55سنة مرت على التفجيرات النووية الفرنسية بصحراء رڤان (150 كلم) جنوب ولاية أدرار، ولا زالت الجريمة ضد الإنسانية بلا متابعة قضائية ومرتكبوها يتمادون في عدم الاعتراف بها والاعتذار وتعويض الضحايا، عكس ما جرى في بولينيزيا سنين مضت.
«الشعب” تعود إلى التفجيرات التي وقعت في 13 فيفري 1960 وتقف عند هذه الجريمة الاشعاعية التي بلغت قوتها 60 كيلو طن حسب دراسات المختصين في الفيزياء الذرية، وأثارها باقية على الإنسان، الحيوان والمحيط.
كان 13 فيفري 1960 برقان، موعدا إجراميا استعماريا مع التفجيرات النووية الفرنسية، كما تعتبر هذه المناسبة محطة لإحصاء المتضررين من الإشعاعات النووية، وتسجل أدرار أرقاما غير معلومة من تشوهات خلقية وأنواع السرطان وصلت إلى 250 حالة سنويا، مثلما ذكر لنا أكثر من طبيب ومختص بعين المكان.
وجع الذاكرة
رغم هذه الأرقام المخيفة، تفتقر رقان ذات 30 ألف نسمة إلى وسائل طبية ومعدات للكشف المبكر عن أمراض السرطان، أو جهاز سكانير. هذه الوضعية أدت إلى تذمر واستياء المرضى وعائلاتهم حيث تفتقر المنطقة لمركز الكشف عن أمراض السرطان، ومركز طبي بيداغوجي للأطفال المعوقين.
وقال أحد المتضررين من قصر تعرابت في شهادة لـ«الشعب”: “لدي أخت تسمى فاطمة الزهراء تبلغ من العمر 12 سنة مصابة بورم وعائي على مستوى الوجه، ومنذ 2007 ونحن نتنقل بها عبر المستشفيات عبر مختلف ولايات الوطن لكن بدون جدوى”.
وواصل المتحدث قائلا، أن أحد الأطباء بمستشفى مصطفى باشا بالجزائر أخبرهم أن هذه الوضعية تحتاج إلى العلاج بالخارج، حيث التهم هذا الورم عينها اليمنى ويهدد العين اليسرى، وصرخ تحت المعاناة والألم: “يا أخي نحن مللنا من الوضعية التي تذكرنا كل مرة التفجيرات النووية حيث نظهر عبر شاشات التلفاز ونظهر بأننا مرضى ولكن بدون جدوى وبدون تغيير، حيث أن العديد من المواطنين هنا في قصر تعرابت رقان يعانون في صمت، وأصبحنا مجرد ذكرى مهجورة، أين الحل، وهل من مجيب لصرخاتنا واستغاثاتنا”.
جمعية الغيث القادم وعبر مبادرات تضامنية مع الجمعيات الوطنية لمكافحة السرطان، سجلت خلال العامين الماضيين 60 حالة سرطان و10 حالات جديدة سنة 2015، بيد أن نقص الإمكانيات ثبط عمل الفاعلين.
وأوضح رئيس الجمعية محمد التوميل”الشعب”، أنه تم إحصاء 30 حالة إصابة سنة 2013، و30 حالة العام الماضي، و15 حالة مع بداية هذا العام، حيث أن بعض مرضى السرطان كانوا ينتظرون تطبيق الوعود التي تلقوها ممثلة في مركز للكشف المبكر عن أمراض السرطان، جهاز سكانير برقان...، لكن غيبهم الموت هذه السنة.
وأوضح المتحدث، أن عدم وجود أجهزة للكشف المبكر عن أمراض السرطان يجعل هذه الحالات تتفاقم، حيث إذا ما تم توفير هذه الأجهزة سوف يقلل من ظهور هذه الحالات. حيث يستحيل على المرضى هنا برقان التنقل إلى وهران والجزائر العاصمة لإجراء الفحوصات الطبية، فبعضهم في حالات اجتماعية مزرية وبعضهم الآخر في عجز شبه كلي.
دعوة لتنصيب لجنة متابعة
وطالب سكان رقان في تصريح لنا، بتنصيب لجنة متخصصة للمتابعة نتيجة ظهور سرطانات وأمراض غير معروفة، فضلا عن غياب أرقام دقيقة حول المتضررين، حسب ما أكده عبد الله باهتي مدير الصحة الجوارية لنا..
