى تقديمهم لمن يهتمّ بالدراسات الشعبية، خصوصا وأنه عرفهم عن قرب، سواءً في ميدان البحث، أو من خلال ما ربطه بهم من صداقة.
كتب البروفيسور عبد الحميد بورايو، العلم الجزائري في سماء الدراسات الشعبية، يقول، إن عائلة الدراسات الشعبية في البلاد المغاربيّة فقدت، منتصف الشهر الفائت، ثلاثة من الدارسين الذين كان لهم دور كبير في الترسيخ للبحث في مجال الثقافة الشعبية المغاربية؛ عبد الرحمن أيوب من تونس، ليلى قريش وعبد الحميد حاجيّات من الجزائر.
وقال بورايو في هذا الصدد، إنه أراد أن يقدم هذه الأسماء للقراء المهتمّين بهذا المجال نظرا لمعرفته بهم عن قرب؛ فقد تعرف عليهم في ميدان البحث، وربطت بينه وبينهم علاقة صداقة متينة تفرض عليه ما يستطيعه «من واجب الوفاء لهذه الوجوه البارزة التي أضافت للبحث في مجال الثقافة الشعبيّة المغاربيّة بصفة خاصة، مع اختلاف فيما بينها من حيث الاهتمامات وطريقة المعالجة».
ليلى قريش.. مناضلة وباحثة رائدة
يقول بورايو إن ليلى قريش «من بنات هؤلاء الذين سماهم التاريخ «الأقدام السوداء» في الجزائر».. ويضيف بأن «أصلها مالطيّ، ووالدتها من أصول إنجليزية، وما تبقّى من أسرتها يحملون الجنسية الفرنسية يعيشون في «إكسنبروفانس» جنوب فرنسا، وكان والدها نقابيّا».
وُلدت روزلين ليلى قريش في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، وقضت طفولتها في الأحياء الشعبية بالعاصمة، واستقرت أسرتُها مبكرا في حيّ باب الوادي. ولمّا قامت الثورة الجزائريّة اختارت أن تنظمّ للثورة وأن تنشط في إطار شبكات الدعم فيها، تمّ القبض عليها، وكادت تمر إلى حبل المشنقة لولا تدخل أحد أقربائها من الضباط الكبار في الجيش الفرنسي في الوقت المناسب وأنقذها مما كان مرسوما لها.
ويضيف بورايو بأن ليلى واصلت عملها الثوري حتى بداية الاستقلال، وانضمّت إلى إدارة مكتبة الجامعة، وساهمت في إنقاذ هذه المكتبة العامرة بالوثائق والكتب التراثية العربية خاصة والفرنسيّة ومنجزات المستشرقين، من عملية الحرق التي قامت بها المنظمة السرية في الجيش الكولونيالي التي عارضت نتائج مفاوضات إيفيان وقررت تدمير مؤسسات الدولة واغتيال المثقفين الجزائريين ومن دعمهم من الفرنسيين.
وسعت ليلى إلى الالتحاق بمعهد اللغة والأدب العربيّ للتسجيل في شهادة الدكتوراه من الطور الثالث. وتكفّل بالإشراف على موضوع بحثها، المتعلق بدراسة ميدانيّة حول القصة الشعبية الجزائرية في حيّ باب الوادي، د.عبدالله الركيبي الذي يُعدّ من الذين ساهموا في ترقية المعهد بعد أن تخرج من جامعة القاهرة، وكان بدوره مجاهدا، وقد كان أول أستاذ جامعي يقبل الإشراف على موضوع في الأدب الشعبي في معهد اللغة العربيّة الذي كان مسؤولوه وأساتذته وقتئذٍ غير راضين عن مثل هذا التخصص، «الذي يعتقدون بأنه يُنافس العناية بأدب الفصحى، وأن العناية به كانت بدافع استعماري؛ فاللهجات المحلّيّة كانت من بين موادّ الدراسة في الثانويات الفرنكو- إسلامية وفي قسم الآداب والفنون في الجامعة في نفس الفترة الاستعماريّة»، يقول بورايو، مضيفا أن هذا التخصص «لم يكن مبرمجا في المعهد عند تأسيسه من جديد بعد الاستقلال».
