نظرة سياسية وسوسيولوجية

للمجتمع عدة تعريفات من المنظور السياسي و الاجتماعي والنفسي،ويمكن أن نعرفه اصطلاحا على أنه عبارة على عدد كبير من الأفراد تربطهم مصالح أو قواسم مشتركة ترافقها أنظمة تهدف إلى ضبط سلوكهم و يكونون تحت رعاية السلطة، المجتمع هو كذلك عبارة،عن مجموعة من الأشخاص و ليست مجموعة من الأفكار،كما أنه،مجموعة من الأفراد يعشون معا، تحكمهم جملة من القوانين التي تضبط وظيفة كل فرد، مع مراعاة جانب من الحقوق الفردية والجماعية، تساهم بشكل كبير في توطيد علاقات المحبة و تصالح وتعاون ليستمر المجتمع و يكون بمثابة البناية المتماسكة لا يمكن اختراقها.
إضافة إلى،كل هذا فالمجتمع عبارة عن نسيج اجتماعي ابتكره الانسان ووضع له آليات التي تحدد المعايير الاجتماعية التي تترتب على افراد و الاعتماد عليهم .
وإذا أردنا أن،يبقى المجتمع محافظا على قيمه و مبادئه ولا ينهار، فمن واجبنا الاعتناء بالفردلأنه،يتأثر،بالمجتمع، وعلى سبيل المثال لا الحصر اذا كان المجتمع يعاني من ارتفاع مستوى الجريمة و كل الظواهر السيئة فسوف يتأثر،سلبا نتيجة هذه العوامل.
ولكن هل تكفي النصوص التشريعية في ضبط سلوكياته، إذا لم نأخذ بعين الاعتبار دور الأسرة والمدرسة و الجامعة، ولعل ما،يدفعنا اليوم إلى دق ناقوس الخطرالذي يهدد كيان المجتمع ويجعله في حالة تدهور، وبالتالي يفرض على الطبقة المثقفة و في كل الأحوال أن لا تتركه،ينهار وتضرب أسسه في العمق بقصد أو بغير قصد.
،لاريب أن هناك تساؤلات كثيرة عن الأسباب التي أدت بمجتمعنا الى هذه الوضعية،المخيفة منذ أواخر الثمانينات،إلى وقتنا الحاضر، و ما هو السبيل الذي،نسلكه والمنهجية التي نتبناها لنرقى بمجتمعنا إلى ما هو خير للعباد والبلاد، فعلينا النظر في الموضوع،،بجدية، وأيتهاون في تركالأمور على حالها وتنصل النخبة المثقفة،من مسؤوليتها بهذه الأساليب حتما سيؤدي بنا إلى،إفراغ محتوى،المجتمع بما تحمله الكلمة من معنى و يتحول إلى مجرد تجمع سكاني.
نظريا كل علماء الاجتماع صبوا في نفس الطرح، وأثبتوا علميا أن المجتمع كمجتمع له ضوابط و أسس تلزم كل فرد من أفراده،أن يلعب دوره كاملا غير ناقص و أي خلل سيؤدي إلى المساس بقيمه، فتعم الفوضى، وبالتالي،ستصادف الدولة جملة من المتاعب يصعب الخروج منها .
الوازع الديني:
تعمدت أن أتجنب الحديثفيالأمورالدٌينية،في موضوعي هذا، لسببين رائسين :
السبب الأول :
ليقيني أنٌ الاستشهاد بآيات القرآنية و الأحاديث النبويةوما كتبه علماء الدٌين أظنه أسلوبا قديما لا فائدة منه، لأنٌه لا يصل إلى مبتغاه، فأنصار الحضارة والعولمة لا يفقهون هذه اللغة، بل يتعمدون في جعل أصابعهم في أذانهم حتى لا يسمعون.
