تعيش الجزائر منذ 22 فبراير 2019 حراكا شعبيا يطالب بالتغيير الجذري للنظام السياسي، وبالرغم من إلغاء العهدة الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة باستقالته، وإلغاء الانتخابات الرئاسية المقرّرة في 18 أفريل 2019، إلا أن المطالب لم تتحقّق بعد كما أرادها الشعب، والتي تتمحور حول انتخاب نظام شرعي بآليات ديمقراطية تضمن الشفافية وتحقّق النزاهة في اختيار ممثل الشعب، الشعب الذي يملك السلطة الفعلية بموجب الدستور في مادتيه 07 و08 بصريح المبنى والمعنى، غير أن الاشكال الذي طرح هو كيفية تفعيل هاتين المادتين على أرض الواقع، أي ماهي الآليات العملياتية التي تسمح بتجسيد إرادة الشعب كاملة دون نقصان ودون تأخير؟! سؤال لم تتمّ الإجابة عنه لحدّ الآن!، في مقابل ذلك الوقت يمرّ والحل بصبغته الدستورية لم ير النور، والذي هو مفتاح حلّ الأزمة السياسية في الجزائر تفاديا لمتاهة الفوضى أو إطالة المرحلة الانتقالية اللتين لا تخدمان الجزائر دولة ولا شعبا.
غياب دور القانونيين المدنيين في إيجاد الحل الدستوري المنقذ
لحدّ الجمعة الثانية عشر ويبدو أن الجمعات ستتوالى إن لم تُحقق مطالب الجماهير التي يزداد أعدادها جمعة بعد جمعة هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم يتقدّم القانونيين والخبراء الدستوريين ممن يشهد لهم بالمصداقية والكفاءة بوصفة قانونية لتفعيل المادتين 07 و08 بما يسمح بتحقيق إرادة الشعب، ولكن بما لا يؤدي أيضا إلى الخروج عن الأطر الدستورية تفاديا لاستغلال اختراق القانون من هذا أو ذاك داخليا أو خارجيا حتى وإن كان دستورا خيط على المقاس، فهي نقطة «دستور خيط على المقاس» لا يختلف عنها اثنان، كما أن وجود ثغرات قانونية في المواد الدستورية أمر واقع لا يمكن التغافل عنه وأيضا لا يختلف عنه اثنان، ومنه فالالتزام بإيجاد الثغرات القانونية ضرورية لإبطال محتوى المواد القانونية التي جعلت مثلا من رئيس مجلس الأمة رئيسا للدولة، وهو من الباءات التي يرفضها الشعب الجزائري بل يصرّ على رفضها، وبهذا فقط يمكن تحقيق إرادة الشعب ومطالبه دون الخروج عن الحيز القانوني الذي لو يتمّ الخروج عنه ستدخل الجزائر مرحلة معقدة من الأزمة، وهي نقطة جدّ مهمة ومحورية يجب التأكيد عليها لأن مصلحة الجزائر أكبر من أي شخصية وأكبر من أي قانون يمكن تطبيقه بطريقة جامدة ترهن مستقبل البلاد والعباد.
القاعدة القانونية في شكلها العام تحظى بقوة الإلزام في المكان والزمان التي صيغت فيه، غير أن تغيّر الظروف يُفعِّل أوتوماتيكيا منطقا آخر وهو أن لكل قاعدة استثناء، وأن لكل مادة قانونية ثغرات يمكن استنباطها في حال معين دون سواه، وكل هذه المعطيات لا يفقه فيها إلا خبير فطن له من الدراية المعمقة بروح القانون، مع دراية بأن الضمير المهني ضمير يستوجب إظهاره وليس اخفاؤه، فإظهاره الآن يتصّف بالوجوب وليس الاستحسان، فالجزائر أنجبت خيرة المختصين في كل المجالات الأدبية والعلمية حتى الرياضية منها، وعليه فهي قادرة من خلال أبناءها المخلصين فقط أن تنتقل من مرحلة اللاحل إلى مرحلة الحل الذي يجسّد إرادة الشعب كاملة غير منقوصة بطريقة عقلانية يتمّ فيها تحقيق المكاسب بأقل التكاليف خاصة تكلفة الوقت «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك»، وبهذا فقط يتمّ تفويت كل الفرص للاستثمار واستغلال الوضع الداخلي الحرج الذي تمرّ بها الجزائر، فهو وضع يضاف إلى وضع اقليمي متوتر خاصة في ليبيا ومالي خاصة أن هذا التوتر يستغل من فرنسا بالدرجة الأولى من خلال إرسال تعزيزات لقواتها المرابطة في المنطقة، فرنسا التي لن تتوانى عن استغلال عُشر فرصة وليس فرصة حتى لاستعادة مكانتها التي تزعزعت منذ بداية الحراك في جزائر منحتها استقلالا شكليا وجعلت حريتها رهينة بيدها أو بيد عملاءها المخلصين لها، وهي تنتظر الخروج عن الأطر القانونية لتفعيل قرارات أممية لضرب الجزائر، وهو تهديد حقيقي كلما تمّ وضعه نصب العينين كلما تمّ فهم اللعبة القذرة التي تحاك منها وللأسف مستعملة في ذلك أياد داخلية «فلولا خيانة الداخل لما تمكن الخارج من التدخل» ومنه يتعين على الجزائر انتهاج أساليب استباقية بما يحمي استقرار البلاد وأمن مواطنيها.
