يلفت نظر عابري الطريق الوطني رقم14الرابط بين معسكر وتيارت، في شطره المار بمدخل عاصمة الولاية، منظر الحي القصديري المشيد في منحدر جبلي يشبه إلى حد كبير حفرة لمنجم ترابي مهجور، هنا اختارت العشرات من العائلات النازحة من شبح الإرهاب، وزلزال 1994 الذي ضرب مدينة حسين، الاستقرار وتشييد أكواخ من الطوب والحجارة مغطاة بصفائح القصدير.
تختلف ظروف نزوح العائلات بين مطرودين من مساكن الخواص الذين كانوا يأوونهم مقابل مزاولة نشاط الرعي والفلاحة بسبب الآثار التي خلفها زلزال 94 الرهيب ومخافة انهيار السكنات عليهم، وبين اضطرار أصحاب هذه السكنات بالمستثمرات الفلاحية إلى إجبار عمالهم القادمين من مناطق مجاورة مختلفة إلى الرحيل بسبب الأزمة الأمنية في فترة التسعينيات وما كان ملزما عليهم القيام به من إجراءات للتصريح بالعمال والساكنين لديهم لإجراءات أمنية، لكن هؤلاء النازحون الذين استقروا بهذا الموقع القصديري تتشابه معاناتهم وظروف عيشهم الذي يتقاسمونه مع قطعان الغنم والجرذان والأفاعي السامة التي يحلو لها الانتشار ومباغتة أطفال هؤلاء السكان على مدار مواسم السنة. «الشعب”رصدت هذه الوضعية٫ ووقفت على ظروف حياة ساكنة الحي الفوضوي، وإن كان ظرف الفوضى يطرحه البناء العشوائي لأكواخهم القصديرية، فالنظام هنا يظهر من خلال تدابيرهم المتخذة في شأن الحراسة، صرف المياه، اقتناء مياه الشرب من الصهاريج وتسديد منتظم لفواتير الكهرباء، الممدودة عبر أسلاك كهربائية يوفرها سكان الحي الواقع في أعلى المنحدر، بطريقة غير قانونية، كما يتوفر لدى السكان نظام المناوبة في إيصال صغار تلاميذ المجمع القصديري إلى المدرسة الواقعة بالقرية الفلاحية القريبة إليهم بنحو 1 كلم ويفصل بين الموقعين الطريق الوطني رقم 14، هذا الأخير، كان سببا لاعتماد نظام المناوبة بين الجيران في الموقع، حيث تسبب في 6 حالات إعاقة حركية دائمة جراء حوادث المرور المريعة التي تعرض لها أطفال الحي القصديري، إعاقات لا تختلف عن تلك الأمراض والالتهابات التي أودت بحياة النساء بالحي القصديري ومازالت تفتك بهن جراء تحولها إلى سرطانات وأمراض خطيرة.
وبالحديث عن ذلك، فإن الظروف التي تنذر بالكارثة البيئية متوفرة في الحي، مادام هؤلاء السكان ينامون فوق الحفر الصحية والمسالك المليئة بالمياه العكرة والفضلات، إلى جانب انتشار الأفاعي السامة والجرذان الضخمة التي تتجول هنا بالموقع القصديري على مرأى العين، دون استثناء ذكر قطعان الغنم التي يؤوونها داخل بيوتهم القصديرية في كل مساء، وينتشرون بها للرعي في المناطق الفلاحية القريبة في ساعات مبكرة من الصباح.
موقع قصديري يتحدى القانون ويواصل التوسع
ويعد الحي الفوضوي آخر المواقع القصديرية بمعسكر، بعد أن شنت السلطات الولائية بمعسكر حملة للقضاء على السكنات الهشة بإعادة ترحيل العشرات العائلات من 48 موقع عبر تراب الولاية إلى سكنات لائقة مع حرصها على استعادة أوعية عقارية شاسعة بعد عملية الهدم وإزالة سكنات القصدير لمنع إعادة التموقع فيها.
ويتواجد آخر هذه الأحياء القصديرية بمرتفع السوناكوم المطل على القرية الفلاحية عند المدخل الجنوبي لوسط مدينة معسكر التي تعتبر من أكبر بلديات الولاية من حيث المساحة والكثافة وبكونها عاصمة الولاية فهي تشكل القبلة الأولى للنزوح الريفي بتنوع خلفياته، ويتربع المجمع السكني الفوضوي على مساحة تقدر بحوالي هكتار واحد، وأصبح يزحف في توسعه على حساب تجزئات عقارية تابعة لأملاك بلدية معسكر التي شرعت في تهيئة التجزئة العقارية ليحول الموقع القصديري دون استكمال المشروع، وبالرغم من تدابير الدولة المتخذة في هذا الصدد للقضاء على ظاهرة البناء الفوضوي والهش، تقف السلطات هنا عاجزة عن الحد من هذا الزحف الرهيب للبناء القصديري الذي يشوه المنظر الحضري لمدخل عاصمة الولاية.
