التحديات المستقبلية للسلطة التنفيذية الليبية المؤقتة

ماذا بعد الاتفـاق؟

بقلم د. علي مجالدي

تكلّلت جهود الأمم المتحدة الساعية لتشكيل سلطة تنفيذية ليبية مؤقتة بالنجاح لإدارة مرحلة ما قبل الانتخابات بعد تشكيل «السلطة التنفيذية الليبية المؤقتة» بعد تصويت أجراه أعضاء ملتقى الحوار الليبي، برعاية أممية في جنيف، وكجزائريين تعدّ هذه الخطوة أمر إيجابي ومهم، وهي بداية الطريق للوصول إلى حل سياسي شامل لأجل استقرار ليبيا والتي تشترك مع الجزائر بحدود طويلة تقدر بـ 982 كلم، حيث أعربت وزارة الخارجية الجزائرية، عن ترحيبها بالتقدّم المحرز في الحوار السياسي الليبي برعاية الأمم المتحدة وتشكيل السلطة التنفيذية المؤقتة.

 تعتبر الجزائر على الصعيد الأمني من أكبر الدول المتضرّرة من الأوضاع الأمنية غير المستقرة في ليبيا، نتيجة تزايد نشاط الجماعات الارهابية والانتشار الكبير للأسلحة، حيث ذكرت تقارير للأمم المتحدة أنه يوجد في ليبيا ما يقرب من 29 مليون قطعة سلاح بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة، كما تقدّر بعض الجهات عدد الميليشيات المسلحة بأكثر من 1600 ميليشيا غير خاضعة لأي سلطة مركزية.
وبالتالي، فإن مهمة هذه السلطة ليست سهلة للوصول الى الهدف المنشود والمتمثل في إقامة انتخابات تشريعية ورئاسية، حيث تواجهها مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية.

التحدي الأول: غياب آليات واضحة لضبط نشاط الميليشيات والمجموعات المسلحة وضمها في جيش وطني واحد.

من التحديات الكبرى التي تواجهها الإدارة الليبية المؤقتة الجديدة، هو ضبط سلوك الميليشيات المسلحة التي تختلف ولاءاتهم وتوجهاتهم.
ويسيطر في الميدان حاليا ثلاثة فرق ليبية مسلحة هي :
قوات العاصمة طرابلس: معظمها تابع لحكومة الوفاق الوطني وهذه القوات في حدّ ذاتها منقسمة إلى مجموعة من الكتائب وقوى أمنية أخرى منها:
 قوة حماية طرابلس: وهي تحالف مجموعات موالية لحكومة الوفاق الوطني، وتتكون من مجموعة من الكتائب وتسيطر على مناطق واسعة في شرق العاصمة طرابلس ووسطها،
قوة الردع: بعض المصادر تشير الى انها ذات توجّه سلفي إسلامي غير جهادي وتسيطر على اماكن شرق العاصمة ايضا، بالإضافة الى قوات اخرى مثل كتيبة ابو سليم وكتيبة النواسي.
قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر: تطلق بعض المنابر الاعلامية على هذه القوات المسلحة بـما يسمى «الجيش الوطني الليبي» وهي محاولة لاكتساب شرعية رمزية من هذا الاسم، وتسيطر هذه القوات على مناطق واسعة من ليبيا في المنطقة الشرقية للبلاد، كما تسيطر هذه القوات على مناطق الهلال النفطي على ساحل المتوسط شمالا إلى مدينة الكفرة ونواحي سبها جنوباً، ويقدر عدد المقاتلين فيها بـ 40 ألف مقاتل.
قوات كتائب مصراته: تسيطر هذه القوات على المناطق الفاصلة بين مدينتي سيرت والعاصمة طرابلس، وهي معادية لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وهي منقسمة داخليا بين مؤيد ومعارض لحكومة الوفاق الوطني وقوامها 17 الف مقاتل وتمتلك حوالي 5 آلاف عربة قتال وهي بمثابة جيش مسلح مصغر.
تقريبا هذه أهم الفصائل المسلحة الكبرى في ليبيا كما توجد العديد من الكتائب والميليشيات الأخرى غير النظامية مثل فصائل الزنتان وفجر ليبيا والتي تشكلت من تحالف مليشيات اسلامية مختلفة.
وبالتالي، فالجهاز الاداري المؤقت الجديد في ليبيا يواجه واقع أمني وميداني صعب ومعقد، فعمل هذه السلطة مرتبط بتاريخ زمني والمتمثل في التحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية
والمقررة في 24 ديسمبر 2021، ومن جهة ثانية فهي ملزمة بضبط هذه القوات غير النظامية في جيش موحد تحت سلطة واحدة، لأجل توفير الاستقرار الأمني اللازم لإجراء انتخابات في ظروف مقبولة على الأقل، وتوفير الحدّ الأدنى من الشفافية المطلوبة لدولة لا تمتلك خبرة كبيرة في تنظيم مثل هذه الاستحقاقات الانتخابية، بالإضافة إلى ذلك فهذه السلطة بحاجة إلى وضع خطة طريق واضحة لجمع الأسلحة المنتشرة في ليبيا وفرض سيادة القانون.
وحسب المعطيات الحالية، فإن هذه المهمة لن تكون سهلة، خاصة وأن هذه الميليشيات ذات توجهات وأيديولوجيات مختلفة، كما أن الكثير منها مرتبط بجهات خارجية وهذا هو التحدي الثاني الذي سوف يعيق عمل هذه السلطة المؤقتة.

التحدي الثاني: التدخلات العسكرية الاجنبية في ليبيا
عرفت الأزمة الليبية تدخل العديد من القوى الاجنبية منذ اندلاعها، بداية بحلف الناتو والذي كان له الدور الكبير في إسقاط نظام معمر القذافي، وإدخال البلاد في حرب أهلية طاحنة، ما أدى الى تكوين آلاف الميليشيات والفرق المسلحة نتيجة للانتشار الكبير للأسلحة، وآخر هذه التدخلات العسكرية كانت من طرف تركيا وروسيا، بدون ان ننسى تدخل بعض دول الخليج ودعمها لقوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر بالسلاح والمال.
التدخل التركي: يعدّ التدخل العسكري التركي في ليبيا أبرز التدخلات العسكرية الأجنبية المباشرة، والذي تمّ بعد توقيع الاتفاقية الأمنية بين حكومة الوفاق الوطني والحكومة التركية في نهاية سنة 2019.
من الناحية الجيوسياسية أحرزت تركيا عدة مكاسب من هذا التدخل العسكري في ليبيا، بدءا بتوقيع الاتفاقية البحرية مع حكومة الوفاق المعترف بها دوليا وتحديد المنطقة البحرية الخالصة بين الطرفين، حيث وضفت تركيا هذه الاتفاقية في صراعها على حقول الغاز شرق المتوسط مع كل من قبرص واليونان ومصر.
كما أن الأطماع الاقتصادية التركية من وراء التدخل العسكري في ليبيا واضحة، فـليبيا الدولة الغنية بالنفط والغاز حيث تقدر احتياطاتها النفطية بحوالي 46 مليار برميل، حيث تسعى تركيا للاستثمار في هذا البلد، والحصول على نصيب من المشاريع الكبرى في مرحلة إعادة الإعمار.
وبلغة الميدان أيضا، فإن التدخل التركي قلّب موازين الحرب الأهلية في ليبيا، بعد توقيف تقدم قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر الذي كان يسعى الى بسط نفوذه وسيطرته على العاصمة طرابلس، كما أن تركيا استغلت هذه الحرب لتجريب بعض أسلحتها التكتيكية المصنعة محليا وحسب خبراء عسكريين أثبتت هذه المعدات فاعليتها خاصة الطائرات بدون طيار والمعروفة بـ» بير قدار».
التواجد الروسي: العديد من الأطراف تتهم روسيا بدعم وبشكل مباشر قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر عن طريق تزويده بالسلاح او من خلال المرتزقة الذين يقاتلون بجانبه من شركة «فاغنر» الامنية الخاصة، رغم أن السلطات الروسية تنفي هذه التهم، وتقول ان تواجد اشخاص روس في ليبيا لا يعني دعم الدولة الروسية لهم.
وترى روسيا في ليبيا فرصة لبسط نفوذها المتنامي في البحر المتوسط، بعد تواجدها في سوريا عبر ميناء طرطوس بالتحديد، كما أن الثروات النفطية والغازية في ليبيا تعتبر محفزة للتواجد الروسي في المنطقة، حيث تود روسيا بسط نفوذها على حقول الغاز والنفط في المستقبل في حالة الوصول الى حل سياسي شامل في ليبيا والحصول على نصيب من الاستثمارات في ليبيا.
وبالتالي فالسلطة الليبية المؤقتة تواجه تحدي كبير، والمتمثل في كيفية التعامل مع التدخلات العسكرية الأجنبية سواء التركي او الروسي وبقية الدول التي تدعم أطراف معينة بالسلاح والمال، خاصة أن دول مثل تركيا لن ترضى بالانسحاب خالية الوفاض بعد ما تحملته من خسائر مادية وعسكرية.
كما أن السياسة الخارجية الامريكية في عهد جون بايدن ستكون مختلفة تماما عن نظيرتها في عهد ترامب والذي كان يرى في ليبيا منطقة غير هامة، مما فتح المجال لملء الفراغ من قبل قوى أخرى كما أشار الى ذلك العديد من الخبراء الأمريكيين، حيث طلب الرئيس الامريكي الجديد أيام فقط بعد تسلّمه السلطة بشكل رسمي، بسحب القوات الاجنبية من ليبيا وبشكل فوري.
لكن امريكا حاليا في حد ذاتها تعاني وليست في موضع يتيح لها اصدار الأوامر وعلى بقية الدول التنفيذ، فهي تعاني من انقسام داخلي حاد ظهر بشكل جلي خلال الانتخابات الرئاسية الاخيرة، كما أن التحديات الخارجية أكبر، أهمها تزايد النفوذ الصيني الذي خرج عن السيطرة، بالإضافة الى الزحف الروسي على مناطق تعتبر مناطق نفوذ تقليدي للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، بدون ان ننسى الملف النووي الايراني وامن الكيان الصهيون والذي يعتبر من الأولويات لدى مختلف الإدارات الأمريكية بغض النظر عن توجهاتهم السياسية.
وبالتالي يتضح جليا، ان مفاتيح حل الأزمة الليبية متفرقة بين مجموعة من الفواعل الداخلية والخارجية، وغياب السلطة او القوة التي يمكن أن تفرض الحل على كل هذه الفواعل يعتبر من أكبر التحديات التي تواجهها هذه السلطة التنفيذية المؤقتة الجديدة في ليبيا.

