منحت “بني يني” شهرة والمرأة القبائلية أناقة

صناعــة الفضـة مفخـرة تيزي وزو تواجه التحديات

تيزي وزو: ضاوية تولايت

في رحلة بحثنا عن الصناعات التقليدية التي اغلبها في طريق الزوال، ارتأينا الانتقال الى بلدية بني يني التي تقع في أعالي جبال جرجرة الشامخة، بمناسبة احتضانها الطبعة العاشرة لعيد الفضة، الذي انطلق في 16 أوت ويتواصل إلى غاية 26 من الشهر الجاري. »الشعب« توقفت لمعايشة الحدث ونقل مشاكل الحرفيين، ناهيك عن معرفة لغز ارتباط منطقة اث ياني بصناعة الفضة.

لا يزال الحرفيون بمنطقة بني يني يحافظون على حرفة صناعة الحلي التقليدية ويبدعون في صناعتها يدويا باستخدام أدوات تقليدية، يضفون عليها الوان تعكس البيئة المحيطة من شمس ساطعة صفراء، تلال خضراء، وسماء زرقاء ومياه البحر المتوسط .
في أحضان اكمالية العربي مزيان التي انطلقت بها فعاليات عيد الفضة التي تعد من بين الحرف القديمة نلتقي دائما بحرفيين حكايتهم هي كفاح من اجل بقاء هذا التراث جميلا ولونا من ألوان الأصالة، وهذا حال أبناء هذه الصناعة من منطقة اث ياني التي تمارَس فيها هذه المهنة منذ سنوات، والتي تتميز بها عن غيرها من المناطق الاخرى، حيث من بين جميع الحرف والمهن القديمة فان صناعة الفضة لها تاريخ باث ياني، الا ان واقع هذه المهنة اليوم غير ما كانت عليها في السابق، فقد اصبحت مهددة بالزوال نتيجة عدة مشاكل حسب ماصرح به السيد محمد الــذي حدثنا عن عمله الذي يمارسه منذ 30 عاما، وكان سعيدا في نقله الينا اخبار عمل احبه وعــاش معه لحظات عمره الحلوة والمرة.
عمي محمد يقول ان تاريخ هذه الحرفة بمنطقة اث ياني يعود الــى عدة سنوات فتعتبر من اقدم الحرف، مضيفا ان نساء منطقة القبائل تتزين بالحلي في الاعراس، والتي من بينها الاقراص، العقود، قلادات وخواتم، وبالاضافة الى الخلخال وثاعصابت، وقد نمت هذه الحرفة وازدهرت الى ما بعد استقلال الجزائر.
وكان العمل أي صناعة الحلي يقوم على تكاثف وتعاون الاسرة بكاملها وبمـوازاة ذلك كانت المهنة تشكل مورد العيش الاساسي لها وهذا دليل على الطلب الكبير الذي كان موجودا عليها. وكان هناك العديد من العائلات التي مارستها وارتبط اسم المهنة بها،لكن للاسف الوضع تغير اليوم..
وقال محدثنا ان صناعة الفضة تتميز بانها عمل يدوي يعتمد على آلات يدوية وتقليدية، حتى ان طريقة العمل لم تتغير كثيرا منذ حوالي المئة عام، وهذا ما يميز الفضة المشغولة يدويا كانتاج محلي عن غيرها من الفضة المستوردة من الخارج.
وفي حديثنا مع السيد محمد علمنا بانه يشتري الفضة خاما ويقوم بكل العمل في متجره فيقوم بتذويب الفضة على النار لمدة ساعة ولا يخلط فيه أي شئ وبعد التذويب يقوم بصب البضاعة لاعطائها الاشــكال المختلفة، وبواسطة دولاب السحب يتم تحويلها الى خيوط فضية قد يصل طولها الى مئة متر وبكثافة معينة بحسب الحاجة، وكان يتم يدويا في السابق، وتلف على قطع حديدية لإعطائها الشكل المطلوب ومن ثم تستخدم في الزخرفة.
والانتاج يكون متنوعا من عقود، خواتم ، اقراط وكــل كيلو من الفضة ينتج حوالي 40 قطعة فضية، اما ادوات العمل فتتميز بانها ادوات يدوية دقيقة وبعضها ادوات جد بسيطة، وللاسف فهي اضحت اليوم لا تشكل مصدر رزق العديد من الحرفيين بسبب عدة مشاكل يواجهونها يوميا على غرار غياب المادة الاولية، والمرجان .
واشار محدثنا انه في السابق كان شباب اث ياني عند فشلهم في الدراسة يجدون هذه الحرفة التي توارثها الأجداد ليواصلوا فيها، لكن اليوم يعزفون عن ممارستها..
حرفة نقوشها توارثتها الأجيال
وتعد مثالا على الأناقة

