بعد مطالب التغيير الجذري للنظام، بدأت قطاعات عدة تعرف احتجاجات رافعة انشغالات اجتماعية ومهنية. وهي مشاكل مسّت ميادين التربية والتعليم وقبلها العدالة.
وبعد وقفات احتجاجية وإضرابات قرّرت نقابة القضاة توقيف الإضراب، بعد أن استجابت الوزارة لمطلب رفع الأجور، مع فتح ورشة لدراسة كيفيات تكريس استقلالية القضاء نصا وممارسة.
و نقول ـ باختصار - أن التزام العدالة بكل الاجراءات القانونية وبحقوق الانسان ومبادئ العدالة سيمكّن الثقة بين الشعب ومؤسسات العدالة الجزائرية.
وفي الشأن الاجتماعي، وجدت الاحتجاجات لدى الشباب حاملي الشهادات وعقود ما قبل التشغيل تكفلا وتسوية نهائية خلال هذا الشهر بصدور مرسوم تنفيذي مفصل مثلما ورد في اجتماع الحكومة مؤخرا.
هذه الأوضاع وجدت صداها في الحملة الانتخابية للمترشحين الخمسة لرئاسيات 12 ديسمبر القادم. فأي حلول واقتراحات يا ترى؟.
تنتظر المترشحين لرئاسيات 2019، مهمة أساسية تتمثل في إقناع الناخب بشخصهم
وبرامجهم وتحسيسهم بجدوى المشاركة في التغيير من خلال اختيار من يرونه أكبر تمثيلا وحملا لانشغالاتهم وهمومهم وترجمة مطالبهم على ارض الواقع دون الاكتفاء بالوعود والنظر الى المواطن كمجرد وعاء انتخابي.
بعد أن أعلنت السلطة المستقلة للانتخابات عن أسماء فرسان الرئاسيات، ازداد الجدل حول المشاركة والمقاطعة، وخرج الفرسان ببعض تصوراتهم للأزمة والمستقبل، وقال عبد القادر قرينة بأنه سيشكل حكومة نصف أعضائها من الشباب وتنظيم استفتاء شعبي لتحديد مصير المتابعين قضائيا في الفساد، للمناقشة؟؟) ووعد بتسوية وضعية الشباب المستثمر ضمن الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، بالإضافة لمشاريع اقتصادية أخرى كثيرة تكرّرت في برامج سياسية سابقة.
وقال علي بن فليس بأنه سيحمي المعارضة، ولن تكون في - برنامجه - للرئيس القادم الصلاحيات المطلقة، وعد بتحرير العدالة من كل قيودها.
وذكر المترشح بلعيد عبد العزيز بالقطيعة مع الفساد وإعطاء الأمل للشباب، ووعد عبد المجيد تبون بعدم الاقصاء، واعتبر نفسه همزة الوصل بين جيل ثورة التحرير والشباب، أما عز الدين ميهوبي فوعد بتطوير قطاع التربية وتحسين القدرة الشرائية، وبانجاز اجراءات جريئة في قطاع العدالة، مع الاهتمام بالفلاحة في الجنوب الكبير...
ومن الملاحظات التي وجدناها في التصريحات الإعلامية للمرشحين، الإجماع على طلب ود الحراك الشعبي والاعلان عن دعم الثورة السلمية، وهو موقف يسعى كل مترشح خلال خرجاته الميدانية في الحملة الانتخابية التي تستمر 21 يوما اقناع من لازال سائرا على خيار الترقب، وهناك من يعارض الاقتراع في ظل وجود الوجوه القديمة. لكنه لن يقدّم مرشحه او الشخصية التي تعتبر في نظره اكثر استحقاقا للموعد.
