تطرح وفاة الرئيس التشادي إدريس ديبي إيتنو المفاجئة، تساؤلات عديدة حول مستقبل تشاد ومعضلة الأمن في منطقة الساحل، وتداعيات ذلك كله على الحلفاء الدوليين، ثمّة حالة من الغموض وعدم اليقين حول أحداث تشاد، واحتمالات الصراع على السلطة أو مخاوف الانقلابات المضادة. سرعان ما أعلن الجيش الوطني عن تشكيل مجلس عسكري انتقالي مؤقت بزعامة الجنرال محمد إدريس ديبي (المعروف أيضًا باسم محمد كاكا)، وذلك لمدة 18 شهرًا. والمفارقة أن الدستور التشادي، الذي تم تعليقه، يشترط أن يتولى رئيس الجمعية الوطنية السلطة في حالة شغور منصب الرئيس أو عدم قدرته على القيام بمهامه، كان الرئيس ديبي قد فاز لتوّه في انتخابات الرئاسة لفترة سادسة، بيد أن يد القدر لم تمهله الإعلان عن خطاب فوزه الانتخابي.
أستاذ بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية - جامعة الجزائر3
سوف يترك ديبي ميراثًا حافلًا ومتناقضًا من الإنجازات، ولا سيما في مجال محاربة الإرهاب في منطقة الساحل المضطرب، واعتباره شريكًا استراتيجيًا للقوى الغربية، وعلى رأسها فرنسا. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس ديبي قد حكم تشاد بقبضة من حديد لمدة ثلاثة عقود، معتمدًا على مجموعته العرقية من الزغاوة، وعوائد النفط، والدعم الغربي غير المحدود، ولا سيما من قبل من فرنسا، على أن تمكن المتمردين في 11 أبريل 2021، بقيادة جبهة التغيير والوفاق في تشاد من التوجه نحو العاصمة وقتل الرئيس حسب الرواية الرسمية خلال الاشتباكات، يعد أمرًا فارقًا سوف تكون له تبعاته على المنطقة ككل، على أن النقل السريع للسلطة لصالح الابن يعكس تصميم الجيش على الحفاظ على ميراث الرئيس الراحل ولو في ثياب جديدة.
أولا: المعضلة التشادية: دلالات عديدة:
يطرح الإعلان عن مقتل الرئيس إدريس إيبي مجموعة من الدلالات السياسية والأمنية الهامة، من أبرزها ما يلي:
1 - الجدل حول الولاية السادسة: جاء الإعلان عن مقتل ديبي بعد يوم واحد فقط من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية التي أجريت في 11 أبريل الجاري، وفاز فيها الرئيس الراحل بولاية رئاسية سادسة بعد حصوله على نسبة 79.32% من أصوات الناخبين، وبلغت نسبة المشاركة فيها 64.81%، وجاء في المرتبة الثانية رئيس الوزراء السابق البير باهيمي باداكيه بحصوله على نسبة 10,32%، غير أن تلك النتائج رفضتها المعارضة ووصفت الانتخابات بأنها «غير نزيهة وغير حرة»، إلا أن وفاته لم تمكنه من البقاء في السلطة لفترة رئاسية سادسة، حيث ظلّ على سدة الحكم لمدة 30 عاماً، وربما تكون مالي مقبلة على استحقاقات سياسية لا تبدو هينة خلال المرحلة القادمة، التي قد تشهد إعادة صياغة للترتيبات السياسية والأمنية بعد مقتل الرئيس.
2 - عودة المقاتلين: ارتبط مقتل الرئيس ديبي بعودة بعض المقاتلين الذين كانوا يقاتلون في ليبيا، وانتقال مجموعات مسلحة غير حكومية عبر الحدود الليبية - التشادية تدعى «جبهة التناوب والتوافق في تشاد» إلى داخل البلاد، حيث قامت في 11 أبريل الجاري، بالتزامن مع إجراء الانتخابات الرئاسية في اليوم نفسه، بشنّ هجوم مسلح من قواعدها الخلفية في ليبيا ضد القوات المسلحة التشادية واستولت على مقاطعتي «تيبستي» و»كانيم» شمال البلاد، قبل أن تنجح القوات التشادية في تحريرهما، حيث أعلن الجيش التشادي في 19 أبريل الجاري نجاحه في التصدي لتلك الميليشيات مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 من العناصر المسلحة ومقتل 5 وإصابة 36 آخرين من الجيش التشادي، ويشير ذلك إلى تمكن المرتزقة التشاديين من العودة مرة أخرى إلى تشاد في محاولة منهم لإحداث فوضى أمنية والقيام بانقلاب عسكري ضد السلطة.