تنقلت “الشعـب” إلى الحي عبر طريق جبلي ودروب وعرة تسلكها العشرات من العائلات يوميا صعودا ونزولا لقضاء حوائجها من القرية الواقعة في أدنى المنحدر أو من وسط المدينة الذي يبعد مسافة 1 كيلومتر عبر الطريق الاجتنابي، فمن هنا تتنقل النسوة لبيع ما يمكن بيعه من خبز تقليدي ومأكولات شعبية وصناعات يدوية في السوق الموازية، بحثا عن لقمة العيش فيما يزاول الرجال الرعي والفلاحة ونشاطات عمل يومية في البناء وغيرها من الأشغال الشاقة التي لا تدر أرباحا طائلة، أما الأطفال فلهم مهام أخرى سيلي ذكرها.
أول ما شـد انتباهنا كان ردة فعل سكان الحي الذين ينفـرون من الغرباء والزيارات الخاصة للسلـطات التي تسعى في كل مرة إلى تهـــدئة الأوضاع واحتواء احتجاجات السكان والتوفيق بين طلباتهم والبرامج التنموية المحلية بوعود بعيدة المنال، لكن بعد أخذ ورد تمكنا من كسب ثقة هؤلاء وحظينا بمعلومات تمكن من قذف الوضع إلى العلن وتسليط الوضع عليه.
طريقة عيشهم أقل من أن نقول أنها ريفية فهم يعيشون في أكواخ تنعدم فيها أبسط ضروريات العيـش، أكواخ من طوب وصـفائح الزنك، سقوفها من قش وجذوع أشجار، لا توجد بها تهوية وإن وجدت في بعض الأكواخ فلا تتعدى نافذة أقفلت بإحكام خشية دخول الأفاعي التي تكثر هناك والجرذان وبعض الزواحف القاتلة التي وصفها لنا أحد الأطفال وصفا دقيقا.
أما الكهرباء والماء فهي من الأمور التي اعتاد هؤلاء السكان على العيش بدونها، بحيث يتنقل أطفال هذا الحي يوميا لجلب المياه على ظهور الحمير والدواب التي تعتبر وسيلة نقلهم الوحيدة في حال لم تتوفر لدى العائلات مبالغ لاقتناء صهريج المياه بمبلغ 700 دج للعائلة الواحدة، أما الكهرباء فهناك عائلات تزودها الأحياء الواقعة بأعلى الحي بطريقة خطيرة على حياتهم قبل أن تصبح غير قانونية.
أطفال هذا الحي لا يرتادون المدرسة مثل غيرهم من الأطفال فالبعض منهم تفرغ للعمل في سن مبكرة وآخرين لا هوية لهم، الأمر الذي رفضوا الخوض فيه لأسباب تتعلق بهوية أوليائهم الذين قدموا من مناطق مختلفة من الغرب الجزائري بحثا عن الشغل واستقروا هنا منذ أكثر من عشرين سنة.
يقول السيد”م.خ”70 سنة، جئت إلى هنا وأنا في14 من العمر بحثا عن العمل، فاشتغلت في الفلاحة واستقريت هنا بعد أن تزوجت وقد سويت وضعيتي الإدارية بعد أن شطبت من مقر إقامتي السابق بـ«أولاد عبد الله بشلف”، ظروفنا هنا سيئة جدا ولا يكاد يسمع بمعاناتنا أحد والكل يتهمنا بالإنتهازية وأننا نستغل الظروف للإستفادة من السكن وأننا ننعم بكل شيء في مسقط رأسنا، لكنني أقول لهؤلاء من تغريه هذه الحياة البائسة التي نعيشها للحصول على سكن؟ نحن
نعيش مع الأفاعي والجرذان وأطفالنا يعانون من المرض والإعاقة لأنهم لم يتحصلوا على التطعيم في صغرهم، فمن منكم يريد أن يكون في مكاننا من أجل السكن..
السيد”م” لم يشأ التوقف عن الحديث والشكوى تقول زوجته لم نجد آذان صاغية لمشاكلنا فنحن نعيش في العصر الحجري، وهي التي تم مؤخرا بتر قدمها بعد استئصال ورم خبيث.
