يبحث الناس في عطلهم عن وجهة يقصدونها للمتعة والراحة وتغيير الجو والاستجمام بمناظر طبيعية وجميلة، تريحهم من تعب عام من العمل والضجيج وصخب السيارات والمحركات وسماع انشغالات وهموم الناس.
الشائع أن السائح في جزائرنا يتذمر حين لا يجد مكانا يحمل كل هذه المواصفات التي تغيره وتجعل منه انسانا جديدا، يحمل طاقة إضافية للانطلاق في العمل بعد أن شحن بطارياته بهمة، وجدد فكره وصفى ذهنه من كل مشكل وتعب أرّقه عاما كاملا، ببساطة لأنه ليس كشافا ولا يحب المغامرة والاستكشاف، بدليل أن السياح يفضلون البحر في سياحتهم، وساحلنا الممتد لأكثر من 1200 كيلومتر كامل، يزخر بشواطئ ومناطق تسلب الألباب وتنسيهم السفر الى بلدان خارجية، والانفاق بالعملة الصعبة، بدل أن يستفيد منها ابناء البلد وخزينة الدولة، والمثال الحي الذي فاجأ «الشعب» وهي تزورها، بلدية سيدي عبد الرحمان بولاية الشلف وغرب مدينة التنس، مدينة ساحلية شاطئية ذهبية في رمالها، هادئة في مناخها ومضيافة ونقية، إلى درجة عدم التصديق، وهي الحقيقة التي عاشتها «الشعب» وعادت بذكرى جميلة من شاطئ ساحر يقع في الجزائر.
سيدي عبد الرحمان جغرافيا
تقع بلدية سيدي عبد الرحمان الى الغرب من مدينة التنس بحوالي 22 كيلومترا وتبعد عن مقر عاصمة الولاية الشلف بحوالي 70 كيلومترا، وتقترب في حدودها مع تخوم ولاية مستغانم، عدد سكانها لا يتجاوز الـ 25 ألف نسمة، وطبيعة ارضها فلاحية، مشهورة بالخصوص بإنتاج السمك الطازج والمتنوع وعنب «الموسكة» الشهي والتين والرمان، والخضروات والعسل، وتزخر غاباتها بطيور الحجل وحيوان الأرنب البري، فتجد شبابا اختار مهنة طهي الطعام على الجمر، وطبقه في ذلك الأرنب البري والداجن وطيور السمان والدجاج، ولا يزيد عن ذلك إلا طبق سلطة ملون بالأخضر والأحمر، مزكى بليمون وخل شهي، يفتح الشهية ويزيد، ورغم أن القليل فقط اجتهد وأصاب في اختيار الحرفة، إلا أن المدينة الساحلية الساحرة هي موطن استثمار مفتوح، وقبلة نجاح لا اختلاف فيها، خاصة وأنها تضم ميناء أصبح مشهورا ومعروفا لدى القاضي والداني.
الإنطباع الأول
الزائر للمدينة الصغيرة ترتسم على مشاعره وهو يضع قدما أولى قبل ثانية، النقاوة ونظافة الشوارع والأحياء على عكس الصورة السيئة التي حملها عن بعض الأحياء بمدن هنا وهناك، فقلما ترى كيسا بلاستيكيا تتقاذفه نسمات الريح ، أو وسخا يترامى على مرأى من الناس، بل إن الشوارع تزينت بعشب طبيعي على حواف وتخوم البنايات والعمارات من مدخلها الشرقي إلى الغربي، وانتصبت سلات مهملات بدت هي الأخرى نظايفة وغير متسخة، لا ماء قذر يجري منها أو رائحة كريهة تزكم الأنوف ترتفع في الفضاء، وهو ما جعل الحيوانات الشاردة قليلة لأن الطعام غير مؤمن لها، ويشد الزائر مشهد شباب وصبايا وصبيان علتهم حشمة وأدب محترم، اتخذوا من زوايا وقارعة الطريق الطويل المعبد والمزين بخطوط الاشارة الفاتحة في لونها، لبيع «المطلوع» في ذوقه المميز، وعنب الموسكة بلونها الذهبي والمائل للصفرة، معلق مثل عراجين التمر ليشد الانتباه ويجلب كل مشتهي اكل العنب ان يقتني منه ولا ندم في ذلك مطلقا، وعلى طول الطريق تقابلك مركبات سياحية انتشرت هنا وهناك ومشاريع تنموية محلية للرقي بالمدينة وترك انطباع بأنها تزدهر وتتحسن يوما بعد يوم.
