الجامعة، اليوم، لم تعد تستطيع تلبية حاجات المجتمع المتزايدة. الطلب المستمر على التعليم كثير، فهي تعتمد على تمويل الدولة، وليس بمقدور هذه النفقات التي تقدم أن تلبي كل التطلعات الجامعية.. الجامعة تتوسع وتتطور وتخطط للمستقبل، لكن معظم مرافقها في الجزائر مكتظة بسبب تزايد الطلب والحاجة مما يفرض تخطيطا محكما طويل الأمد يحد من أي خلل ويبقي على التعليم في صيرورة مستقرة.
نقول هذا الكلام لأننا نرى بوضوح في الثانويات انعدام التحكم في التخصصات ومعايير دون الاهتمام بالنوعية، ومواكبة التغيير السريع الذي طرأ على حياتنا. الدراسات أكدت على ضرورة تحمل الجامعة عبئها في النهوض، فلم يعد دورها مقتصرا على توفير مقاعد تعجز عن إيجادها في محيط سريع يفرض تحديات وأسئلة تستدعي أجوبة.
إننا نريد أن تكون الجامعة في المقام الأول وفي مستوى عال في سلم التفوق والتألق والإبداع في مجالات المعرفة المتنوعة.
إن الجامعة هي من أهم المؤسسات المؤثرة إيجابا أو سلبا في حركة التنمية الاجتماعية ولابد أن نفكر وأن نتدبر وأن نعمل بكفاءات فاعلة لنضع أنفسنا في توجيهات العالم الذي نعيش فيه ونتفاعل معه.
المعرفة أصبحت قوة، وهي الآن في نظام اقتصادي اجتماعي وثقافي، لقد أصبحت الصراعات أكثر خطورة، سوف توقد شرارات الصراعات المستقبلية بفعل عوامل ثقافية.
أصبح العالم لا يتكون من ثقافات منعزلة، فالخطر أخذ يتهدد مصير الأرض بفعل العلم والتكنولوجيا مما يفرض تطوير المناهج والبحوث العلمية وربطها بالمجتمع والاستفادة من التقنيات الجديدة.
نرى في ظل هذا التحول السريع، ضرورة دخول قطاع الخاص مجال التعليم وأن يلعب دوره في المشاركة والبناء أسوة بما تعرفه الساحة الاقتصادية. نرى إشراك القطاع في هذا المسار التعليمي العالي وتسهيل له مهمة تقاسم الوظيفة مع العمومي، وفق برنامج مسطر متكامل همّه النهوض بالوطن واللحاق بركب التطور بعيدا عن أي كليشيهات وعقبات عديدة، ولكي يستفيد القطاع والبنوك والشركات، وخصوصا خرجي الجامعات ينبغي على المؤسسات أن تدعم التعليم في جميع مراحله، ولابد من إيجاد التمويل للتعليم غير أن دعم الدولة لا يكفي.
وأحيانا لا يعطي النوعية التي تناسب العصر والتكنولوجيا، فالقطاع الخاص لا يدفع ضرائب للدولة أحيانا، فلماذا لا يساعد في تجهيز الجامعة والمكتبات؟ فالعمل هذا يتعارض مع فلسفة الاقتصاد الحر.
التسيير رهان التقدم
فالدولة قادرة على أن تطلب من رجال الرساميل الكبيرة المشاركة في تسيير هذه المؤسسات، الأمر الذي جعل عددا كبيرا من الطلبة لا يزاولون دراستهم في كل عام ويمكن أن نقترح تشكيل صندوق يمول البحث العلمي وإشراك القطاع الخاص والجهات التي تستفيد ولو قام القطاع الخاص بدوره في هذا الشأن لكان لهذا القطاع شأن آخر من حيث التوعية والمستوى، فهم لا يتبرعون بتجهيزات ولا بكتب، لماذا لا يردون الجميل إلى الدولة التي لم تبخل عليهم، حتى الآن لا توجد دراسات أكاديمية في هذا المجال.
فعلى الإعلام أن يسلط الضوء على هذا القطاع لأنه من حق المواطن أن يدلي برأيه في هذا الجانب، لأن العملية شائكة.
إن الانخراط في هذا الجانب وكون صندوق الدعم وسيظل يستفيد من عدم وجود جمارك أو ضرائب من بنية قوية توفرها الدولة والإنصاف هنا قلة من رجال الأعمال الوطنيين الذين يقومون بدورهم، فهؤلاء رجال يتمتعون بحس وطني عال يجب الإشادة بهم ونتمنى أن يكونوا قدوة للآخرين، فالقطاع الخاص لابد أن يستجيب وأن يساهم في مشروعات عديدة: بناء مدارس وجامعات وصيانتها، وتخصيص جوائز التفوق فيهما، فنفقات التعليم أصبحت عالية فمن الصعب أن يستمر دعم الدولة فمصروفاتها تجاوزت الحدود.
نجد على مستوى الولاية جمعيات خيرية عديدة حيث تعمل إلا لبناء مساجد فقط، نجد في بعض الأحيان مسجدا كبيرا تقام فيه الصلاة فقط، ولو وقف رجال الأعمال تحويل هذه الأموال لصندوق دعم التعليم في الجامعة لن يؤثر ذلك على بناء المساجد.
رجال الأعمال وظيفة متكاملة
فالتعليم أصبح اليوم يحتاج دعما من القطاع الخاص، لأن نمو التعليم عال وكبير، وهذا العمل يحتاج إلى مصادر كثيرة من الدولة تعمل على هذا النمط، فأصبحت الجامعة الخاصة تطرح الأفكار وتنتظر النتائج، فاليوم رجال الأعمال عندنا رغم كثرة عددهم وتوسيع إمكاناتهم القصوى من الفرص التي تبحث لهم وكذلك حتى أعضاء الغرفتين، رغم المبالغ الكبيرة التي يتقاضونها فعليهم أن يساهموا في دعم هذا الجانب التعليمي، ولازال البعض ينظر إلى الاستثمار في التعليم كمشروع تجاري مربح وليس كمشروع تنموي، ربما نجد من يريد أن يؤسس مدارسَ لكن من حيث الربح فقط.
القطاع الخاص عندنا مازال انتهازيا ولا يقوم بدوره تجاه مجتمعه سواء في خدمة التعليم أو المرافق الأخرى، فهذه المرحلة بالذات في التعليم بجميع مراحله تحتاج إلى قطاع خاص يدعم من قبل تجار ورجال أعمال، فالدولة إذا فتحت المجال للمشاركة كيف يمكن أن يكون القطاع الخاص في التعليم، فالأمر يستحق أن يسلط الضوء عليه ويطرح للنقاش، فبعض الدول نجحت كثيرا في هذه الأمر، فالقطاع الخاص ينظم إدارة تسمح له بدعم التعليم بالكيفية التي يراها ناجحة.
تبنى مدارس وتعرض على المعنيين بالأمر والبحث على من يمول.
فالتجربة تؤكد أن التعليم، بكل أنواعه وبمختلف أنشطته، سيأتي يوم تنكسر فيه كل القيم ما لم تتوفر فيه الأخلاق التي تضمن له البقاء في المجتمع.
لقد شرعت الدولة الجزائرية في تطبيق مخطط الإصلاح الذي يرتكز أساسا على محاور كبرى تتمثل في تحسين نوعية التأطير وإصلاح البيداغوجية وإعادة تنظيم المنظومة التربوية.
في هذا الإطار، شكلت هيئة علمية وبيداغوجية تعنى بالتصور والتوجيه والتنسيق في مجال المناهج التعليمية. وبصفة عامة، فإن قطاع التربية والبحث العلمي في الجزائر قد عرف العديد من التغيرات والتطورات العميقة التي ساهمت بشكل أو بآخر في تغيير المجتمع الجزائري، بالرغم من الأزمات التي واجهت المجتمع، فالجامعة الجزائرية شاركت وبشكل كبير في تطوير ودعم التنمية الشاملة وتحقيق عدة أهداف إيجابية على مستوى الميدان الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، فعلى قطاع التعليم العالي والبحث العلمي المزيد من التقدم والازدهار في جميع جوانب الحياة.
لقد تضاعف عدد مراكز البحث لدى الهيئة الوطنية للبحث العلمي إلى 400 مخبر للبحث العلمي، ويقدر عدد الأساتذة الباحثين 20000 أستاذ باحث وعدد الباحثين الدائمين 1900 باحث يعملون في مختلف مراكز البحث العلمي.
كما تعززت الشبكة الجامعية بـ90 مؤسسة تتوزع ما بين جامعات ومراكز جامعية ومعاهد وطنية ومدارس عليا تتواجد عبر 48 ولاية، إلا أن مشاكل الكم ولدت سلوكات غير مقبولة عموما بالتحولات التي طرأت على مفهوم التنمية، فالذي يسعى إليه من وراء التعليم في الجامعة هو تنمية القدرات الفكرية والاجتماعية للطالب حتى يصبح عضوا فعالا بسلوكياته في مجتمع يمتاز بمواهب الطلاب وتنمية وتشجيع هوايتهم المفضلة ويكون الاهتمام كاملا دون نقص.