يفتقر إلى منهج واضح ويتأرجح بين اتجاهات نقدية غربية

مشكلات النّقد الأدبي في الجزائر

بقلم: إسماعيل غموقات

مشكلة النقد الأدبي المعاصر في الجزائر، وفي البلدان العربية بصفة عامة، أنه يفتقر إلى منهج واضح المعالم، فهو يتأرجح بين عدة اتجاهات نقدية غربية، كالاتجاه المادي الماركسي والانطباعي والتفسيري وغيرها من الاتجاهات التي لم تعد قادرة على الإحاطة بشكل واف بالعمل الأدبي شكلا ومضمونا.

ومعروف أن بعض النقاد القدامى، خلال العشرينات والثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، كانت لهم مناهج نقدية واضحة، كمنهج الموازنة والمقايسة والمقارنة، والمنهج البلاغي والمنهج المبني على التذوق، وغير ذلك من المناهج التي انتهت مع تطور الادب والتغيرات الجذرية التي عرفها نتيجة تفاعله مع تيارات الأدب العالمي.
وقد استعمل النقاد العرب في تلك الحقبة مصطلحات نقدية على قدر كبير من النضج والوضوح، وخاصة في وقت الجاحظ وابن قتيبة وابن سينا والفارابي وغيرهم، ومن هذه المصطلحات نذكر مصطلح المحاكاة والتخييل والمشاكلة بين اللفظ والمعنى والطبع والصنعة والصدق والكذب، وكلها مصطلحات استقوْها من الواقع الإجتماعي والبيئة الخاصة، واستطاعت أعمالهم النقدية أن تحقق إنجازات عظيمة بالنظر إلى زمانها.
ورغم أن المنطقة العربية وقتها لم تخلُ من إنتاجات نقدية أجنبية ذات شهرة عالمية، ومنها على سبيل المثال كتابا أرسطو (فن الشعر) و(الخطابة)، إلا أن النقاد العرب لم يحاولوا استبدال مناهجهم ومصطلحاتهم بغيرها، وظلوا متمسكين بها حتى سقوط الحضارة العربية على يد الغزاة الأجانب ابتداء من الغزو المغولي حتى النهضة الحديثة، حيث انقطع الاتصال بالتراث الحضاري العربي وتم التوجه إلى الثقافة الغربية ومدارسها النقدية والأدبية.
ومن المشكلات التي واجهت النقد العربي المعاصر، أننا عندما توجهنا إلى الثقافة الأجنبية، ومنها اتجاهات النقد الأدبي الغربي، كان اتصالنا بها متأخرا جدا، أي بعد أن بلغت مرحلة متقدمة من الشيخوخة في بلدها الأصلي، فالسوريالية والرومانتيقية على سبيل المثال كحركة أدبية لم تصلا الأديب العربي إلا بعد بلوغ الأولى نصف قرن والثانية ما يقارب القرن من عمرهما.
وهذا يعني أن هذه الحركات الأدبية والنقدية العالمية، التي تصلنا دائما متأخرة، سيكون تأثيرها ضعيفا على توجيه الأدب والنقد عندنا، وستكون الإستفادة منها كعدمها، لأن التعامل مع جثة طريحة الفراش لا يجدي نفعها في كل الأحوال، وقد كان بإمكان التراث الإبداعي والنقدي العربي، لو بقي الإتصال به مستمرا، أن يساهم في خلق مدارس نقدية عربية فاعلة، يمكننا عن طريقها إجراء عملية تلاقح مع الخبرة الإنسانية للوصول إلى نقد عربي على درجة عالية من القوة والوضوح والإستواء.
في ظل هذه الظروف المعقدة التي عرفها المشهد الثقافي العربي، وجد الناقد الجزائري نفسه عاجزا عن استيعاب طبيعة المشكلة النقدية، فاختار كل ناقد المنهج الذي يعتقد أنه الأصلح لدراسة النص الأدبي، فمنهم من شرّق ومنهم من غرّب، ولكن أغلب كتاباتهم بعضها يفتقد المنهج، وبعضها منهجها النقدي شديد الغموض، وأغلبهامجرد انطباعات سطحية لا تغوص في طبيعة العملية الإبداعية.
ما أردت قوله إن نقدنا، لكي يكون فاعلا وواضحا، يجب أن يبحث عن منهج نقدي جديد يقوم على التلاقح بين التراث والمعاصرة، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال عملية نقدية شاملة لأوجه التلاقي والإفتراق بين تراثنا النقدي والتراث النقدي العالمي.
ومن الواضح أن الظروف التاريخية والحضارية التي مرت بها الجزائر، جعلت المناهج النقدية في معظمها أكثر استخداما للمناهج الغربية، ولكن هذا التأثر بالغرب كانت سلبياته أكثر من ايجابياته، لأن الحركة الأدبية في الجزائر تتأرجح هي الأخرى بين التراث والمعاصرة، وهذا الخلط في أساليب الكتابة جعل المناهج النقدية الجزائرية تدور في مفهومات غائمة لا تعبّر بشكل واضح عن مكنونات النص الأدبي.وبالمقابل فإن باقي الكتابات النقدية، التي ما زالت تستخدم المناهج النقدية القديمة، لم تستطع لنفس السبب امتلاك الأدوات النقدية المناسبة لكشف أغوار الأعمال الأدبية، وتفكيك شفراتها ومكوّناتها المختلفة، التي تجمع بين الجديد والقديم والأجنبي والمحلي.
وأمام عدم صلاحية المنهج الغربي والمنهج العربي القديم كأداة من أدوات النقد النافع، يجدر بنا البحث عن منهج جديد ينبثق من صميم العملية الإبداعية، منهج أساسه التلاقح بين المنهجين، ولكن قبل ذلك لا بد من عملية إبداعية جديدة تقوم أيضا على الجمع بين التراث والمعاصرة، من أجل ابتكار منهج نقدي جديد ومصطلحات نقدية جديدة لا لبس فيها.  

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024