امتلاك القدرة على التصدي للتهديدات واستشراف الآتي
بقدر ما كانت تجربة كورونا الجماعية درسا في المسؤولية، وتوحيد المشاعر والسلوك لا ضمن المجتمع الجزائري وحده، ولكن ضمن الإنسانية، فإنها فتحت ثغرة في جدار النظام العالمي وفي قدرة مرجعيته الرأسمالية على القيادة والتنظيم. بالقدر نفسه يتأكد اليوم الطابع الواقعي الضروري لوحدة المشروع الوطني الذي عليه تجاوز كل يوتوبيا إقصائية، والعودة الواعية إلى الدولة المنيعة التي لا يستأثر بملكيتها جزائري دون آخر، ولا تقبل تحويلها إلى مِلكية تدار عن بعد من الخارج، دولة يبنيها النزهاء من الجزائريين على أرضية المبادئ والأخلاق التي فرضتها تضحيات تعاقبت قبل نكبة 1830 و بعدها، وتؤكدها تحديات عالمية مفتوحة على كل الاحتمالات.
إذا أردنا أن يستمر المشروع الوطني واحد وموحدا، ينبغي التركيز على تثبّيت دولة قادرة على الاستمرار في التاريخ، دولة وطنية سوية تزداد استقلالا كل يوم، تتملك بإحكام القدرة الدائمة على التصدي لمختلف ضغوط التهديدات العالمية، مؤهلة لاستشراف الخفايا التي تستتر وراء الأفق العالمي. وبدون توهم أو ضعف إزاء فوبيا المؤامرة، نذكّر أن القراءة الموضوعية الرصينة لتاريخ الجزائر الوسيط والحديث، هي الأساس الصحيح لمكانة الجزائر ووظيفتها في صياغة النظام العالمي الجارية اليوم.
لا شك أن الإرادة السياسية اليوم في الجزائر: الرسمية منها والشعبية جاهزة لاستنبات كل ما هو عملي ومنتِجٌ في إنسانها، ليضمن مكانا لائقا في واقع العالم الجديد. فهل سيساعد طول مدة المسار التكوينِي المستمر لمجتمعها» الواحد « لا الأحادي، على «تأبيد» الاستقلال وضمان الاستقرار للدولة الوطنية، وتوفير وقاية كافية ويقظة من الغدر أيا كان مصدره، وسط هذا الاضطراب المتواصل للعالم، وغموض مصير الرأسمالية التي تقوده وتنظم حياته؟ سؤال يطرحه التاريخ وقد تجيب السياسة والأخلاق على جزء منه مؤقتا.
النسق الرسمي للفكر السياسي، والأنساق الأخرى
لماذا لم نر الرئيس هواري بومدين يهتم بأعمال مالك بن نبي الفكرية؟ جزائريون وأجانب يسألون أحيانا، هل كانت تلك الأعمال مناقضة للرؤية الثورية السائدة؟ وهل كان مالك بن نبي هو من نأى بنفسه وبنسقه الفكري كله عن نهج بومدين الثوري؟ أم أنه ابتعد بوعي عن المشروع الوطني الذي قاده هذا الأخير بعد ما اتضح ميل هذا المشروع نسبيا نحو مضامين يسارية خصوصا ما أدرج منها في ميثاق 1976 الوطني؟ هل تكمن المشكلة في الطابع النظري لنسق مالك بن نبي، أم أن بومدين في بحثه العميق والعملي والطموح عن كل ما يجسد إضافة إلى مشروع دولة الجزائر الثورة هو من تخلى بوعي عن عون أو اجتهاد مختلف لم تكن مقاربته الجادة بحاجة إليه؟