والسبب الثاني :
أخشى أن أتهم بالتطرف و التخلف و الشعوذة، وربما أتهم بعدو العلم والتكنولوجية الحديثة، وعليه أحاول من خلال مقالي الاعتماد على المنطق وأظهر للعيان،أنَه حان الوقت لوضع النقاط على الحروف وطرح فرضية الحلول المرجوة، ولا يمكننا ذلك إلا إذا سمينا الأشياء بمسمياتها.،
أسباب الآفات الاجتماعية وفرضية الحلول :
ليس المهم ذكر الآفات الاجتماعية، فهي معروفة عند العام و الخاص، و لكن المهم أن نعرف المتسبب في ظهورها في،المجتمع، ولا شك أن الأسرة هي المسؤولة بالدرجة الأولى،و أداة تواصل،بين الأفراد في النسيج الاجتماعي وهي أهم العوامل المؤثرة على الصحة النفسية فمن دون مجتمع و علاقات اجتماعية مبنية على مبادئ فضيلة، بلا شك سينهار الانسان جسديا وفكريا، لأن الانسان،منذ صغره،يبدأ بتكوين علاقات اجتماعية بدءا بأمه ثم اسرته و بيئته وترتبط حياته بقدرة التعايش الاجتماعي، كما تثبت ابحاث علماء الاجتماع.
وهذا ما قد يؤديني إلى مقارنة الأسرة الجزائرية من القرن الماضي،بالأسرة الجزائرية من القرن الحالي،فنجد فرقا شاسعا في أسلوب المعاملة، فالأب كرب أسرة كان يسير أمور عائلتهبطريقته الخاصة وقرارته لا تناقش، ولعل الصرامة التي كان يتحلى بها أسلافنا أنتجت جيلا متكاملا يستحق الثناء عليه، رغم الجهل و الفقر الذي كان يسود زمنهم، فلم يتخلوا عن مسؤوليتهم الأسرية، مما كان سببا في،بناء مجتمع قهر أقوى دولة في العالم و في أصعب الظروف و أحكها، ولم يكن ذلك ممكنا إلا لأن الأسرة الجزائرية وأفراد مجتمعها، كانوا متماسكين يومها كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا .،
وإذا ما انتقلنا من زمن أسلافنا من القرن الماضي،إلى زمننا هذا، نجد،الظواهر الخبيثة و الدخيلة في مجتمعنا ظهرت بداية،الثمانينات، بعد التفتح على العالم الخارجي بواسطة الهوائيات المقعرة،وانتهت بتكنولوجيات الحديثة كالأنترنت والفضاء الافتراضي،ولا أنكر فوائدها لو ساهمت الطبقة المثقفة من علماء الاجتماع و رجال الدين و غيرهم من النخبة على إيجاد البديل أو على الأقل التصدي للغزو الثقافي، حتى لا يتأثر أفراد المجتمع بسلوكيات لا علاقة له بها التي تناقض ثقافته وأصالته المستمدة من تعاليم ربانية. فأغلبية رجال الدًين اكتفوا بأمور أقل ما يقال عنها أنها تافهة ولا ترقى إلى جوهر رسالتهم،كان من واجبها،أن،تسعى في ابتكار أليات لحماية المجتمع وتجعله متحضرا يتماشى و قيم ديننا الحنيف فراح أغلبيتهم إلى الخوض في مسائل لا تسمن ولا تغني من جوع .
لا يختلف هؤلاء على أولئك من علماء الاجتماع و المربين، فأكثرهم،تخلوا عن مسؤوليتهم ولم يبذلوا أي مجهود يمكن إدخاله في باب العناية بالمجتمع،قصد فرض الحلول لما يعانيه،من انحلال خلقي أو على الأقل دحض الظواهر لا تمت حتى إلى الانسانية، رغم أن الدولة سخرت كل وسائلها في التكوين والتعليم في مختلف المجالات، ولكن للأسف،نراهم من خلال مطالبهم سوى قضية رفع الأجور و تحسين وضعهم الاجتماعي لا غير.
 أملنا الأخير يكمن في القلة القليلة التي مازالت تؤمن بقدسية مهمتها فتضاعف جهودها من أجل بناء مجتمع متكامل،بمبادئه وقيمه . رغم صعوبة المهمة لكنها ليست بمستحيلة، أما وإذا تخلينا عن مسؤوليتنا كآباء و مربين و ورجال دين ومختصين، حينها لا،نتعجب إذا ضربنا الطفل وسألناه لماذا يبكي .

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024