3 - ارتدادات الأزمة الليبية: كشف تسلل العناصر المسلحة من الداخل الليبي إلى الأراضي التشادية عن تأثير مستجدات الأزمة الليبية على الأمن الوطني لدول الجوار، كما ألقى الضوء على إشكالية الفوضى الأمنية داخل ليبيا نتيجة انتشار الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية والمرتزقة هناك، في ظل حالة السيولة الأمنية التي تعاني منها ليبيا، وهو ما انعكس في التقرير الصادر عن السفارة الأمريكية في طرابلس والذي أشار إلى أن دخول متمردين مسلحين من ليبيا إلى تشاد يؤكد الحاجة الملحة لإنهاء الانقسام الليبي وتوحيدها، كما دفعت تلك المستجدات العسكرية بمجلس النواب الليبي للدعوة إلى تكثيف الوجود الأمني على الحدود الليبية- التشادية لمنع أي خروقات قد تضر باستقرار الدولتين.
4 - تراجع تأثير قوة «برخان»: لاسيما فيما يتعلق بعدم قدرتها على تحقيق أهدافها المتمثلة في مكافحة الإرهاب بدول منطقة الساحل، وخاصة بعد أن قررت فرنسا في شهر جانفي الماضي تخفيض عدد قواتها المسلحة المشاركة في قوة «برخان». إذ أن العمليات العسكرية الأخيرة التي قام بها المتمردون التشاديون القادمون من ليبيا أثبتت عدم فاعلية تلك القوات في وقف هجمات المتمردين، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات حول مدى جدوى استمرارها.
5 - عدم فاعلية قوة الساحل المشتركة: أثار الهجوم العسكري الأخير للمتمردين القادمين من ليبيا باتجاه شمال تشاد التساؤلات أيضاً حول مدى فاعلية القوة العسكرية المشتركة لمكافحة الإرهاب والمكونة من خمسة دول (مالي ـ موريتانيا ـ تشاد ـ النيجر ـ بوركينافاسو) التي تم تشكيلها في عام 2015 من خمسة آلاف جندي، خاصة وأن الواقع العملي أثبت عدم فاعليتها بسبب الصعوبات التي تواجهها في حشد قواتها وتمويلها، إذ لم تفِ الدول الكبرى بالتزاماتها لتمويل القوة بـ400 مليون يورو، هذا بالإضافة إلى التحديات الخاصة بعدم قدرة الدول الخمس على التنسيق فيما بين قواتها المسلحة، وما صاحب انتشار هذه القوات من اتهامات بانتهاكها لحقوق الإنسان في المناطق التي انتشرت بها، وهو ما دفع مجلس الأمن للبحث في تجاوزات جيوش تلك الدول في حق المدنيين.
6 - قوة المتمرّدين: تشير العمليات العسكرية التي خاضها المتمردون ضد الجيش التشادي إلى نجاحهم في بداية الأمر في احتلال منطقتين بشمال البلاد، وهو ما يلقي الضوء على ما يمتلكه هؤلاء المتمردون من أسلحة ومعدات عسكرية مكنتهم من تحقيق ذلك، وفي المقابل، كشفت تلك العمليات عن ضعف أو عدم جاهزية الجيش التشادي للرد على الهجوم العسكري الذي شنه المتمردون ضده.
ثانيا: مستقبل الحكم في تشاد:
يمكن الحديث عن ثلاث قوى فاعلة سوف تحدد مستقبل نظام الحكم في تشاد على المدى القريب؛ أول هذه القوى نخبة الزغاوة العرقية التي تنتمي إليها أسرة الرئيس ديبي. ربما يكون الجنرال محمد كاكا نجل الرئيس الراحل رمزًا لهيمنة هذه النخبة التي تهيمن على مفاصل الدولة، مثل أجهزة الأمن والاستخبارات. ومع ذلك يوجد انشقاق داخل هذه الجماعة، فقد قامت الزغاوة بدور مزدوج حيث مثلت القاعدة الرئيسية لدعم ديبي من جهة، وكانت مصدرًا دائمًا للمعارضة من جهة أخرى. عندما قام ديبي بترقية أبنائه وبناته وأصهاره لزوجته التي تنحدر من أصول عربية إلى مناصب عليا، أثار ذلك غضب الزغاوة الآخرين الذين أرادوا نصيبهم في السلطة. وعلى سبيل المثال، أطلق الأخوان إرديمي في العقد الماضي تمردًا ضد الرئيس ديبي الذي يُنظر له على أنه زعيم الزغاوة. هناك أيضًا توترات عرقية متزايدة بين العرب والنظام الحاكم في تشاد بسبب العديد من المظالم التاريخية.
تمثل القوى السياسية والجماهير الساخطة التي تطالب بالتغيير المصدر الثاني الذي يحدّد مستقبل البلاد؛ فعلى الرغم من الثروة النفطية فإن تشاد تقبع في ذيل قائمة تقرير التنمية البشرية الدولية، وهو ما يكرس معاناة الجماهير العريضة في عهد ديبي على مدى عقود ثلاثة خلت، بيد أنه خلال السنوات الأخيرة بات الناس أكثر جرأة، وظهرت أصوات رافضة للاستيلاء غير الدستوري على السلطة من قبل الجيش الوطني.
ويمثل المتمردون قوة مؤثرة أخرى في رسم معالم المستقبل القريب لتشاد، وهو ما يطرح إمكانيات تورط أطراف إقليمية ودولية في دعمهم؛ يمكن أن تستأنف جماعة التغيير والوفاق، التي اقتربت من العاصمة نجامينا، في توغلها الأخير الذي أصيب فيه الرئيس ديبي، الهجمات العنيفة بهدف الاستفادة من حالة عدم اليقين السائدة بعد رحيل الرئيس، وليس خافيًا أن الحكومة واجهت تمردات مستمرة خلال العقود الثلاثة الماضية نجت منها بدعم فرنسي غير خافٍ. وربما تظهر جماعات ساخطة أخرى لتحدي المجلس العسكري المؤقت.
ونظرًا لأن شمال تشاد غير مستقر وذا كثافة سكانية محدودة فإنه يصعب السيطرة عليه، دفع ذلك قيام العديد من جماعات التمرد التشادي بإقامة قواعدها في الجنوب الليبي، وقد هاجمت جماعة جبهة التغيير والوفاق المتمردة، والمتمركزة عبر الحدود الشمالية مع ليبيا، نقطة حدودية يوم الانتخابات الرئاسية، ثم تقدمت مئات الكيلومترات جنوبًا عبر أراضي الصحراء الشاسعة.
ومن المرجح في ضوء تفاعلات الداخل التشادي وضغط المعارضة المسلحة القادمة من منطقة الحدود الليبية، أن يواجه المجلس العسكري الانتقالي بقيادة الجنرال محمد إدريس صعوبة في الحفاظ على دوره الحاسم في عمليات مكافحة الإرهاب الإقليمية، ومن المحتمل قيام شركاء تشاد الدوليين، ولا سيما فرنسا والولايات المتحدة، بدعم الحكومة الجديدة من أجل تحقق الانتقال السلمي للسطة وبما يحمي مصالحهم الأمنية، على افتراض أن توقف العمليات العسكرية ضد الإرهاب ولو بشكل مؤقت، يمكن أن يستأنف عندما يعزز محمد كاكا سيطرته على مقاليد الحكم في البلاد. بيد أن المعضلة التي سوف تواجهه هي إشكالية الخروج عن ثوب أبيه والانفتاح السياسي على قوى المعارضة المدنية بما يفتح أبواب الأمل للشباب التشادي الحالم بغد أفضل.
ثالثا: إعادة صياغة المقاربات الأمنية في الساحل الإفريقي:
إن غياب رجل الساحل القوي إدريس ديبي في هذا التوقيت الذي اتسم بحالة من عدم اليقين في صفوف الأطراف الدولية الراعية لجهود محاربة الإرهاب في الساحل الإفريقي، يبعث برسائل سلبية لكافة أنحاء المنطقة وجوارها، من المرجح أن يكون التأثير المباشر على مبادرة دول الساحل الخمس متعددة الجنسيات، والتي تدعمها فرنسا بشكل أساسي، وتساهم الولايات المتحدة فيها.
وعلى الرغم من عسكرة التدخل الدولي والإقليمي على مدى عشر سنوات من العمليات القتالية، فإن أنشطة الجماعات الإرهابية العنيفة في تصاعد مستمر، وهو ما جعل الرأي العام في كل من فرنسا والولايات المتحدة يتشكك في أهداف وجدوى نشر قواتهم في مناطق بعيدة قد لا تمثل تهديدًا مباشرًا لمصالحهم الوطنية، على أن احتمال فقدان تشاد باعتبارها الشريك الإفريقي الرائد يمكن أن يدفع باريس وواشنطن لإعادة التفكير بشكل أساسي في مشاركتهما، لقد ظهرت في الآونة الأخيرة تقارير رسمية تفيد بأن عسكرة جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل لم تؤتِ أكلها للغرب على أي حال، والمطلوب حقًا هو تبني مقاربة جديدة تُعلي من الحلول السياسية، مثل: المساعدات الإنمائية، وبناء وتطوير المؤسسات العامة، وتقديم الخدمات والسلع الأساسية، ودعم مشاركة المجتمع المدني، ولعل تشاد نفسها في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة بحاجة إلى هذه الجهود كما أن محمد كاكا قد يرحب بتنصيب قيادة قاعدة أفريكوم في بلاده.
ويكمن التأثير الثاني المباشر لرحيل ديبي في العلاقة المركبة مع إقليم دارفور الذي يُعد منطقة تداخل وامتداد بشري واجتماعي بين كل من تشاد والسودان، لقد دخل ديبي نفسه العاصمة نجامينا عام 1990 انطلاقًا من أراضي دارفور.
ويعد رحيل ديبي فرصة مناسبة لإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية في تشاد، وتبني مقترب جديد من خلال تغيير جلد النظام الحاكم لاستيعاب الاحتقان الشعبي المتزايد.، في عام 2019، حذرت صحيفة «لوموند» الفرنسية من أن الضربات الجوية الفرنسية التي تُستخدم لدعم ديبي جعلت باريس «تبدو كحامية لنظام مفترس وفاسد». وفي ضوء انتخابات الولاية السادسة للراحل ديبي، وعمليات التضييق المستمر على المعارضة السياسية، فإن الدعم الفرنسي لنظام ديبي كان يعني إمكانية إلحاق الضرر بمصداقية ماكرون قبل انتخابات العام المقبل في فرنسا، كما أن الحلفاء الأوروبيين رغم اعترافهم بأهمية تشاد في قتال المتطرفين في منطقة الساحل كجزء من مبادرة مجموعة الخمس، وأثر ذلك على استراتيجيتهم الأمنية، أبدوا قلقهم من الدعم الفرنسي غير المشروط لنظام ديبي الفاسد.
رابعا: صعود القاعدة وداعش:
ربما يؤدي عدم الاستقرار في تشاد إلى صعود القاعدة وداعش في منطقة الساحل، قد يستغل مسلحو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بالقاعدة الفرصة ويشنون هجمات في تشاد أو ضد الجنود التشاديين العاملين في إطار قوات حفظ السلام الدولية، فقد حدد زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إياد أغ غالي تشاد كهدف في أبريل 2017 بسبب العلاقات الوثيقة بين تشاد وفرنسا.
وأعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم أسفر عن مقتل عشرة تشاديين من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في شمال مالي في جانفي 2019 ردًا على عودة علاقات تشاد بإسرائيل، وعليه، من المرجح أن يؤدي الفراغ الأمني داخل تشاد إلى خلق فرص لحركة نصرة الإسلام والمسلمين لاستهداف الجنود التشاديين المتبقين في مالي، أو متابعة هجومها العنيف داخل الأراضي التشادية، ومن شأن الانسحاب التشادي كذلك أن يقلل من المقاومة الفعالة لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي تسعى إلى تقويض هياكل الحكم في هذه المناطق من أجل إقامة دولة الخلافة الموعودة، وقد يُساعد إضعاف بعثة مينوسما أيضًا جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في تحقيق أهدافها الأبعد مدى؛ وهي التوسع والامتداد في دول غرب إفريقيا الساحلية، وقد بدأوا بالفعل في استخدام مالي وبوركينافاسو كمنصات انطلاق لهذا الغرض.