دعم الحل السياسي السلمي
يعد عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول من مبادئ الاساسية في السياسة الخارجية الجزائرية، خاصة التدخلات العسكرية منها، ومنذ اندلاع الازمة في ليبيا كانت المقاربة الجزائرية لحل الازمة واضحة مبنية على اولوية الحل السياسي والحوار الجامع بين كل أطراف الصراع.
«أمن ليبيا من أمن الجزائر»: وعليه فالجزائر لم تدخّر جهدا في المطالبة أكثر من أي وقت مضى بدعم مسار الحل السلمي في ليبيا، سواء من خلال الدبلوماسية الجزائرية بشكل مباشرة مع الفاعلين الداخليين والدوليين خاصة تركيا وروسيا، بحكم العلاقات المتميزة مع هذه الدول، حيث تستطيع الجزائر تقديم خبرتها في حل الأزمات الداخلية من خلال طرح فكرة المصالحة الوطنية والتي تعتبر نموذجا ناجحا ومعترفا به دوليا، كآلية للصلح بين المتخاصمين داخل الدولة الواحدة.
كما أن الاتحاد الأفريقي، عليه أن يقوم بدوره في حل الأزمة الليبية وتنسيق الجهود الأممية المبذولة في هذا الإطار، وعدم ترك المجال مفتوحا لتدخل قوى أجنبية أخرى من خارج القارة من شأنها أن تؤزم الوضع أكثر.
لقد أثبتت الأمة الليبية والتي بدأت سنة 2011 على التغيير الكبير في طبيعة الحروب في عصر العولمة، فالحروب سابقا كانت تتم بين الدول، أما حروب اليوم فتتم داخل الدولة الواحدة، في الحروب التقليدية كان يتم فيها جمع قدرات الدولة من أجل تحقيق الانتصار، أما حروب عصر العولمة فيتم فيها تدمير الدولة من أجل الانتصار في الحرب، الحروب التقليدية كانت تجميعية تهدف الى بناء الدولة، أما حروب عصر العولمة فهي تقسيمية، وبالتالي علينا كجزائريين سواء صناع قرار أو باحثين أن نستقرأ هذه الأزمة ونتعلم من أخطاء غيرنا، لأن التاريخ لا يعيد نفسه إلا للذين لا يقرأون التاريخ.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024