«جيش شعب ..خاوة خاوة» أليس هو مفتاح النجاة
تبادرت لذهني فكرة، مفادها لماذا لا تبادر المؤسسة العسكرية بإيجاد حل دستوري وهذا بتكليف كوادرها وإطاراتها من القانونيين والأكيد أنهم من ذوي الخبرة والدراية بما يمكن لهم ايجاد الثغرات القانونية في الدستور، وهذا في ظلّ سكوت الطبقة القانونية المدنية في ايجاد هذه الثغرات لإخراج البلاد من عنق الزجاجة في أقرب وقت، خاصة والجزائر ترافقها تحديات مختلفة في هذه الفترة الحسّاسة داخليا، إقليميا ودوليا، وهذه الفكرة تبادرت لذهني لسبب مهم وهو أن مسألة الفساد ومحاسبة الفاسدين لم تتطرّق لها الطبقة السياسية سواء أكان شعبا أو نخبة بين قوسين أو سياسيين بل جاءت في خطابات السيد الفريق وباركها الشعب وطالب بها في خرجاته أسبوعا بعد أسبوع، وسبقها دعوة لضرورة تفعيل المادة 102 بعد مطالبه الحراك بذلك، وفي هذا دلالة على تناغم بين ما يطلبه الشارع وبين ما تتضمنه خطابات السيد الفريق التي تعبر عن موقف المؤسسة العسكرية من الوضع بصفة عامة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الثقة التي تحظى بها المؤسسة العسكرية حاليا في حين تغيب الثقة عن كل الفواعل الأخرى التي من دورها الأساسي إيجاد الحلول القانونية والسياسية، والملفت أن غالبية الشعب لم يعتبر تناول السيد الفريق لهذه المسألة تدخلا في الشأن السياسي، -لا يجب التركيز على مواقف بعض الأشخاص والمنابر الإعلامية التي تريد الاصطياد في المياه العكرة ببث مواقف معادية تمسّ الجيش الوطني الشعبي لأنها مواقف لا تعبر أبدا عن حقيقة رأي الشعب الجزائري في دور المؤسسة العسكرية وموقفها في المرحلة الحالية بالذات مع حرفية تعاملها مع الوضع، فلا أحد ينكر هذا الأمر إلا جاحد أو حاقد، ولعلّ سرعة وصول المعلومات وصعوبة إخفاء الحقائق أسقط اللثام عن حقيقة نوايا هذا أو ذاك ومنه صعوبة استغفال أو استغباء المتلقين للمعلومات، وهذا من مميزات مواقع التواصل الاجتماعي التي نقلتنا من وسائل إعلام تقليدية موجهة في خطها الافتتاحي إلى وسائط إعلامية تنقل الحدث والمعلومة كما هي دون تزييف مع تحليل موضوعي بعيد عن الذاتية أو التضليل الإعلامي الممنهج والممتد لسنين - لهذا أعتقد أن المؤسسة العسكرية لسببين أولهما ثقة الشعب بها، مما جعلها الطرف الأقوى حاليا في الساحة السياسية نتيجة التناغم الكبير بين ما تضمنته خطاباته مع شعارات الجمعات الأخيرة، خاصة مع اعتقال الأسماء التي طالب الشعب باعتقالها مما زاد الثقة والتناغم وعمقه، وثانيهما أن المؤسسة العسكرية تملك كوادر قانونية موثوق في كفاءتها ووطنيتها مما يجعل الوصفة القانونية التي تنتجها فعلية وفعالة وتحظى بالقبول الشعبي، وبهذا نكون قد انتقلنا من مرحلة اللاحل إلى مرحلة تفعيل الحل الدستوري الذي يجنب البلاد والعباد الفراغ الدستوري الذي لا يحمد عقباه، لهذا السببين فإن حلم - إن صحّ التعبير - إيجاد حل لهذه الأزمة السياسية في أقرب وقت يصبح أمرا ممكنا بل فعّالا لأنه يخدم المصلحة العليا للبلاد دولة وشعبا مفوتا بذلك فرصة ضرب الجزائر على المتربصين والحاقدين.