تحتل الفضة مكانة متميزة وسط العائلات القبائلية، فهي أساسية بين حلي النساء والفتيات، ولا يمكن الاستغناء عنها، وهنا يجدر القول، ان هذه الحرفة تعتمد على مهارة الحرفي، أما طريقة العمل وأسرار المهنة فهي عند الأجيال السابقة شبه احتكار عائلي يتم توارثه أبا عن جد. ويوزّع العمل داخل بعض الدكاكين الصغيرة بين الصناع، فهناك مَن يصهر المعدن، ومَن يحفر أو يرصع بالأحجار الكريمة.
وأما عن الإشكال الذي ينتجها هؤلاء الصاغة فهي عبارة عن مجموعة متكاملة من الحلي، مثل الخواتم المتنوعة والأساور المختلفة والأقراط المتباينة الأحجام، والأحزمة والخلاخل.
وتستوحى الزخارف التي يعتمد عليها الصاغة لتزيين الحلي من شكلين أساسيين رأس الثعبان، والرؤوس السبعة، كما ان الطابع السائد في تزيين الحلي هي عبارة عن  ثلاثة الوان الأزرق والأخضر والاصفر وهو ما يضفي رونقا خاصا، وهي ألوان تعكس محيط وطبيعة بيئة السكان التي هي اصول امازيغية.
هذا الحلي، طبعا، تستعمل في المناسبات المهمة، مثل حفلات الزواج والختان والأعياد الدينية، وبالإضافة إلى قيمتها الجمالية، تعد الحلي الفضية هذه وسيلة للادخار نظرا لقيمتها المادية.
 وقد اكد لنا بعض الحرفيين ممن تحدثنا اليهم ان عيد الفضة يعد مصدرا هاما لتسويق هذا المنتوج وأدى الإقبال المتزايد على الفضة إلى انتعاش سوق الفضة، مقابل ركود سوق الذهب نتيجة انخفاض أسعار الأولى، وارتفاع أسعار الثانية، خصوصا أن حلي الفضة باتت تلبي أذواق النساء، بعد تحديث صناعة الفضة، وإدخال تقنيات حديثة في ترصيع الأحجار وصياغة الإكسسوارات.
كما أشار البعض الأخر الى أن النساء في منطقة القبائل هجرن جميع أنواع حلي الذهب، وأصبحن يتزين بإكسسوارات الفضة كالأساور والأقراط والخواتم والساعات والخلاخل، وللرجال أيضا نصيب من ثروة هذه المنطقة، حيث أن أغلبهم يرتدون خواتم الزواج الفضية من صنع الصائغين في هذه المنطقة.
 وتقول فاطمة في الأربعينات من عمرها زبونة التقت بها »الشعب« في المعرض، »لاحظنا في الفترة الأخيرة أن النساء لا يملن إلى شراء الكثير من الحلي الذهبية، والاحتفاظ بها كثرة، بل أصبح الجيل الجديد من النساء يرفعن شعار (الزينة بأقل تكلفة ممكنة)، مما يؤمن لهن الظهور بمظهر جميل وبتكلفة قليلة، بينما لا تستطيع المرأة التي تشتري حلي الذهب، بسبب تغير الموضة والخوف من تعليقات النساء، حين تظهر بها في أكثر من مناسبة، فتلجأ إلى شراء طقم جديد، وتقنع نفسها بفكرة ادخار المال في الذهب.«
وتشير محدثتنا إلى أن النساء يحرصن على الظهور في كامل أناقتهن فيقبلن على الحلي لتكتمل زينتهن، ومن الأفضل أن تستعمل المرأة حليا صغيرة وأنيقة على أن تستعمل حليا باهظة الثمن، ولا تمنحها الطلة الجميلة، فالتزيين لا يتطلب الكثير من المال، بقدر ما يحتاج إلى حسن الاختيار.
ويقول عمر (صائغ حلي) »هناك إقبال كبير على شراء الفضة، بفضل التشكيلات الجديدة التي ظهرت في الأسواق، وباتت تساير الموضة العالمية«.
ويضيف »يعمل صائغو الفضة على إعادة تصنيع الحلي القديمة بصهرها لصياغة حلي جديدة، مما جعل وجود النماذج القديمة جدا أمرا نادرا«.

ارتفاع أسعار المواد الأولية هاجس
 يؤرق أصحاب الحرفة

بالرغم من كون صناعة الحلي جزء لا يتجزأ من عادات وتقاليد منطقة اث ياني والقبائل ككل والتي لاتزال تحافظ عليها ،الا ان هناك مخاوف من اندثار هذه الحرفة التقليدية مع الأجيال الأمازيغية الأصغر سنا الذين عزفوا عن امتهان هذا الفن ويرجع ذلك في جانب كبير منه إلى ارتفاع أسعار المواد الخام.
وقال مصطفى احد المشاركين في معرض الحلي الفضية وله محل للمصوغات البربرية التقليدية خارج منطقة بني يني ان غالبية الحرفيين هجروا هذا الفن، بدليل انه قبل عام 1992 كنا 396 شخص من محترفي صناعة المصوغات الا ان عددنا اليوم 29 شخصا فقط.
والسبب في هذا ارتفاع اسعار المواد الخام والنقص في المرجان. وتحتفل منطقة اث ياني في شهر اوت من كل سنة بعيد الفضة وذلك منذ العام 1995.
ارتبط اسم الفضة بالمنطقة واصبح الجزائري يطلق على الفضة اسم فضة بني يني أو فضة القبائل نسبة للمنطقة التي تخصص لها عيدا كاملا يشارك فيه العديد من الحرفيين في مجال الفضة من مختلف مناطق الجزائر وخصوصا من الاوراس وبني ميزاب والجنوب.
لكن هذه الحرفة تعتمد على الحركة السياحية التي لا تعرفها منطقة اث ياني، الا موسميا ما يجعل عمل الحرف والمهن يكون موسميا كذلك، لذا يطالب الحرفيون بتنشيط السياحة واقامة المعارض المحلية والدولية ما يساعد بالتعريف عن الانتاج وترويجه، ناهيك عن تشييد دار للحرف التقليدية بالمنطقة بهدف جلب السياح والذي من شأنها ان يروج لاعمال الحرفيين على مدار السنة .
ويتدخل حرفي اخر بلهجة يملؤها الحسرة، للاسف هذه المهنة اليوم في دائرة الخطر ومهددة بالزوال ولا يختلف واقعها عن غيرها من الحرف الاخرى، »لذا نطالب من وزارتي الثقافة والسياحة الاهتمام بحرفهم والمحافظة عليها ومساعدتهم فـــي الـتعريف عن انتاجهم وتسويقه..
وفي السياق ذاته يقول السيد خالد يشتغل في صناعة الفضة منذ أزيد من 40 سنة، لقد عشقت هذه الحرفة كون والدي كان يشتغل فيها في بداية انطلاقي كان بهدف مساعدة والدي فقط ثم أحببت هذه الصناعة، وبدأت في العمل بها لكن للاسف لو قارننا هذه الحرفة بالسنوات السابقة فان واقع ممارستها تغير كثيرا بسبب الصعوبات التي طفت الى السطح من بينها، غياب المادة الاولية خاصة المرجان الذي نضطر الى استيراده باثمان جد باهظة. عراقيل ادارية اوصدت الابواب في وجهه على غرار مشكل الضرائب، وكذا تعقيد الملفات الادارية التي يواجهها يوميا اثناء مزاولة عمله.
وفي هذا السياق اقترحوا مساعدتهم واعفائهم من الضرائب خاصة ان الدخل يعد ضئيلا جدا، فالوزارة من واجبها ان تحافظ على هذه الحرفة، مشيرا في كلمته ان الجزائر تعد البلد الوحيد مقارنة بالدول الأجنبية التي لا يحفظ فيها حقوق الحرفي، فيجب ترك الحرفي في فنه واحترافيته وكذا للإبداع بدل إقحامه في المشاكل الإدارية والملفات التي تعد معقدة بالنسبة لهم .
 وأجمع بعض الحرفيين ان مستقبل الحرفي أصبح اليوم في خطر، خاصة انه يعاني من التهميش من طرف المسؤولين الذين لا يأخذون مطالبهم (حسبهم) محل الجد، ما جعل العديد منهم يتركون هذه الحرفة، وأثر بشكل سلبي على صناعة الحلي الفضية، وهذا على الرغم من كون قطاع الحلي الفضية من القطاعات المنظمة بالمنطقة بهدف الحفاظ عليها.
ويسعى سكان بني يني من خلال تنظيم عيد الفضة لتسويق منتوج هؤلاء الحرفيين، والحفاظ على هذه الحرفة، لكن غياب الأمن كما أشار البعض ممن كان لنا حديثا مطولا معهم، سبب في عدم تسويق المنتوج، ناهيك عن غياب المرجان والمادة الخام، ما سبب في هجرة الشباب وعزوفهم عن الحفاظ على هذا الموروث الثقافي الهام، ما يهدد صناعة الحلي بالزوال، فهم يفضلون مهن يمكنها ان تكون مصدر رزقهم.
ويقول البعض ان هذه السنة وبعد الاستقرار المسجل بالمنطقة، فان عيد الفضة سجل تحسنا كبيرا خاصة نتيجة التوافد الكبير من المواطنين والزوار، الذي ناهز حوالي 2000 زائر يوميا والعدد مرشح للارتفاع.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024