ناقش الأستاذ عبد الله ركيبي رسالته للماجستير في جامعة القاهرة في فترة اعتماد قسم اللغة العربية مادة الأدب الشعبي التي كان يشغل كرسيّها حينئذ د.عبدالحميد يونس، وكان يحتكّ بأهم أساتذة القسم من أمثال شكري عياد وسهير القلماوي وعبد العزيز الأهواني، ولا شكّ أنه أدرك من هذا الاحتكاك أهمية برمجة الأدب الشعبي في قسم اللغة العربية، خاصة وأنه في موضوعه للدكتوراه حول الشعر الديني في الجزائر، وجد مدوّنته في أغلبيتها تتضمن الشعر الملحون (شعر معلوم المؤلف باللهجة العربية الدارجة، شاع وازدهر ونال حظوة في الوسط الثقافي الجزائري خلال قرون مضت)، وقد سمّاه الشعر الشعبيّ. جميع هذه العوامل دفعت المرحوم الأستاذ عبدالله الركيبي إلى الدفاع عن موضوع ليلى قريش وفرض تسجيله في قسم اللغة العربية، والمساهمة فيما بعد في إدراج مواد الأدب الشعبي ضمن برنامج المعهد. ناقشت ليلى قريش أول رسالة دكتوراه من الطور الثالث في معهد اللغة والأدب العربي سنة 1976، وكان موضوعها «القصة الشعبية الجزائرية ذات الأصل العربي». كان ذلك حدثا هاما بالنسبة للأساتذة والطلبة، «وكنتُ شخصيا قد سجّلت موضوعي حول الأدب الشعبي في جامعة القاهرة في نفس السنة التي ناقشت فيها بحثها الأكاديمي، وكنت على اتصال بها من أجل الانتفاع بتجربتها وقد شجعتني على خوض ما كان حينذاك يُعدّ مغامرة بحثية في معهد للغة العربية يخضع لنزعة توجيهيّة مُحافِظَة فرضتها الظروف التاريخية التي مرّت بها اللغة العربيّة في الزمن الاستعماريّ»، يقول بورايو.
ثم التحقت ليلى قريش بجامعة إكسنبروفنس ليشرف عليها أحد المستشرقين في موضوع دكتوراه حول سيرة بني هلال المطبوعة، فجمعت رواياتها وأخضعتها للفحص وللتحليل الموضوعاتي ووضعت لها مفهرسة شاملة، «أعتقد بأنها فريدة من نوعها بين المؤلفات التي وُضِعَتْ حتى الآن حول السيرة». ونوقشت الأطروحة في منتصف الثمانينيّات من القرن الماضي، ونُشرت على شكل كتاب في جزئين سنة 2010.
ومن أفضال ليلى قريش أيضا على دراسة الأدب الشعبي الجزائري، أنها أقنعت الأستاذ أحمد لمين، الذي كان متخصصا في مرحلة التحضير للدراسات الشعبية بالشعر العربي الجاهلي، بضرورة عقد مقارنة بين الشعر الشعبي في الجزائر والشعر العربي الجاهلي والإسلامي. والتحق المرحوم أحمد لمين بدوره بجامعة إكسنبروفنس وأنجز بحثا اعتمد على دراسة ميدانية للشعر الشعبي في منطقة سيدي خالد، قارن بينه وبين الشعر العربي القديم، وقد سمح هذا العمل الميداني بتوفير مادة خصبة للشعر الشعبي الجزائري المتداول ما بين منتصف القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين وتحقيقه، خاصة وأن المنطقة المدروسة عرفت أعلاما من أهم شعراء الملحون الجزائريين مثل بن قيطون والسماتي وبن يوسف وبن زغادة وغيرهم، فقام أحمد لمين بإنقاذ جزء كبير من التراث الشعري بالعربية الدارجة له مكانته البارزة في تاريخ الشعر الجزائري. وتابعت ليلى قريش عنايتها بأدب سيرة بني هلال الذي كان موضوعا فرعيا في رسالة الدكتوراه من الطور الثالث، والموضوع الأساسي في الدكتوراه، مستعينة بزميلنا أحمد لمين الذي رافقها لجمع مواد الحكايات الشفهية التي لها علاقة بسيرة بني هلال في نفس المنطقة التي أشير إليها، وقد نشرت هذه الروايات في كتاب ظهر فيما بعد، مرفوقة بملاحظاتها المتعلقة بالرواة وسياق الرواية. نشرت أيضا كتابا آخر استندت فيه على السيرة المشرقيّة المدوّنة تناولت فيه الاستراتيجية القتالية كما تصورها سيرة بني هلال.