ليس الهدف من طرح هذا السؤال تقديم جواب عن تساؤلات من يطرحون هذا التساؤل، ولا التلميح بأهمية هذه القضية كواحدة من قضايا الخلاف، وأنها محل تفكير تيار من المهتمين الجزائريين، إنما الهدف أعم من ذلك: ففي تاريخ الجزائر السياسي المعاصر يكاد يمتنع وجود تأثير عملي لمالك بن نبي في النسق الرسمي للفكر الوطني؟ مع أن هذا النسق الرسمي نفسه لم يتضايق بابن باديس ولا بالبشير الإبراهيمي إلا في عهد الرئيس بن بلة القصير، وهما قد حضرا المؤتمر الإسلامي لعام 1936 الذي يقال إنه مكّن من توحيد مكونات الحركة الوطنية الجزائرية لأول مرة، وقد رفضه مالك بن نبي وانتقد جمعية العلماء بسببه انتقادا حادّا وصريحا؟
في هذا النسق الرسمي أيضا يصعب إيجاد أرضية للمصالحة مع فكر المعارضة السياسية التي بشرت على مستوى الخطاب بالديمقراطية والنضال من أجل «الحرية والتعددية»، لكنها على مستوى العمل لم تتردد في استخدام السلاح في نزاع 1962، مع أن هذه المعارضة تبنت أيضا ميولا يسارية مماثلة لا تبتعد كثيرا من حيث المبدأ عن خيارات النظام السياسي الاشتراكية خصوصا في السبعينات؟ ففي واقع الأمر ما الذي يشكل أساس الاختلاف والقطيعة بين الطرفين المنبثقين من ساحة النضال من أجل الاستقلال والتحرير نفسها؟
لماذا لم يكن ممكنا التوصل إلى توليفة من المصالحات مع مطلع الاستقلال بين مكونات التيار الوطني بالشكل الذي يجيب عن حاجة البلاد إلى الوحدة حسب وجهة نظر من تولوا السلطة، وحاجتها إلى منهجية سليمة، أو مقاربة مشاركة تسمح بتقاسم السلطة بين جماعة الداخل، وقيادة جيش التحرير حسب وجهة نظر معارضة مطلع الاستقلال؟
فكلا الجهتين خرجت من تحت جناح « الحركة الوطنية» وكلاهما كانتا حتى داخل « المنظمة الخاصة» الجناح السري للحركة نفسها ولو على مستوى الأفراد أو القيادات؟ وكلا الجهتين كانت معنية بالتحدي السياسي الأول الذي واجه تجربة الاستقلال الجديدة؟ تحدي توحيد رؤية هؤلاء أو هذه القوى المكونة من المنضمين إلى «جيش وجبهة التحرير الوطني» لاستلام وإدارة دولة الاستقلال أو مشروع الجزائر، وبناء دولة الأمة؟
لعلنا نريد القول: إن كل وجهة نظر في الجزائر، أو كل فريق سياسي يعلن عن هويته الخاصة مقارنة بكل فريق سياسي آخر لا يعطينا الفرصة الكافية للتعرف على الأساس الفكري الحقيقي الذي بنيت عليه تلك الهوية، فمعظم الخصومات من زاوية عملية ومن زاوية واقع الممارسة كانت تتم تحت جناح «الوطنية» الجزائرية ، وكل الخصومات كانت تتم داخل عائلة تتألف من «ورثة» تراث الحركة الوطنية بمفهومها الأعم والأوسع، وكانت تتم ضمن «إطار» الاشتراكية والخيارات الاشتراكية، وربما أمكن أيضا القول إلى حد ما إن الجميع كان يرفع شعارات «إصلاحية» تتسع حتى لقوى اليمين؟ ولكل من ينتسب بطريقته الخاصة إلى حقل الثقافة الوطنية الجامع.
