استطاع قطاع الصيد البحري وتربية المائيات، استقطاب الشباب للإستثمار في هذا المجال حتى وإن كانت أغلب المشاريع صغيرة، لكن ترقى للمساهمة في التنمية الاقتصادية المحلية والوطنية بشكل أو بآخر كونها تضمن تزويد الأسواق بأنواع مختلفة من المنتوجات البحرية، وتلبي احتياجات المستهلك خلال طول الموسم، لكن ما بات يهدد استمرارية تلك المشاريع ويقف عقبة أمام توسيعها، القروض البنكية الملزم أصحاب المشاريع بتسديدها في الآجال المنصوص عليها في دفتر الشروط، مهما كانت نتيجة المشروع ووضعية صاحبه، وهو ما بات يدفع إلى التساؤل عن جدوى منح مثل هذه القروض إذا كانت تعيد المستثمر إلى نقطة الصفر، بل وأكثر من ذلك تضيف عبئا جديدا عليه حيث يجد نفسه مثقلا بديون قد تدخله أروقة العدالة، إذا ما عجز عن تسديدها في الوقت المناسب.
أبانت الزيارة الميدانية التي قادت وزير الصيد والموارد الصيد سيد أحمد فروخي، بحر هذا الأسبوع إلى ولاية تيزي، عن عديد المشاكل التي يتخبط فيها الصيادون والبحارة العاملين في القطاع، وباتت ترهن تطوير نشاط القطاع، كونها أضحت عائقا أمام توسيع استثماراتهم، وتحد من رفع كمية الإنتاج، ولعل أبرز مشكل طرحه البحارة والصيادون على وزير القطاع لدى توقف بميناء أزفون الذي يخضع إلى إعادة تأهيل، تأخر البنوك في معالجة ملفات أصحاب المشاريع سيما الشباب منهم، مما بات يؤخر عملية إطلاق مشاريعهم نظرا لارتباطها بشكل كلي بالقرض الممنوح من تلك المصارف، فلا يعقل كما قال أحدهم أن ينتظر صاحب المشروع ثلاث سنوات، حتى تتم دراسة ملفه، وسنوات أخرى لمنحه الموافقة على توسيع مشروعه، وتحديث عتاد الصيد الخاص به.
وقد تأكدنا من هذه الملاحظة في الميدان عند زيارتنا رفقة الوفد الوزاري للمزرعة المختصة في مجال تربية المائيات وإنتاج سمك القاروس وذئب البحر، حيث كاد صاحب المزرعة العربي جلاج أن يفقد مشروعه بعد تأخر وصول الأغذية الخاصة بالسمك، بسبب تأخر البنك في منح الدعم المالي، وهو ما أثر على كمية الإنتاج ففي ظرف أربع سنوات منذ الشروع في نشاط تربية الأسماك في الأقفاص العائمة لم يتعد الإنتاج ٦٠٠ طن منذ سنة ٢٠٠٩، في حين حددت القدرة الإنتاجية في دراسة المشروع ب١٢٠٠ طن سنويا، بينما تجاوزت تكاليف تجهيز المشروع ٧٠٣ مليون دينار جزائري، ساهمت الدولة فيها بنسبة ٥٠ بالمائة.
وقد وضع صاحب المزرعة أهدافا لإنتاج ١٠ ملايين بلعوط من أنواع السمك السابقة الذكر، إلا أنه استصعب العملية واستحسن استيراد هذه البلاعيط بدلا من إنتاجها محليا نظرا للارتفاع الباهظ لتكاليف أغذية السمك، ناهيك عن المشكل الذي مازال ينتظر التسوية مع بنك التنمية الريفية بدر، وهو المشكل الذي وعد الوزير فروخي بالتدخل لحله.
واستعرض الشباب الملتحقين بالقطاع مؤخرا، في إطار مشاريع الدعم التي مولتها الدولة عن طريق وكالة دعم وتشغيل الشباب «أنساج»، صندوق القرض المصغر «لكناك»، وغيرها من الآليات التي استحدثتها لامتصاص البطالة وسط هذه الفئة، جملة من الانشغالات تتعلق بضيق حوض رسو السفن، حيث يستوعب الميناء حاليا ٥ سفن لصيد السمك و١٥ لاصطياد السردين و٣٠ قاربا صغيرا في حين أن أسطول الصيد بهذا الميناء يتكون من ١٣ سفينة لصيد السمك و٣٢ خاصة بالسردين و٨٢ قاربا صغيرا.
دعم الدولة بالمرافقة التقنية والتكوين
بدا وزير الصيد سيد أحمد فروخي واقعيا، وهو يجيب على انشغالات الصيادين والبحارة بميناء أزفون حينما حث الراغبين في الاستثمار في القطاع، على القيام بدراسات لمشاريعهم قبل الشروع في تجسيدها حتى تكون ذات جدوى اقتصادية، داعيا إياهم إلى العمل على إنضاج مشاريعهم، واختيارها بدقة ليتم التحكم فيها فيما بعد، وتسييرها بحسب القدرات المتوفرة.
وتحدث الوزير فروخي، عن ضرورة استخلاص الدروس من التجارب السابقة، وعدم التهافت على مشاريع ضخمة تفوق القدرات والوسائل المتوفرة لديهم، حتى «لا نضطر إلى تقليص حجم المشاريع»، تفاديا لفشل المشروع.
وفي رأي وزير الصيد، لا تمثل إعانة الدولة المالية حلا ناجعا، ومخرجا لجميع المشاكل المطروحة من قبل المستثمرين، فدعم الدولة يمكن أن يكون في شكل مرافقة تقنية وتكوين الموارد البشرية دعم الدولة أكثر مردودية، حاثا المهنيين والمتعاملين في القطاع على الاستفادة من تجارب الدولة الأجنبية الناجحة في هذا المجال، من خلال عقد شراكة، أو العمل على تحويل التكنولوجيات «فالإستعانة بالأجنبي أمر لا مفر منه».
وبخصوص انشغالات الصيادين المتعلقة بضيق حوض رسو السفن، أوضح فروخي أن حل هذا المشكل يتمثل في وضع مخطط لرسو السفن والقوارب الصغيرة، لتحديد السفن المرقمة بهذا الميناء وتلك العابرة للمنطقة، كما اقترح استعمال أرصفة عائمة لفك الضغط عن الحوض، وفتح المجال لاستقبال عدد أكبر من السفن والقوارب.