كانت ليلى قريش تكنّ تقديرا خاصا لتاريخ قبائل بني هلال الرحّل الذي انتشروا في شمال إفريقيا وشكلوا مكونا من مكونات مجتمع هذه المنطقة، وأصبحت عناصر ثقافتهم مكونا أساسيا من الثقافة الشعبيّة في البلاد المغاربية وفي الثقافة العربية عموما؛ وكانت كثيرة الإشادة بالدور الذي قاموا به في مقاومة الاحتلال الفرنسي، وتُدين ما تعرّضوا له من إبادات من طرف جيش الاحتلال الفرنسي في المناطق التلية وفي الهضاب العليا الجزائريّة، وكانت تنتقد سوء الفهم الحادث عند بعض المؤرّخين ـــ وخاصة المستشرقين الذين لا يرون في بني هلال سوى الغزو والغلظة والقسوة والاعتداء على العمران ــــ وكان لليلى قريش دور في تكوين أجيال من الطلبة في مجالات الآداب الأجنبية والأدب الشعبي وأشرفت على العديد من الباحثين الذين أصبحوا الآن أساتذة يؤطّرون المادّة في مختلف الجامعات الوطنيّة.
عبد الحميد حاجيات.. الأكاديمي الورع
كما تطرق البروفيسور بورايو إلى د.عبد الحميد حاجيات، الذي ولد سنة 1929 بتلمسان، من أسرة فلاحية متواضعة. تلقى تعليمه الأول باللغة العربيّة في الكُتاب ثم في مدارس جمعية العلماء المسلمين. وتمدرس بالفرنسيّة في المؤسسة التعليميّة الكولونياليّة، وتابع مختلف أطوارها، فحصل على شهاداته في الطور الأول من التعليم العالي في كلية الآداب بجامعة الجزائر، ثم انتقل إلى فرنسا ليتابع تعليمه في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي. تخصص في التاريخ الوسيط للبلاد المغاربيّة وحصل على الدكتوراه من جامعة إكسنبروفونس في منتصف السبعينيات. درّس في قسم التاريخ بجامعة الجزائر بعد الاستقلال، قام بتحقيق العديد من المخطوطات المغاربية التي تناولت تاريخ الحقبة، ومن بينها كتاب «بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد».
ويضيف بورايو: «درّسنا في السنة التحضيرية في كلية الآداب بجامعة الجزائر، وكنتُ قد التقيت به أوّل مرّة في مسابقة الدخول للمدرسة العليا للأساتذة بعد حصولي على البكالوريا سنة 1970. وأذكر أن أسئلته كانت تتعلّق بالشعر الأندلسي، فقد كان من جيل الأساتذة الذين كان لهم إلمام واسع وعلاقة خاصّة بهذا الشعر».
برز اهتمام حاجيات بالتراث الشعبي في مساهمته في عدد من أعداد مجلّة «آمال» التي كانت المجلّة الوحيدة الثقافية الصرفة حينئذ، والتي كانت تصدر باللغة العربية وباللغة الفرنسيّة في نفس الوقت. نشر فيها قصيدة «حيزيّة» المشهورة والتي تغنّى بمقاطع منها عدد من الفنّانين خلدوها في ذاكرة الجزائريين. قام بتحقيق نصها ونشره مشروحا باللغة العربية إلى جانب ترجمته للغة الفرنسيّة، وكانت قد نُشرت أول مرّة من طرف مستشرق فرنسي من أصل ألماني هو «صونيك» سنة 1904. وقام بعد ذلك بتحقيق مخطوط في الشعر الملحون والزجل هو «كتاب الجواهر الحسان في نظم أولياء تلمسان»، يحتوي على مدوّنة هامة من الزجل والشعر الملحون الذي كان يُتناقل في تلمسان قبل النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقصائده لا تتعلّق فقط بالأولياء كما يوحي العنوان بل تشمل مختلف الألوان الشعرية والموضوعات، وبالخصوص الطبيعة والخمريات والحبّ. يُعدّ من المراجع المهمّة في دراسة الشعر الشعبي في تلمسان خلال قرون مضت، فقد قام عبدالحميد حاجيات بتحقيق القصائد وتدوينها مُشَكَّلَةً كما جاءت في المخطوط الأصلي، وقارنها بروايات أخرى وردت في مؤلفات أخرى أو ظلت متداولة شفاهاً في تلمسان، ووضع لها مقدّمة رافع فيها لصالح العناية بالأدب الشعبي، وقام بتقديم معلومات موسعة حول ظروف تأليف الكتاب وأهمية الشعر الذي احتواه وموضوعاته.