أكثر من 28 عائلة تنتظر الترحيل
يضم هذا المجمع القصديري 28 عائلة منكوبة منذ التسعينات وما يبدو عليه المشهد من على بعد أمتار هو مجرد حي فوضوي مثل غيره من الأحياء القصديرية لكن من يسلك الممرات الصعبة المؤدية إليه ويدخله يشبه له الأمر بالقرى الإفريقية، فالناس هنا مازالوا يحتطبون ويجهزون الأفران التقليدية المصنوعة من الطين من أجل الطبخ وإعداد الطعام ولا علاقة لهم بالعالم الخارجي إلا بواسطة المقعر الهوائي والبث التلفزيوني الأرضي وهذا في حالات وجود الكهرباء التي تنقطع بصفة متكررة بسبب تردد السكنات المجاورة عن تزويدهم خشية تعرضهم لمتابعات قانونية وبسبب الضغط الكبير على التيار الكهربائي الذي يمول من 4 إلى 6 عائلات تشترك في دفع الكهرباء لممولهم بطريقة قانونية باستفزاز، حيث يجبر هؤلاء إلى دفع اشتراكات تقدر بـ10 إلى 12 ألف دج تحت الضغط وعن لم يسددوا لصاحب التمويل الكهربائي فجزاؤهم قطع التيار.
تقول السيدة “خ”35 سنة: لقد أمضيت حياتي منذ طفولتي في مراكز الإيواء/العبور مع عائلتي وتزوجت ولقيت نفس المصير، لا أريد لأطفالي أن يعيشوا تحت رحمة الفقر والصفيح الساخن صيفا والصقيع الجارح شتاءً، إخترنا السكن هنا لأننا لا نجد المال لتسديد الكراء في مكان آخر فزوجي بطال حاله حال العائلات الأخرى المجاورة لنا، فأزواجنا يشــتغلون بصفة غـــير مستقرة ولا مؤمنة في الـــفلاحة أو البـناء أو غيرها و البعض من العائلات من يتسول من أجل التكفل بعائلته المهم بالنسبة لنا أن نقتات فقط أما الفرج فمن عند الله.
عائلات استفادت من السكن الريفي على الورق فقط
غبن هؤلاء لم يمنعهم من الأمل في أن يجدوا أسماءهم ضمن برنامج القضاء على البناء الهش، خاصة وأنهم يجتهدون في التحضير لأفراح لا تكتمل بعد أن تقصيهم البرامج السكنية من الاستفادة، وقد علق بعضهم على أسفهم الشديد للاعتبارات التي وضعتها مصالح دائرة معسكر في أنهم غير معنيين بالإستفادة وعاملتهم بجهوية حسبما صرح به قاطنو هذه السكنات، أو بحجة أنهم استفادوا من إعانات البناء الريفي بمقررات رسمية في سنة 2008، كما تشير نسخة منها تتوفر لدينا، لكن هذه المقررات التي توضح استفادتهم من الإعانة الريفية المقدرة بـ500 ألف دينار للمستفيد الواحد لم تحظ بأرضية تسمح باستلام المبلغ وتجسيد البناء الريفي، ووقعت في حالة تقاذف بين المسؤولين على مصالح دائرة معسكر ودائرة تيزي التي رفضت التكفل بمنح هؤلاء قطع أراضي في المجمع السكني “السنايسة “ في بلدية تيزي، وبقي الوضع على حاله مسؤوليات لإعادة الإسكان ومعالجة الوضع القائم في طريق مسدود ومجمع قصديري يزيد في التوسع يوميا أمام مرأى السلطات المحلية وحتى المركزية التي تتاح لها فرصة زيارة الولاية والمرور على الطريق الوطني رقم 14، وقد تحول عدد السكان الذين تم إحصاؤهم في الموقع القصديري من 28 عائلة إلى 40 عائلة، منها عائلات جديدة شيدت مساكن فوضوية بالموقع ومنها العائلات المستقرة به منذ أكثر من 20 سنة، تزوج أبناؤهم وأسسوا عائلات صغيرة وبيوت من صفيح.
مدير السكن: برنامج ضخم للقضاء على السكن الهش
عن الحلول لمشكل الحي القصديري، أكد مدير السكن لولاية معسكر عبد المجيد قليل، أن مصالح دائرة معسكر أحصت 600 بناية مهددة بالإنهيار، وسط المدينة، كما أحصت وجود 4 أحياء قصديرية، سيرحل ساكنيها بما فيهم سكن الحي محل الاستطلاع، إلى سكنات لائقة ضمن برنامج سكني ضخم للقضاء على السكن الهش، والمشكل على مستوى دائرة معسكر من حصتين، تحتوى الأولى 500 وحدة سكنية يتوقع استلامها في غضون الثلاثي الأول من سنة 2016، وحصة ثانية تضم 320 وحدة سكنية لنفس البرنامج تسلم في الثلاثي الثاني من السنة المقبلة.
يذكر أيضا أن هذا البرنامج يستفيد منه على الأغلب العائلات الساكنة في الأحياء القصديرية والبنايات المهددة بالإنهيار التي تم إحصائها سنة 2007.