وقال باهتي: “لابد من تشكيل لجنة طبية متخصصة مؤهلة توضع لها كل الإمكانيات، تقوم بتحقيق ميداني وتبين النتائج البحثية التي قامت بها في الميدان، ومن خلال الأرقام الموجودة، هناك اكتشاف طفرات وأمراض غير معروفة وغير مألوفة وهناك تشوهات خلقية، والهاجس لدى الجميع هو ظهور هذه الأنواع المختلفة للسرطان، سرطان عنق الرحم، سرطان الثدي...، والدولة قد وضعت برنامجا وآليات لمتابعة هذه الأمراض وخاصة فيما يخص إنشاء لجنة متابعة وتوجيه مرضى السرطان، وتوجد لنا خلية على مستوى دائرة رقان وزاوية كنتة لكن في غياب وسائل الكشف المبكر، كل الحالات التي تم اكتشافها يتم اكتشافها في مرحلة متقدمة”.
وتبقى أرقام المديرية الوصية في غياب جهاز سكانير برقان، بعيدة عن الواقع، ما دام هناك حالات أخرى مخفية في غياب جهاز السكانير والسؤال المحير متى ينجز مشروع مستشفى بأدرار خصصت له اعتمادات تفوق 600 مليون دينار.
وكشفت مديرية الصحة، أن الخريطة الوبائية منذ 2010 أفرزت عن وجود معدلات خطيرة لأنواع السرطان وحالات الإجهاض المسجلة. وقال رئيس مصلحة الوقاية بمديرية الصحة عبد القادر عميري، أن الخريطة الوبائية للسرطان على مستوى الولاية أفرزت أكثر من 250 حالة سنويا على المستوى الولائي خاصة في محيط الإشعاعات النووية.
وتوجد بعض الإحصائيات القديمة على مستوى المديرية، حيث تم تسجيل أكثر 800 حالات إجهاض في خمس سنوات من سنة 1995 إلى سنة 2000.
فتح تحقيق ميداني لتقييم الخسائر وحصر انشغالات السكان
وقال رئيس جمعية 13 فبراير 1960، عمر الهامل: “طالبنا بفتح تحقيق ميداني حول تقييم الخسائر البشرية والبيئية والايكولوجية”. وأضاف المتحدث: “إننا نفتقر لدقة المعلومات والمعطيات، لأن يوجد أشخاص يتوجهون للشمال لإجراء الفحوصات ويتم تسجيلهم بالمؤسسات التي يتوجهون إليها ولا يتم تسجيلهم في المنطقة في ظل نقص الوسائل والإمكانيات، وقد يشفى أو يتوفى. أدعو الباحثين والدارسين الاعتناء بهذه التفجيرات وانعكاساتها”.
انها شهادات مثيرة تلقتها “الشعب”، وهي ترصد آثار التفجيرات النووية التي لا زالت فرنسا تتجاهل ما نفذته من جريمة شنعاء تجاوزت قنبلة هيروشيما. من خلال هذه الشهادات التفجيرات النووية لم تعد مجرد ذكرى تاريخية بل تحولت إلى هاجس مستقبلي وحاضر مخيف في إحصاء النعوش التي ترحل في صمت رهيب بفعل الأمراض السرطانية والداخلية، ورقان تفتقر إلى أجهزة كشف وسائل طبية.
وفي صمت رهيب تعود ذكرى تفجيرات رقان النووية لتذكر الجميع ما قامت به فرنسا الاستعمارية من تفجيرات حملت تسميات “اليربوع الأزرق، الأبيض، الأحمر والأخضر، تحت غطاء التجارب العلمية أحدثت الرعب وسط السكان وفزع لا زال كابوسا مخيفا. وما يزيد الجرج نزيفا والألم آهاتا أن هذه الجريمة تطبق فرنسا عليها صمتا محكما فإلى متى تعترف بها وتجيب على الطلبات الجزائرية الملحة في تسليم الأرشيف لاتخاذ تدابير احتياطية والانطلاق في تطهير المحيط من خطر الاشعاعات النووية المدمرة ؟