الدولة الوطنية: إشكالية سياسة أم إشكالية مجتمع؟
بسبب هذا التعقيد تصبح عملية قراءة الواقع السياسي الموضوعية عسيرة على الملاحظ الخارجي، وبطريقة متعدية تصبح عملية فهم المطالب التي رفعت داخل « الحراك» على تعدده أمرا غير يسير البتة. وكل قراءة للواقع السياسي المباشر اعتمادا على الخطاب السياسي والإعلامي تصبح محدودة الجدوى لأن السطح لا يكشف عن معطيات العمق، والبنية الإيديولوجية ليست مرتبطة ببنية المجتمع ككل، بل ربما هي مرتبطة ببنيات صنعتها الظروف التي حصلت خلال العقود الأخيرة، وقد فاجأها المجتمع بردود فعله تماما، كما فاجأ الحراك الطبقة السياسية «الرسمية» التي تنسب إليها السلطة والمعارضة على السواء؟
إن جوهر السؤال الذي نطرحه لم يكن يتعلق فقط بالبحث عن جواب موضوعي لقضايا الخلاف السياسي التي هي في معظمها ذاتية، بل يركز على السياق التاريخي الذي يقودنا -كلما بحثنا لهذه الخلافات النخبوية المتداولة عن حل-إلى الدوران ضمن إشكالية عامة طال أمدها ونعني بها الإشكالية التي ظلت دائما عصية على الحل، كأنها مبرمجة لأن ترفض بعناد أن تصبح يوما ما قابلة للحل من قبل الإنسان الجزائري المعاصر. التلاعب بمبادئ وأساسيات العيش المشترك، محاولة زعزعة نسق القيم المشتركة، عرقلة بناء المجتمع الواحد، التشكيك في كل شرعية، هي مظاهر من حياتنا الحاضرة يجعلنا تركها بلا حل مسؤولين جميعا عن مصيرنا وعن الجزائر.
هل بإمكاننا، كمجتمع أو كسلطة أو كنخب حل مشكلة من هذه المشكلات دون البقية للوصول إلى وضعية الأمان والاطمئنان التي يُدبّر لنا في الخفاء كي لا ننعم بها مطلقا؟ الحل ينبغي أن يشمل كل مكونات النسق، والمشكلات تحل كلها ضمن سياق رؤيا كلية. لذلك حاولنا وصف الإشكالية من باب تقريب المسألة بأنها وضع يقترب من حالة «ما قبل المجتمع»، وضع يحول دون المرور السلس والنهائي إلى الوضع السوي التكويني، وضع تطور المجتمع المعاصر نحو بنيته الموحدة، إن هذه السيرورة المأزومة أو العاجزة عن النمو الصحي هي المسؤولة عن هذا الرجوع الدائم إلى نقطة الصفر، ومن مظاهرها الأبرز استمرار تحويل الخلاف الإيديولوجي من سياق الجدال والنقاش القابل للاستثمار إلى حال عدمي من المقاطعة والنفي المتبادل؟ والانتكاس السريع لكل تجربة إيجابية.
التكوين: جزائر من عمل الجزائريين
ضمن هذا السياق نحاول أن نفهم لماذا نشأت وراء الحراك أكثر من ديناميكية، وأكثر من قراءة تفرض على المراقب رصد وتصنيف مظاهر وتعابير الحراك وتفرعها إلى أنواع متجاورة ومتناقضة ومتسايرة انبثقت عن الحراك الأول والأصلي، وحيث نلاحظ تطور الحراك من جهد مجتمع جامع هدفه التصحيح، إلى حراك أجندات وتعابير متعددة أو متفرقة، منها ما هو مؤطر بمعارضة رسمية، ومنها ما هو خدمة شبه منظمة، ومنها ما ينتمي إلى ممارسات تبحث عن هوية أو هويات جديدة للعمل السياسي أو النشاط المدني، و هناك ما يستجيب لحسابات سياسية و رغبات في الاستثمار الحزبي أو الاستفادة المنظمة وغير المنظمة من الظروف والمستجدات.
السؤال لم يكن عن هذا المفكر أو ذاك أو عن هذا السياسي أو ذاك، بل السؤال هو عن طبيعة تكوين المجتمع صاحب الحق الشرعي في تبني مشروعه، مشروع «الوطنية» الجامع، و الحق في تصميم وإدارة عملية بناء الدولة الطويلة الأمد، والقادر على متابعة تكوين الإيديولوجيا عندنا وتكوين الدولة وتكوين المنظومات لا سيما المنظومة القانونية التي حملت الأمل في جعل الحق هو الحَكَم فيما بين الأفراد، وفيما بين الأفراد والمؤسسات، لأن ذلك يساعد في توفير شرط التطور نحو الدولة العصرية دولة الحق والقانون التي حلم بها الشهداء، ولكن التجربة الوطنية تضمنت إلى جانب الأحلام المشروعة الواقع ومرارة الصعوبات، وإحباطات الممارسة.
