تحضـــيرات استعدادا لوضع الحجـر الأساسي للمصنع خلال شهـر مارس
الوالي بدريسي:
منشآت قاعدية لتحسين ظروف معيشة السكان وخلق مناصب الشغل
تتجه ولاية جيجل، بخطى ثابتة نحو احتلال مكانة إستراتيجية على الصعيد الوطني، بفضل المشاريع الضخمة ذات الطابعين الصناعي والتجاري، لتصبح بذلك قطبا اقتصاديا هاما، يأمل منه دفع الحركية التنموية المحلية من خلال فتح أبواب الشغل أمام الشباب وتنويع مجالات النشاط .هذا ما توقفت عنده “الشعب” في استطلاع ميداني.
حينما سيصبح بحوزة جيجل، منشآت قاعدية لا يمكن وصفها إلا بـ«الحيوية”، على غرار أكبر ميناء في البحر المتوسط، 5 سدود بطاقة استيعاب تفوق 500 مليون متر مكعب، طريق سريع يربطها بالسيار شرق -غرب، أكبر محطة لتوليد الطاقة الكهربائية في أفريقيا ومصنع الحديد والصلب، ستتغير آليا من ولاية معروفة بالركود الاقتصادي والأعمال، إلى منطقة نشاط محورية، تنطلق منها شبكة اقتصادية تمتد إلى باقي الولايات الساحلية والهضاب العليا.هذا ما أكده لنا أكثر من متحدث من خلال رؤية استشرافية لولاية ظلت على الدوام سياحية لكنها تشق الطريق نحو بناء قاعدة صناعية بامتياز.
تدخل هذه المشاريع التي يتوقع أن تكتمل جميعها سنة 2017، في إطار مخطط الدولة الرامي إلى النهوض بالولايات الشرقية من الناحية الاقتصادية عبر التكامل بين المشاريع الخاصة بالبنى التحتية وتلك المتعلقة بالمردودية الإنتاجية وتوفير مناصب الشغل.
ويؤكد الوالي، علي بدريسي، لـ “الشعب” أن جيجل سائرة في طريق الريادة الصناعية والتجارية وأن المشاريع الكبرى ليست صدفة، وإنما متكاملة بشكل دقيق ومدروس، ما سيجعل من الولاية قاطرة في المستقبل وقطبا صناعيا واقتصاديا على المستويين الوطني والدولي”.
مركب الحديدة والصلب ...أخيرا يتجسد
على الصعيد المحلي للولاية 18، يحتل مشروع إنجاز مصنع الحديد والصلب بالمنطقة الصناعية بلارة بدائرة الميلية اهتمام الشارع، ولهذا الاهتمام أسباب عديدة، أبرزها مناصب الشغل العديدة التي سيوفرها، ونهاية مسلسل الإشاعات والوعود التي ربطت المنطقة بمشاريع ضخمة منذ العقد الثاني للاستقلال.
ووقفت “الشعب”، خلال زيارتها الميدانية إلى الموقع الذي سيشيد به مصنع الحديد والصلب، ودائرة الميلية وعاصمة الولاية، على مدى اهتمام المواطنين باللقاء الاقتصادي الجزائر-القطري الذي ترأسه وزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب، رفقة وزير خارجية دولة قطر لشؤون التعاون الدولي الشيخ محمد بن عبد الرحمان بن جاسم آل ثاني، في الأسبوع الماضي والذي أعلن فيه عن وضع حجر أساس المصنع خلال الأيام العشر الأول من شهر مارس الداخل.
ورأوا في ذلك ضمانا على أن المشروع يسير فعليا نحو التجسيد ولن يكون مصيره مشابها للوعود السابقة، وما عزّز ارتياحهم أكثر هو إنشاء الشركة المختلطة للمركب والتي حملت اسم “الشركة الجزائر القطرية للصلب”، وتشكيل مجلس إدارتها الذي سيجتمع في 25 من هذا الشهر لرفع رأس مال الشركة ليفوق 10 مليون أورو، حسب ما أكده الوزير بوشوارب.
لكن كيف جاء مصنع بلارة وإلى أي مدى يحمل كل هذا البعد الاستراتيجي ؟ إنه السؤال الكبير الذي يستدعي إجابة لاطلاع الراي العام الوطني بأحد أكبر المشاريع في صناعة الحديد والصلب على الإطلاق.
تعود قصة بلارة، التي تبعد على عاصمة الولاية بـ52 كلم، وتقع على يمين مدينة الميلية، ممتدة على مسافة 500 هكتار، إلى سنوات السبعينات، حين أمر الرئيس الراحل هواري بومدين بجعلها منطقة صناعية تخصص لتشييد مركب ثان للحديد والصلب ليكون حسبه “الحجار 2”.
وتقدمت السنوات، وظلت بلارة عبارة عن سهل شاسع يحاذي جانب الوادي، استغله سكان المنطقة في رعي الأبقار والحيوانات الأليفة، إلى غاية نهاية التسعينيات، حيث تم إصدار قرار ينص على استغلالها كمنطقة نشاط حرة.
و ما زال السور الطويل الذي يطوقها، والباب الحديدي العملاق، وبعض البنايات التي تبدو عليها آثار القدم والإهمال، شاهدة على بقاء المشروع في مهده دون انطلاقة وتجسيد.
من منطقة التبادل التجاري الحر، إلى مصنع رونو للسيارات، هذا الذي شيّد وشرع في الإنتاج شهر نوفمبر الماضي بواد تليلات بوهران، كان مبرمجا أن ينجز ببلارة، لتوفر الولاية على الميناء والمطار والطريق الذي يربطها بالسيار شرق غرب، ليتم إلغاء ذلك ويعوض في وقت وجيز بإنشاء مركب الحديد والصلب مع الشريك القطري وفق قاعدة 51/49.
ورغم الوتيرة البطيئة التي ميزت -نوعا ما- الإجراءات التحضيرية للشروع في عملية الإنجاز، يبقى ترسيم تجسيد المشروع أمرا في غاية الإيجابية.
وقفنا أثناء زيارتنا للموقع على هذا السير التدريجي من خلال نصب اللوحة التقنية أمام المدخل الرئيسي مضمنة باسم الشركة الجزائر القطرية للصلب، ومدة الإنجاز التي ستدوم 30 شهرا من 2015 إلى 2017، والسعة الإنتاجية للمرحلة الأولى التي تقارب 2 مليون طن.
و ماعدا رفع الأعلام الصفراء التي تحمل رمز الشركة المختلطة، ومكتب رئيس المشروع وأعوان الوقاية والأمن، إضافة إلى آليتين للسبر تعكفان على مواصلة الدراسات التقنية، مازالت الأرضية على طبيعتها الأولى في انتظار موعد وضع حجر الأساس الشهر المقبل.
المشاريع الكبرى مدروسة وستجعل من المنطقة قطبا اقتصاديا
و يطمئن الوالي، علي بدريسي، من خلال “الشعب” سكان جيجل بشأن انطلاق المركب بالتأكيد على أن “المشروع الهام لمركب بلارة على وشك الانطلاق، وسيتم في الأيام القليلة القادمة، إبرام الصفقة مع المنجز الايطالي دانييلي على أن يوضع حجر الأساس مطلع الأسبوع الأول من شهر مارس”.
وحسب ما حصلنا عليه من معلومات، فإن عملية الإنجاز لن تكون مباشرة عقب وضع حجر الأساس، الذي سيحضره الوزير الأول لدولة قطر. بل ستنطلق شهر جوان، وهي المدة الكافية للشركة الايطالية الحائزة على الصفقة للتحضير الجيد للعملية.
وما يهم الجزائر عموما و وسكان ولاية جيجل خصوصا، هو الأبعاد الاقتصادية للمركب الضخم، بحيث ينتظر أن يقضي على استيراد البلاد للفولاذ، ما يعني وضع 12 مليار دولار قيمة صادرات المادة في الخزينة العمومية أو استثمارها في مشاريع أخرى تنوع الاقتصاد الوطني وتدعمه.
و الأهم من هذا كله، العدد المعتبر لمناصب الشغل المباشرة التي سيوفرها، وسيكون أبناء الولاية أكبر المستفيدين منها، حيث شرعوا في وضع سيرهم الذاتية، سعيا لترك البطالة وتغيير نشاط التجارة الفوضوية التي انتشرت في الولاية بشكل ملحوظ.
وفي هذا الشأن، تحدث الوالي، عن أهمية المشروع بالنسبة للشباب كاشفا أن “المركب سيوفر أزيد من 2000 منصب شغل مباشر، وهذا يبشر بالخير لامتصاص البطالة بولاية جيجل”.
وعن القدرة على توفير اليد العاملة المؤهلة والمناسبة، يؤكد علي بدريسي أن “جيجل تملك مؤسسات تكوين وجامعة، وتقاليد في الصناعة بحكم عمل الكثير من مواطني الولايات في القطاع الصناعي عبر التراب الوطني”.
وسيكون مركب الحديد والصلب ببلارة، أول مشروع يخلق مناصب شغل بهذا الحجم في القطاع الاقتصادي، وسيساهم بذلك في تثبيت شريحة الشباب في الولاية المعروفة بهجرة أبنائها إلى ولايات الوطن الأخرى بحثا عن فرص عمل.
وتجدر الإشارة إلى أن إدارة المشروع متواجدة بمركب الحجار بعنابة، ونصّبت مكتبا بموقع تشييد المصنع الذي خصصت له مساحة إجمالية تقدر بـ 216 هكتار، فيما شيّدت على الجزء المتبقي من مساحة الـ 500 هكتار محطة توليد الكهرباء، التي ستموّل المصنع وتساهم في القضاء على العجز المسجل في التموين بالكهرباء بمختلف مناطق الوطن وخاصة الولايات الجنوبية.
ميناء جن جن والحركية التجارية
تجمع آراء الشارع الجيجلي، على أن إنجاز الطريق السيار الرابط بين ميناء جن جن ومدينة العلمة بسطيف، ذو أولوية قصوى، ويعتبرونه المنفذ الذي ستنفتح به الولاية على الهضاب العليا وبناء العلاقات التجارية في أحسن الظروف، ناهيك عن اختزال الوقت إلى النصف، بحيث سيصبح بإمكانهم بلوغ ولاية سطيف على مسافة 111 كلم في ظرف ساعة من الزمن، والسفر إلى العاصمة في ظرف 4 ساعات، علما أن المدة الحالية تتراوح بين 7 و 9 ساعات.
ومن جانب آخر يكتسب الطريق أهميته القصوى، لكونه ينطلق من ميناء جن جن، الذي يعرف أشغال توسعة ليصبح الأكبر في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ومنه تسهيل حركة النقل التجاري ليس للمناطق الداخلية فقط وإنما إلى عمق الصحراء الجزائرية الكبرى.
فمن خلال هذه المنشأة الإستراتيجية، سيكون للجزائر موقع مرموق على الصعيد المتوسطي والإفريقي، خاصة بعد انتهاء أشغال الطريق العابر للصحراء الرابط بين 05 دول إفريقية. لتصبح جيجل ولاية حيوية محضة لها أبعاد وطنية وإقليمية وقارية.
وبالعودة إلى الطريق السريع الذي سيربطها بالسيار شرق-غرب، شرعت المؤسستان المكلفتان بالإنجاز في دخول مرحلة الجد، المتثلمة في بناء المنشآت الفنية، وباتت مطالبة بالإسراع في بناء الجسر الذي يمر فوق سد تابلوط قبل أن يدخل هذا الأخير حيز الاستغلال الفعلي الشتاء القادم.
قطب للموارد المائية
وقي قطاع الموارد المائية، ضمنت جيجل وبشكل نهائي أمنها المائي، وستساهم بشكل فاعل في تزويد الولايات المجاورة، في إطار مخطط التحويلات الكبرى، من خلال حيازتها على 05 سدود تبلغ الطاقة الإجمالية لها أزيد من 500 مليون متر مكعب.
فبعد سدود، إيراقن، العقرم وكيسير، ينتظر أن تنتهي الأشغال شهر ماي المقبل من سد تابلوط، الذي يكتسي أهمية استراتيجية كبرى مثلما صرح وزير الموارد المائية، حسيب نسيب، بحيث سيمون 7 بلديات لولايات جيجل بالمياه الصالحة للشرب، و16 بلدية بولاية سطيف، عندما تنتهي أشغال نظام التحويل الشرقي إلى سد دراع الديس مطلع سنة 2017.
أما سد بوسيابة بدائرة الميلية، فستحول كميات معتبرة من مياهه إلى سد بني هارون بميلة، لتغطية أي انخفاض لهذا الأخير الذي يمون 6 ولايات بالشرق والهضاب العليا، ويجري العمل على إعداد دراسة إمكانية تموين ولاية بسكرة، تنفيذا لأوامر الوزير الأول عبد المالك سلال.
السدود الـ 5 تعني مياه الأمطار التي تتساقط بشكل مكثف بولاية جيجل، يتم تخزينها واستغلالها في الشرب والسقي وتموين الولايات المجاورة، ولذلك انعكاسات جد إيجابية على القطاع الفلاحي، بحيث أن دخول سد تابلوط حيز الخدمة واستخدام مورده في المساحات المسقية بمدينة العلمة، سيضاعف الفلاحة بالمنطقة بـ 4 مرات، وما أحوج البلاد إلى قطاع فلاحي قوي خاصة في الظرف الحالي المتسم بالتقلبات الاقتصادية العالمية.
ويؤكد والي الولايةّ، أن الشروع في تخزين الماء بسد تابلوط، سيكون الشتاء المقبل، وقال إن دخوله حيز الخدمة مرهون بالانتهاء من أشغال بناء جسرين عملاقين، الأول كمحول للطريق الوطني رقم 77، والثاني خاص بالطريق السيار، كاشفا عن وجود التنسيق اللازم بين وزارتي الأشغال العمومية والموارد المائية، للضغط على الشركتين المكلفتين بالإنجاز وإنهاء الورشتين في الوقت المناسب.
استعادة الطابع الفلاحي للأراضي
أمام هذه الطموحات الكبرى لولاية جيجل، يرفع السكان بعض الانشغالات المتعلقة بانخفاض الإنتاج الفلاحي، والتغييرات الطفيفة على المناخ بفعل ارتفاع نسبة الرطوبة الناجمة عن بخار مياه السدود، غير أن القائمين على المشاريع يؤكدون انتفاء أضرار قد تلحق أذى بالجانب البيئي.
وفيما يتعلق بظاهرة استغلال مستوردي السيارات لأراضي فلاحية لتخزين المركبات قبل نقلها إلى وجهاتها النهائية في مختلف الولايات، أكّد الوالي علي بدريسي، أن تلك الأراضي لم يسبق استغلالها من قبل “ورغم ذلك رفعنا دعوى قضائية من أجل استرجاع طبيعتها كأراضي فلاحية وعدم استعمالها في نشاطات أخرى”.
وإلى جانب هذه المشاريع ذات الأبعاد الصناعية والتجارية، تملك جيجل مقومات سياحية معتبرة، تحتاج إلى مخططات مضبوطة واستثمارات لإنجاز المنشآت الضرورية لاستقبال الأعداد الهائلة من الوافدين من كل جهات الوطن أثناء موسم الاصطياف.