ويقول بورايو إنه، «قبل نهاية النصف الأول من الثمانينيّات، وبتأثير من المناخ الذي أثارته الحركة الثقافيّة البربريّة، حاولت مؤسسة الدولة الاستجابة المحدودة لمطلب العناية بالثقافة الشعبية الذي طرحته هذه الحركة، أصدرت وزارة التعليم العالي قرارها بإنشاء معهد للثقافة الشعبية على مستوى الدراسات العليا، كان القرار في البداية متعلقا بجامعة الجزائر، فأجريت مسابقة ودخلت الدفعة الأولى وفق برنامج ملحق باللغة ولأدب العربي (لأسباب سياسيّة)، بالرغم من أن المرشحين المقبولين كانوا حملة الليسانس في العلوم الاجتماعية إلى جانب طلبة اللغة والأدب العربي. غير أنّ الوزارة سرعان ما غيّرت رأيها بهذا الشأن، ولعلّ السبب كان متمثّلا في البعد السياسي لقرار الفتح؛ فتقرّر فتح المعهد من جديد في تلمسان، بعيدا عن تأثيرات النزعة السياسية البربريّة، أما الدفعة الأولى التي شرعت في الدراسة فقد أُدمجت في برنامج الدراسات العليا لمعهد اللغة والأدب العربي. وتم افتتاح معهد الثقافة الشعبية في منتصف الثمانينيّات».
تمّ اقتراح الأستاذ عبد الحميد حاجيات ليكون مديرا لهذا المعهد فأسسه وأداره خلال النصف الثاني من الثمانينيّات. وفي التسعينيات ترأس مجلسه العلمي، وظلّ يدرّس به إلى أن حدث غلقه إثر تطبيق نظام (ل.م.د.) في جامعة تلمسان فواصل عمله بالجامعة بقسم التاريخ إلى أن تقاعد.
عبد الرحمن أيوب.. تلميذ نعوم تشومسكي
كما يتطرق بورايو إلى عبد الرحمن أيوب، الذي كانت دراسته الجامعية خلال الستينيات في تونس في أوج ازدهار «البورقيبية»، وفي فترة تحقيق طموحات حركة التحرير والبناء الوطني والتنمية، عايش الحركة الطلابية «المسيّسة» وقتئذ والتي كانت تعجّ بالنشاطات الثقافية والسياسية المتمايزة في انتماءاتها الإيديولوجية؛ بين اليسار والقومية العربية والإسلامية والليبيراليّة، والتي انعكست على سياسة الدولة الوطنية في تونس بصفة خاصة خلال عشريتين؛ الستينيات والسبعينيات، وكان الفقيد قريبا من اليسار. انتقل بعد ذلك إلى فرنسا ثم أمريكا حيث زاول دراسته في مجال اللسانيات، وتتلمذ على تشومسكي، واعتنى بصفة خاصة باللسانيات الحديثة وتطبيقاتها في مجال دراسة الملاحم، مستندا على المباحث الفكرية والفلسفيّة. تخصّص في الدراسة اللهجية والأدبيّة للإنتاج القولي الشفاهي في العالم العربي، موجّها اهتمامه خاصة بأدب السير والملاحم، واعتنى بصفة خاصّة بسيرة بني هلال، التي عرفتها الثقافة الشعبية العربية في المشرق والمغرب، أقام في الشام ثم في الأردن متتبعا آثار الثقافة البدوية التي كانت مهدّدة بالزوال، ثم انتقل بعد ذلك إلى ليبيا في إطار مشروع بحث في اللهجة العربية الليبيّة.