كان جوهر الخلاف يدور حول وجود إيديولوجيا أم من عدمه. أي إيديولوجيا كلية تتفرع عنها كل إيديولوجيا تصنعها التيارات السياسية والفكرية: ولكن هذه الفكرة التي مكنت من قيام الثورة وإنجاحها لم تكن ناضجة بالدرجة نفسها فيما يتعلق بالضرورة الناجمة عن الانتقال إلى الحرية ومهمة بناء مجتمع الاستقلال. وبسبب ذلك الوضع انقسم صناع الثورة والمشاركون فيها حول أيهما تكون الإيديولوجيا المرجعية هل هي الإيديولوجيا الجزائرية التي حملت شعار واسم «الوطنية»؟ أم هي الإيديولوجيا الروحية التي تتخذ من الإسلام مرجعا أساسيا لها؟ أم أن الأمر يقتضي تجاوز خصوصية الوطن والدين إلى الإنسانية ممثلة بالاشتراكية؟ لكن تداخل هذه المراجع وتقاطعها أضاف تعقيدات إلى الخلاف بدلا من أن يساعد على تقريب المتخاصمين على الحكم، ويبقى أن نشير إلى أهمية بقاء الجانب الغرائزي المتعلق بالعرق والتعصب الفئوي والجهوي مرتبطا بهامش الاستثمار السياسي في كل خلاف.
لم يكن الخلاف الذي حاولنا وصفه خاصا بشخص الرئيس بومدين أو بينه وبين أشخاص مثل مالك بن نبي، أو آيت أحمد، أو الزبيري، و بورقعة أو أي اسم آخر كما تعرضه علينا الأحداث و المظاهر. لقد تبنى نظام(نسق) الفكر والخطاب الرسمي الهوية الواحدة للمجتمع الذي سماه مرة الأمة، ومرة أخرى الدولة، وثالثة الثورة؛ لكن المفهوم المطلوب كان متعلقا بالمجتمع الواحد الجامع لا الأحادي، وهذا التمييز هو في غاية الأهمية هنا، غير أن هذا التأكيد لا ينبغي أن ينفي كون الممارسة لم تستطع دائما تجاوز عقبات وعراقيل زرعها فعلا الخلاف بين الأشخاص في حقول الإيديولوجيا والسياسة، و ربما حوّل ذلك النوع من الخلاف تطور المجتمع عن أن يصبح سيرورة كلية تنشد التقدم بوسائل وأساليب متعددة، وحَرَفَهُ إلى شق مسارات فرعية متنافرة، وإنتاج آليات هدم لا تستند في كل الأحوال إلى رؤية بناء حقيقية وجادة.
اتجهت نماذج تفكير مثل مالك بن نبي ومثل آيت أحمد من بين آخرين إلى مفهوم مفتوح وكوني للأمة، بينما اجتهد بومدين في تأسيس نظام التفكير الرسمي المعبر عنه في الميثاق الوطني نحو مفهوم أمة مرتبط بالدولة الوطنية كآلية تطبيقية لقيادة وتوجيه عملية « تكوين المجتمع الواحد»، وفي التطبيق جعل من الاشتراكية وسيلة، ورفض العلمانية كهوية للعصرنة.
دولة قوية ومجتمع واحد ومتحرر
لنعد بالخلاف المزمن الذي كان وراء افتعال أزمة افتعال الهويات وتقسيم السلطة إلى مبادئه الأولى.