كرم الضيافة
المثير في الانطباع الثاني، هو أن الزائر يتفاجأ بهدوء المدينة وطيبة كرم عفوي ملائكي في روحه، أناس من عامة الناس في جنسيهما ومن التجار والباعة وموظفين بالبريد أو ما شابه، كبارا كانوا أو صغار سن، علتهم ابتسامة دائمة وترحاب في حشمة لا مثيل عنه ، سمو اخلاق يظهر في التواصل معهم وكأنك تخاطب أناسا هم من طينة ملائكة الرحمان نزلوا فوق ارض طيبة من ربوع جزائرنا الواسعة، وهو ما يزيد في التعلق بالمدينة وطلب المكوث بها أطول، زادها البساطة في التعامل والعفوية في الكلام والحشمة التي تظهر في الرجال قبل النساء، وهو ما يجعل المدينة مميزة تستقطب الناس وتسحرهم دون سحر أو فعل شعوذة.
السياحة
وبعد الاستقرار وترتيب المكان، تظهر مشاريع الاستجمام والسياحة بالمدينة وشواطئها، وهنا المفاجأة تكون أكبر، فلمن لديه دنانينر زائدة فالمركبات السياحية وجهته، وهنا سيجد الراحة والمتعة و»الخلوة الآمنة والهادئة»، أما إن كان قليل الدنانير فالشواطئ الشعبية هي وجهته، وله أن يختار بين شاطئ واد الزبوج أو الداتي وهما الشاطئان المفضلان، فالحماية موجودة والرمال الذهبية متوفرة والشاطئ المائي آمن، إلى درجة أن ك تغفو وتترك صغارك يسبحون ويمرحون بالمياه ولا خطر عليهم، لأن الشاطيء غير عميق ومياهه دافئة، خاصة إن كان التيار كما يعرف «غربي»، ويزيد وسط كل تلك البوتقة الجميلة استقبال مضياف من باعة ومشرفين على هدوء وعوم الناس.
منتخبون مثاليون وأمل في المزيد وتوفير الأحسن
رغم عدم تمكن « الشعب» في الاتصال برئيس البلدية الشاب صاحب العهدات الثلاث المتتالية، لأنه كان يقضي عطلته السنوية، إلا أن شبابا بالمدينة عبروا لنا عن أملهم في أن تحظى بلديتهم بمشاريع تنموية تزيد في القضاء على البطالة، وتحسن من الخدمات بانجاز مرافق رياضية وترفيهية شبانية تجمعهم، وأيضا اعفائهم من التنقل الى المدن بالجوار لقضاء حاجات كان الأولى أن تكون بمدينتهم، مثل مصلحة لاتصالات الجزائر، ومؤسسة تربوية ثانوية ودار شباب.
لكن بالرغم من نقص تلك الأمور إلا أن الشباب وسكان المدينة يعترفون ويشهدون لمسيريهم في مجلسهم البلدي والمنتخب للمرة الثالثة على التوالي، أنه حسن من صورة المدينة وحرص على أن تكون المدينة تضمن أبسط الأمور والاهتمامات، ولكن ما باليد حيلة فالمدخول ضعيف وليس بمقدور الميزانية الضعيفة أن تزيد في تلميع صورة المدينة، إلا مع الاهتمام بمشاريع سياحية اضافية ترفع من قدرة المداخيل وتضمن مناصب عمل للبطالين من الشباب، فالحياة صعبة وطرق الانحراف أصبحت سهلة وفي متناول الجميع، وهي الأمنيات التي يرفعها الشباب بالخصوص امثال عبد الله وناصر ومحمد وعبد القادر وغيرهم من الشباب وبنات حواء، في أن يحظوا بفرص تجعلهم يضيفون المزيد ولا ييأسون أوة يصابون بالإحباط وكسر الخاطر، خاصة، قدراتهم الذهنية والجسمانية تسمح لهم بأن يقدموا الأفضل ويحولوا المستحيل إلى ممكن، وهو حلم وأمل لو تعمم على بقية مناطقنا، لأصبحنا قبلة سياحية بامتياز.