ويقول بورايو: «تعرّفتُ عليه سنة 1985، في القاهرة، بمناسبة مؤتمر انعقد حول السير والملاحم العربية حضره باحثون متخصصون من البلاد العربية وأوروبا وأمريكا، نظمته جامعة القاهرة بالتعاون مع جمعية حضارات البحر المتوسط المتواجدة في باريس. كان حينئذ برفقة تونسيين: المرحوم الطاهر قيقة أحد الكتاب والتربويين التونسيين، والذي ورث عن والده نصوصا جمعها حول سيرة بني هلال، وقام بنشرها بلغتها العربية كما ترجمها الى الفرنسية، وعلق عليها، والأستاذ لبيب المتخصص في الفلسفة (أخو الطاهر لبيب المختص في علم الاجتماع الثقافي)».
عاد عبد الرحمن أيوب إلى تونس وتقلّد مناصب ثقافيّة هامة، وأصبح فيما بعد مديرا لمركز التراث الذي يكوّن الباحثين والإطارات في مجال جمع التراث وأرشفته وتصنيفه في مختلف الأطوار وكذلك الآثار المادية. ودفعه اهتمامه بالكتاب إلى تأسيس دار نشر سمّاها «تبر الزمان»، وهي دار لا تتوخّى الربح التجاري بقدر ما تهدف إلى نشر الكتب ذات النوعية الخاصة والتي تهتمّ بالبعد المنهجي وبالإبداعات المتميزة. مارس الكتابة الأدبية فنشر نصا إبداعيا مستوحى من روايات سيرة بني هلال، كما ألف رواية «النمل» التي نشرها منذ سنوات قليلة. أشرف على تنظيم ندوات حول الألعاب الشعبية جرت في تونس العاصمة، وكذلك ندوات حول الحكاية الشعبية جرت في سوسة بمناسبة شهر التراث بالتعاون مع المكتبة العمومية وجمعية أحباب الكتاب. مَثَّلَ تونس في اليونسكو في لقاءات تصنيف مواد التراث اللامادّي، وقد دعّم ممثلي الجزائر في جميع الملفات التي قُدمت بغرض الاعتراف الدولي بالمصنفات مثل الأهليل والسبيبة والأمزاد والسبوع ولباس العروسة وغيرها.
كان مستشارا لليونسكو في مجال التراث اللامادّي، فوضع مشروعا لأرشفة التراث اللامادي في البلاد المغاربية قدمه في ندوة جرت في موريتانيا. كما كُلّف مع مستشارين أوروبيين بوضع دراسة حول وضعية صيانة التراث اللامادي في الجزائر، مموّلة من وزارة الثقافة، بإشراف منظمة اليونسكو؛ «وكنتُ حينذاك ألتقي به مع زميليّ حميد بوحبيب والشريف مريبعي، ولم يكن راضيا عن كثير من أوجه التسيير الإداري لعملية صيانة التراث، ووجد أنّ بعض زملائه من الأوروبيين لا يرغبون في التقييم الجدّي لما وجدوه من نقائص، ويريدون أن يمرروا التقارير بكيفية لا تخدم الهدف من الدراسة التي تمولها الجزائر والتي يُفترض أن تكون واقعية ومعمقة، ما يصبّ في مصلحة مسألة العناية بالتراث في الجزائر، فرفض التمادي فيما سمّاه حينذاك بالمهزلة، وقطع صلته بمكتب الدراسات المكلّف بالإنجاز»، ينقل بورايو.
كان عبد الرحمن أيوب يتمتّع بثقافة واسعة، متقن لعدة لغات، دقيق في آرائه، صارم في تسييره للمهام التي يوكل بها،احترافي في معالجاته التقنية للمسائل التراثية، وفي تنظيمه للتظاهرات، متعدد الاهتمامات الثقافية، ساهم في نشاطات مختلفة من أبرزها العناية بالكتابة للأطفال وجمع الموروث اللامادي والاهتمام بما تسميه اتفاقية اليونسكو لسنة 2003، (والتي ساهم في وضعها)، الكنوز البشرية وعمليّة التصنيف الدوليّ للأعمال التراثية المميّزة.