لكننا نلاحظ أن الاختلاف حول الانتخابات وجد اهتماما من قبل النخب، حيث ناقشت الخيار من كل جوانب ورأى الكثير من المحللين، انه لابد ان تطغى الواقعية ويسيطر المنطق والعقل على الجدل بدل التمادي في التعاطي مع القاعدة السلبية الرافضة للتحوّل والتغيير عبر الصندوق. وبدأت بعض الوقفات الداعمة لموقف الذهاب الى الاقتراع باعتباره أقوى الخيار الآمن للخروج من الأزمة بطريقة دستورية تؤمن من أي انزلاق أو مغامرة مجهولة العواقب.
في هذا الاتجاه تدرج المسيرات الشعبية الداعمة للانتخابات في كثير من الولايات، مرددة عبارات مساندة للرئاسيات وتجاوز حالة التردّد.
الهوية في قلب النقاش..
غير بعيد عن المشهد السياسي يعود النقاش حول الهوية والمرجعية الدينية للجزائر وكيفية التصدي لأي تيار يهدّد الوحدة الوطنية بنشر افكار التطرف والغلو. من هنا دعا وزير الشؤون الدينة لتحسين الخطاب المسجدي، ونشر فكر الوسطية والعمل على تحصين البلاد، في سياق إرسال الوزارة لقوافل علمية نحو الولايات.
وأشارت بعض المصادر الاعلامية لتعليمة من وزارة الخارجية للتمثيليات الدبلوماسة لاعتماد اللغة العربية في المراسلات الرسمية عوض اللغة الفرنسية.
وأنهت الهيئات المكلفة بتفعيل تدريس اللغة الانجليزية في المرحلة الابتدائية عملها، على أن تكون العملية مناصفة مع الفرنسية، انطلاقا من السنة الثالثة، في انتظار قرار الفصل، رغم صعوبة العملية ميدانيا، وضرورة فتح مناصب التوظيف، ومسائل الضغط التربوي البيداغوجي على التلميذ الصغير، دون أن ننسى وضعية وصعوبات تدريس اللغة العربية ومشاكل المناهج، المعلم.
أخيرا..
تسير السلطة الوطنية المستقلة في طريق تهيئة أجواء الانتخابات ويسير المترشحون في طريق إقناع المواطنين بجدوى الانخراط في مسار التغيير ليس بالمقاطعة بل بالتصويت على البرنامج الذي يحمل الآمال والتطلعات.
وقد انتهج المترشحون اسلوب حصاري في التعريف ببرامجهم بعيدا عن اية ممارسة تولد العنف وتغذي السب والشتم تجسيدا لالزامهم باحترام اخلاقيات الممارسة الديمقراطية الواردة في ميثاق الشرف الذي وقّعوه مؤخرا.
إن مشوار بناء الدولة أنبل وأطهر وأكبر بكثير من مشوار إخراج سلطة ما من باب الحكم وسراياه، ودرء المفسد خير من جلب المصلحة والمنفعة، فالوحدة الوحدة.... والانتباه الانتباه...والجزائر الجزائر؟؟
وصدق قول البروفسور والكاتب سليم قلالة عن الرئاسيات الجزائرية القادمة: «إننا بالفعل في حاجة إلى إعطائها حجمها الحقيقي من منظور الواقع الذي نعيش، بعيدا عن كل تهويل أو تهوين، وحجمها الحقيقي هي في أن نمكّن أنفسنا من خلالها من اختيار رئيس تكون لديه القدرة على إدارة عهدة انتقالية يتم فيها التأسيس لقواعد عمل فعالة بإمكانها أن تسمح لنا بإقامة دولة الحق والعدل المأمولة، التي تمكّنا من العيش في أمن وسلام».
ونقول بأن ما يعرفه الوطن من حركية وحراك لا يجب أن ينسانا التهديدات الارهابية الخطيرة وتحركاتها التي تهدّد الوطن، ونشدّ على يد الجيش ونثني عليه في حربه على أعداء الداخل
والخارج لحماية الوطن والبقاء على عهد الشهداء.
اللّهم احفظ الجزائر وامنحها السلم والأمن ووفقها للوفاء بعهود الشهداء.