في الجغرافيا التي تحمل اسم الجزائر، يمكن أن تنشأ دولة وطنية مختلفة عن كل جوارها، يمكن لهذه الدولة أن تؤثر بالوسائل المشروعة والقانونية في محيطها وفي العالم وأن تتأثر أيضا. لكن هذه الدولة الوطنية هي عنوان المجتمع الذي تخدمه وتسوده لهذا الهدف. المجتمع الجزائري، هو كل الجزائريين، لكنه عمليا هو تلك الأغلبية التي ترفض كل مفهوم للتفرقة بين الجزائريين سواء أكان بمبرر عرقي أو بمبرر تاريخي أو ديني أو إيديولوجي، هذه الأغلبية التي لا تحرص على إعطائها اسما أو عنوانا أو شعارا آخر غير الجنسية الجزائرية هي عمليا لا ترفع شعار القومية « الوطنية» الجزائرية، ولا شعار الأممية، لذلك فهي إذا صرحت بهوية واحدة خارج إطار الدولة فستكون في صراع مع مكوناتها الأساسية التي يمكن أن توزع أو تتشتت فتصبح بذلك أداة لتوسيع الخلافات ولتضارب بين الهويات ولتناقض فكرة الوجود الجزائري المعبر عنه من خلال الدولة الوطنية، الوريث لتركة الشهداء ولفكرة الثورة من أجل الحرية والاستقلال أي التحرير .
في النسق الرسمي تعتبر الدولة الجزائرية فكرة تمكّن لتجسيد العهد الذي قطعه الشهداء وسقوه بدمائهم، وقد بقي هذا العهد كعقد اجتماعي يسمح بكل النضالات التي تساعد على التقدم نحو الحرية ونحو مصير أفضل دائما للمجتمع والفرد، ربما هذا ما يجمع عليه الجزائريون الذين لم يجمعوا قبله حتى على الثورة والتحرير بدليل وجود «الحركى» الذين دافعوا عن فرنسا أكثر مما حاربوا جيش التحرير، الأمر الذي لا يمكن أن يبرر سياسيا أو أخلاقيا موقفهم من مجتمع يفترض أنه مجتمعهم.
بعد مرحلة من التنازع والخلاف بين السلطة وبين معارضيها، وعندما تقف كل مكونات المجتمع أمام إعادة تأسيس كما هو الحال اليوم ربما يكون من الجوهري التفكير في رأب الصدع بين نظام التفكير والخطاب الرسمي، وبين الخطابات غير الرسمية التي وقف بعضها على هامشه، و عارضه ورفض التعامل معه بعضها الآخر، لأن نظام التفكير و إنتاج الخطاب الرسمي يمكن أن يتوسع ويبتكر آليات تسمح بمحاصرة الخلاف الذي لا يبقى منه خارج التأسيس سوى ما هو في الأصل تجسيد لتأثير خارجي مرشح لخدمة أهداف ومصالح قوى ودول أخرى، ويحتاج إلى مقاربة مختلفة. بينما هو في حقيقته ليس أكثر من خوف من الآخر تنتجه الغريزة، ويبرره ويغذّيه المثقفون في كل أقلية منغلقة بمفاهيم تغلف التعصب بمفاهيم ثقافية عصرية ومقبولة لدى كل من له مصلحة في ذلك.
إن تقوية الدولة لا تكون بالتخطيط لهزيمتها كما ترمي إليه بشكل صريح قوى أجنبية معادية، وكما انحرف إليه البعض عندنا بقصد أو حتى من دون قصد، بل تكون بانخراط أقوى ومسؤول في ديناميكية المجتمع، ونزع الغطاء على مسببات الخوف المرضي من الآخر الشريك في الذات الجمعية، وذلك ما يجعل النضال من أجل التغيير عملية نزيهة، لا تقوم من أجل تحقيق حسابات حزبية أو جهوية مهما بدت هذه الحسابات مقبولة من حيث منطقها الخاص، ومن حيث الظرف الذي يساعد على وجودها.
قد تكون الحرية الفردية مدخلا جيدا للانخراط في بناء الديمقراطية، ويكون الانخراط في بناء اجتماعي ديناميكي الشرط الضروري لبناء التنمية، والتطوير الشامل لكل وجوه الحياة ومقوماتها، لكن الوجود ضمن محيط دولي قيد التغير يجعل من الحذر المحسوب سلوكا سياسيا أساسيا للحفاظ على قوة الدولة ومنظوماتها الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية.