ما يزال عمال البريد يرابطون أمام مركز البريد بالجزائر العاصمة متمسكين بمطلبهم الرئيسي الممثل في تطبيق الاتفاقية الجماعية وصب شبكة الأجور الجديدة والعمل على تنفيذ الكثير من المطالب المادية والمعنوية التي تضمنها الاتفاق المبرم مع الشريك الاجتماعي.
حمل عمال البريد مسؤوليهم في المديرية العامة معاودة الاحتجاجات وتصعيد اللهجة والتلويح بالدخول في اضراب مفتوح الى غاية الاستجابة لمطالبهم التي لحد الساعة لم تر النور والتطبيق، رافضين بذلك ما أسموه بالصدقة المقدرة بـ ٣٠ ألف التي صرفت لهم خلال الشهر الفضيل المنقضي مؤخرا ، ملتمسين العذر من المواطنين لاسيما المواطن البسيط .
وحسب العمال الذين تحدثوا لـ«الشعب» في جولتها الاستطلاعية بمختلف مراكز البريد بغضب واستياء كبيرين متهمين الادارة باتباع سياسة المراوغة واللعب على الحبلين ففي البداية قالوا لهم أنها «سلفية» وبعدها تم الاعلان على أنها الشطر الاول من المستحقات المالية التي يطالبون بها منذ ٢٠٠٨ في حين سيتم تلقي الشطر الثاني في سبتمبر وهي القيمة التي لا تعبر عن مستحقات ٤٢ شهرا لأنها لا تتجاوز ٩٠ ألف دج وهو الامر غير المقبول لديهم .
كما أعرب المتحدثون لنا عن رفضهم لسياسة منح الحقوق بالتقطير أو ما عبروا عنه «بالصدقة» مؤكدين في شعاراتهم المرددة تمسكهم بحقوقهم ورفضهم لسياسة الحقرة والتهميش وأنه لا حوار ولا نقاش «٢٠٠٨ ولا ماكاش»، ما يفيد بأن قرارهم لا رجعة فيه وانهم ماضون في تصعيد اللهجة بالدخول في اضراب مفتوح، داعين المسؤولين الى وقف أكاذيبهم والذهاب نحو تطبيق الاتفاقية لأنها الخيار الوحيد أمامهم لإعادتهم الى مزاولة عملهم.
وعبر العمال على لسان ممثل الفرع النقابي مركز برد الجزائر عن عدم اقتناعهم بحجج المديرية العامة للبريد بأن المؤسسة عاجزة ماليا ما حال دون تسديد المستحقات المالية لاسيما منحة المردودية كون أن مسؤوليها ـ حسب العمال ـ تلقوها من ٦٠٠ ألف دج جزائري الى مليون دج، فلماذا لا يستفيد منها باقي العمال.
واستغرب ذات العمال عدم تطبيق مختلف التعليمات التي أصدرتها الوزارة الوصية المتعلقة بضرورة تطبيق الاتفاقية الجماعية التي أمضتها المديرية العامة للبريد مع الشريك الاجتماعي بما فيها شبكة الاجور الجديدة والتصنيفات حسب الشهادات وكذا الترقيات ، مذكرين بالتهميش الذي ما يزالون يعانون منه خاصة أن هناك من غادر العمل وهو في نفس المنصب طوال الخدمة الى غاية التقاعد، وهناك من سيخرج للتقاعد بعد ٣٦ خدمة ولم يتزحزح عن منصبه أو يستفيد من ترقية تثمينا لمساره المهني.
مواطنون بين مطرقة الحاجة وسندان الإضراب
وفي المقابل وخلال تجولنا بمختلف مراكز البريد بالجزائر العاصمة بحي ٨ ماي ٤٥ بباب الزوار والمحمدية وزيغود يوسف وحسيبة بن بوعلي، لمسنا استياء كبيرا لدى المواطنين رغم محاولة ضمان الحد الأدنى من الخدمة العمومية المتمثلة في تمكين الزبائن من السحب فقط من دفتر التوفير والاحتياط أو من الحساب الجاري والموزعات الآلية، في حين يتعذر عليهم القيام بباقي العمليات من دفع أو ارسال أو تحويل.
من جهتهم عبر الكثير من المواطنين الذين قدموا الى مركز بريد الجزائر في حديثهم لـ«الشعب» عن استيائهم من الاضراب الذي دخل فيه العمال كونه حال دون استفادتهم من الخدمة العمومية التي يقدمها، أو القيام بمختلف العمليات المالية والتجارية التي يحتاجونها، ولكن في المقابل ساندوهم في مطالبهم وطالبوا الجهات الوصية اعطاء المضربين حقوقهم حتى يُحصِّلوا حقهم في الخدمة، والكف عن سياسة التسويف والمماطلة في التطبيق لان ذلك يؤثر على حياتهم اليومية ويؤجج الخلافات ويؤدي الى عدم استقرار الجبهة الاجتماعية.
في هذا الاطار قالت زهرة القادمة من أدرار أنها ما تزال تتردد على مركز بريد الجزائر منذ ٣ أيام بهدف ارسال مبلغ مالي الى ابنتيها اللتين خلفتهما وراءها لكن الاضراب حال دون لحاقهما بها، ورغم محاولاتها اليائسة وتوسلاتها إلا انها لم تحقق غايتها، وبالرغم من ذلك اعربت زهرة عن تفهمها للعمال المضربين ، مشيرة الى أنها لو كانت مكانهم و أحست بالتهميش و سلب الحقوق للجأت الى الاحتجاج.
ونفس الامر بالنسبة لمحمد الامين طبيب عام بمؤسسة صحية جوارية تأسف لعدم قدرته على دفع حوالة بريدية، وأنه لا يملك سوى الانتظار وترقب ما ستسفر عليه هذه الاحتجاجات، آملا أن لا تطول لأنها أعاقتهم على قضاء حوائجهم، لكن لم يخف تأييده لمطالب العمال خاصة وانه ينتمي لسلك هو الاخر قاد احتجاجات مارطونية لافتكاك بعض المطالب ، قائلا : «اتحسر فقط انه لم أكن أعرف انهم سيدخلون في اضراب...لأني لو كنت أعلم ذلك لقمت بالعملية قبل ذلك ولتفاديت هذا العناء».
من جانبه مختار أستاذ لغة عربية تخوف من تأخر معالجة مشاكل عمال البريد خاصة ان الاضراب يتزامن مع الدخول الاجتماعي والمدرسي الذي يحمل معه الكثير من النفقات وهو الامر الذي يؤرق العائلات الجزائرية لاسيما ذات الدخل الضعيف ، خاصة بالنسبة لهؤلاء الذين فرضت عليهم لقمة العيش أن يقطعوا مسافات ويتركوا أهاليهم ينتظرون الحوالة.
أما خالتي الجوهر ٧٦ سنة لم تكف من الدعاء على من تسبب في اضراب العمال، وهي التي تفكر في سحب معاش تقاعدها، مشيرة الى انها ملت من كل هذه الاحتجاجات التي لم تراع لا سنها ولا حاجتها ولا حالتها المرضية، قائلة انها لا تملك سوى ان توكل امرها لله وغادرت وهي تردد حسبي الله ونعم الوكيل .
ويبقى المواطن بين مطرقة الحاجة وسندان العمال المضربين المتمسكين بمطالبهم في حالة من الضياع والحيرة وحالة من الترقب والانتظار.