في اعتقادي يتمّ الاعلان عن هذه المبادرة القانونية في إحدى خطابات السيد الفريق لمعرفة موقف الشعب فإن أيدها تمّ تفعيلها، وبهذا نربح الوقت لقطع الطريق أمام كل من يريد الاستثمار العفن في الوضعية الحالية «اللاحل ـ الوضع القائم خطير سياسيا وأمنيا واقتصاديا»، ولعلّ انخراط الشعب في مواقع التواصل الاجتماعي يسرع من عملية معرفة رأي الشعب في هذه المبادرة التي تقترحها المؤسسة العسكرية وردة فعله، فهذه المواقع ايجابية من حيث معرفة آراء الأغلبية والتي ستجسّد حتما في مسيرات الجمعة عبر ربوع الوطن مما يجعل سبر الآراء حقيقية تعبر فعلا وبدرجة عالية من الدقة والوضوح عن ما يريده الشعب دون تزييف أو تحريف، وبهذا يتمّ تحقيق هدفين محورين وهما عدم الخروج عن مطالب الشعب المشروعة وطموحاته في التغيير الفعلي وليس الشكلي وعدم الخروج عن الدستور، وبهذا نربح الوقت ونتفادى الدخول في مرحلة انتقالية طويلة الأمد تمثل انتحارا لا محال وهذا بعد تاريخ 04 جويلية 2019، ومنه فلابد من المبادرة مادام أن الزمان والمكان لا يحتملان الفراغ الذي حتما سيُستغل ضد الجزائر إن استثمَر فيه من لا يحمل حبا وإخلاصا لهذا الوطن الغالي «حب الوطن من الإيمان».
لعلّ حمل شعار «جيش شعب .. خاوة خاوة» أطفأ نار الغضب، التهور، الفتنة التي كان من شأنها جعل الشوارع مساحات لتقاتل أبناء الوطن الواحد، مواطن يدافع عن حقوقه المسلوبة لسنين وله كل الحق، شرطي دركي أُوكلت له مهمة الحفاظ على الأمن العام وهو واجب مهني لا مفر منه، وجيش ملتزم بمهامه الدستورية حاميا للحدود، فحمدا لله الجمعات تتوالى والسلمية واقع يطغى في كل ربوع الوطن من مواطنين ومواطنات حملوا همّ الوطن فكانت شعاراهم الوحدة، الوطنية والعدالة فذابت الانتماءات والولاءات، فلا ولاء اليوم بعد الله إلا للوطن، يقابله ذلك احترافية من مصالح الأمن رغم الضغوطات التي يمرّ بها أفرادها فهم مواطنون أيضا، وهذا ما يؤكد أن الوطن جامع للكل مهما كانت العباءة التي يرتديها، وطن غالي الثمن، وطن واحد ليس لنا غيره، وطن يستحق واقعا أفضل ومستقبلا يفرح المجاهدين والشهداء اللذين ضحوا بالنفس والنفيس لإعلاء راية الجزائر بانتمائها الأمازيغي، العربي والإسلامي، انتماء يجعلها لؤلؤة المتوسط تاريخيا وبوابة افريقيا جغرافيا، ولم لا تكون قطبا حضاريا تعيد مجد الأمة الإسلامية، فلا شيء مستحيل إن كان الإيمان بالله قويا، وبالجزائر شعبا، جيشا وأرضا متجذرا للأبد «تستطيع أن تنجح إذا كنت تعتقد بأنك تستطيع أن تنجح» وليكن شعار «جيش شعب ... للوطن حماة بناة» معزّزا لشعار «جيش شعب... خاوة خاوة» لفقع مرارة كل من تتسوّل له نفسه الحاق الضرر بالجزائر...
نسأل الله التوفيق لكل غيور على هذا الوطن، سواء أكان مدنيا أو عسكريا، فكلاهما من أبناء هذا الوطن فمهما اختلفت المهام بينهما غير أن الواجب نحو الوطن جمعهما ولاسيما وطن اسمه الجزائر، فالجزائر مسؤولية الجميع هي أمانة من الشهداء في رقابنا جميعا، فلنكن على قدر المسؤولية، «على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر أهل الكرام المكارم»...
اللّهم احفظ الجزائر وألهم أبناءها الرشد والحكمة في هذا الشهر الفضيل «وإن تنصروا الله ينصركم»، فليكن شهر انتصار الوطن، شهر صنع مجد الجزائر بعد مجد الثورة التحريرية، خاصة وأن المؤسسة العسكرية تعهّدت بالمرافقة وحماية البلاد من الأخطار الداخلية والخارجية، فهي فرصة ذهبية لا يجب تضييعها...