قبل التفصيل في الموضوع، كان لزاما علينا إيجاد مفهوم واضح لكل المفردات المكونة للعنوان، فأما الحوار هو وسيلة لتبادل الأفكار والآراء وبذلك يعد قيمة أخلاقية وسلوكا حضاريا لا بديل عنه، إذ الحوار مركب الفكر الناضج والمتمتع بالمصداقية الذي يعمل على جلب الفكر الآخر ويبادله الرأي ويشاركه صناعة الحقيقة.
وبهذا يكون الحوار أنجع الوسائل لحل النزاعات وأفضل السبل للتفاهم والتقارب الحضاري بين الأمم والشعوب، وبالحوار ننقل ثقافتنا ومعالم حضارتنا إلى الطرف الآخر. إذن، فالحوار رابط حقيقي بين الثقافات والحضارات وحتى يتبين وجه الربط بينهما بواسطة الحوار نبين مفهوم كلا منهما.
إن الثقافة ليست علما يتعلمه الفرد بل هي المحيط الذي يحيط به والإطار الذي يتحرك داخله وهي كل ما يعطي للحضارة سمتها الخاصة بها.
كما أنها تشمل المعرفة والعقائد والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضو في مجتمع ما، وأما الحضارة فهي عبارة عن إبداع وليست تكديس ولا جمع لركام من الأشياء وإنما هي بناء وتركيب لعناصر ثلاث الإنسان والزمن والتراب، و هذه العناصر لا تمارس مفعولها ضمن حالة الشتات ولكن ضمن تالف يحقق بواسطتها جميعا ارادة وقدرة المجتمع المتحضر.
واعتبارا أن الحوار هو خاصية إنسانية وسلوك حضاري بل هو ثقافة في حد ذاته كان لزاما على شعوب المعمورة الجنوح إليه وسوف نركز على الحضارتين العربية الإسلامية والغربية ومدى استعداد كلا منهما لسلوك الحوار كطريقة حضارية بالإضافة إلى مصدر ومشروعية الحوار والعوائق التي تحول دونه والسبل المؤدية له.
دعوة الحضارة العربية الإسلامية للحوار ومشروعيته
بالرغم من المد والجزر الذي يكتنف العلاقات بين الحضارتين إلا إن الحضارة العربية الإسلامية ظلت يدها ممدودة للحوار ولازالت إذ الحضارة العربية الإسلامية صاحبة رسالة خالدة ومبادئ سمحة والتي تتمثل في الإسلام ذي الصفة العالمية (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.
وبهذه الصفة تكون الحضارة العربية الإسلامية بحق داعية للحوار بين الشعوب والثقافات مهما اختلفت، فماهي مشروعية هذا الحوار الحضاري؟.
ان الحوار الذي تدعو إليه الحضارة العربية الإسلامية مصدره القرءان الكريم وهو مشروع لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
لكن ماهي أركان هذا الحوار؟
تفهم الأركان استنباطا من قوله تعالى (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا).
إذ هي ثلاثة أركان:
-1/ أطراف الحوار
-2/ قضية الحوار
-3/ الأخذ والرد في قضية الحوار
ويتصف الحوار الذي تدعو له الحضارة العربية الإسلامية بتجرده من ذاتية المتحاورين وقد ورد ذلك على لسان النبي (صلى الله عليه وسلم)، في قوله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
وبالفعل كانت ولازالت الحضارة العربية الإسلامية يدها ممدودة إلى الحوار، ففي الأمس احتكّ أسلافنا بالحضارة اليونانية، والهندية والفارسية باطلاعهم على ثقافات متنوعة ونهلوا منها ما وجدوه نافعا لهم ولا يعارض تعاليم العقيدة الإسلامية، فأخذوا الفلسفة والرياضيات والأدب، لأنهم لم يعرّبوا شيئا من الآداب اليونانية والهندية والفارسية ذات الطابع الوثني».