وفي حالة استجابة المعارضة السياسية داخل تشاد لدعوات التغيير التي يطلقها قادة التمرد فإن ذلك يضر بأمن حدود تشاد، وقد يفيد التنظيمات الإرهابية العاملة على حدود البلاد مع نيجيريا، إذ تنشط ولاية غرب إفريقيا التابعة لتنظيم داعش وبوكو حرام حول بحيرة تشادن لقد قتل مسلحو بوكو حرام 92 جنديًا تشاديًا في الهجوم الأكثر دموية في البلاد في مارس 2020، مما دفع قوات الأمن التشادية إلى تكثيف جهود مكافحة الإرهاب كرد فعل انتقامي، ومع ذلك، تزايدت هجمات داعش مؤخرًا في تشاد طوال شهري مارس وأبريل 2021، وأيًا كان الأمر فإن الوجود التشادي على طول حدود بحيرة تشاد منذ عام 2015 كان بمثابة حائط صد ضد الهجمات المستمرة من قبل بوكو حرام أو داعش، بيد أن الأزمة الداخلية وميراث مرحلة ما بعد ديبي قد تدفع بسحب القوات التشادية نحو الداخل المضطرب بما يسمح للتنظيمات الإرهابية بأن تؤمن لنفسها موطئ قدم على الأراضي التشادية.
ووفقاً للمعطيات الراهنة، فإنه من المرجح أن تتجه فرنسا نحو التراجع عن تخفيض عدد قواتها في منطقة الساحل، وربما تشهد الفترة القادمة تصعيداً عسكرياً بقيادتها ضد المتمردين والتنظيمات الإرهابية الأخرى في تشاد وباقي دول الساحل، ومن المتوقع أيضاً أن تؤثر مستجدات الأوضاع السياسية والعسكرية داخل تشاد على الأوضاع الأمنية في دول الجوار، التي يعاني بعضها من اضطرابات عرقية وأعمال عنف قبلية، كما قد يؤدي ذلك إلى تسلل مزيد من المتمردين من ليبيا لدعم المجموعات الأولى التي تكبدت خسائر فادحة من مواجهاتها مع الجيش التشادي رغم مقتل ديبي، وبالتالي فإن استمرار وجود المرتزقة الأجانب والإرهابيين داخل ليبيا سيظل عامل تهديد للأمن الوطتي لدول الجوار بما فيها تشاد.
وختامًا فإن استقرار تشاد مهم للقوى الدولية والإقليمية الداعمة لجهود مكافحة الإرهاب في الساحل وغرب إفريقيا، وهناك أهمية خاصة لفرنسا، حيث يقع المقر الرئيسي لعملية برخان الفرنسية في نجامينا، وتدعم عملية برخان دول الساحل الخمس، بما في ذلك تشاد، مع التركيز على هدف دحر الجماعات السلفية الجهادية في المنطقة، كما تعمل البعثة الفرنسية أيضًا على دعم شركاء فرنسا الأفارقة وحماية المصالح الاقتصادية الفرنسية.
وقد قامت القوات الفرنسية بحماية الرئيس ديبي من قوات التمرد المسلح في أكثر من مناسبة، ولا سيما شنّ غارات جوّية ضد قوافل المتمردين الذين كانوا يخطّطون للإطاحة بالرئيس ديبي انطلاقًا من الحدود الليبية في فبراير 2019. وعليه، فإن مصلحة فرنسا والقوى الغربية والشركاء الدوليين تتمثل في دعم العملية الانتقالية بقيادة الجنرال محمد كاكا، بما يعني المحافظة على النظام الحاكم وإن اقتضى الأمر القيام ببعض العمليات التجميلية، ثمة إرادة دولية لدعم التسويات السياسية في دول الجوار مثل ليبيا والسودان من خلال العملية السياسية، وربما يكون رحيل ديبي فرصة مناسبة لتبني مقتربات جديدة تعلي من الحلول السياسية والتنموية على المقاربات الأمنية في جهود محاربة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي.