النيزك في صحراء تندوف ثروة ضائعة

مطالبة بقوانين مرخصة وأحكام تنظمه كنشاط حرفي

تندوف: علي عويش

ساهمت قلة مناصب الشغل بولاية تندوف وتجميد التوظيف في عديد القطاعات وما سببته جائحة كورونا من أضرار اقتصادية، أثرت على الوضع المعيشي لبعض العائلات، ساهمت في ازدهار مهن جديدة لم تكن معروفة لدى غالبية الشباب من أبناء المنطقة، على غرار ما تشهدة المنطقة اليوم من المتاجرة في النيازك. هذه الوظائف رغم خطورتها، إلا أنها ازدهرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة بسبب غياب نصوص توضح وضعها القانوني.

غياب فرص عمل بمدينة تندوف، دفعت الشباب الى المجازفة واللجوء الى الصحارى القاحلة بحثا عن النيازك التي تتساقط بالعشرات كل عام. وسيلتهم الوحيدة، مِعوَلٌ، غربالٌ وقطعة مغناطيس، وأياماً وربما أسابيع من البحث المتواصل.
النيازك بولاية تندوف أصبحت مصدر رزق للعديد من العائلات، فسعر الغرام الواحد قد يتجاوز 30 ألف دينار، بحسب نوع النيزك وتاريخ سقوطه. أما الحصول على قطعة بوزن 100 غرام فقط قد تعيل أسرة لعدة أشهر.
 المواطن مختار، أحد هؤلاء الشباب ممن أجبرتهم الظروف على المضي قُدماً في هذه المهنة التي تدر الكثير من الأموال، كما قد تؤدي بصاحبها الى الوقوع تحت طائلة المتابعة القضائية التي قد تصل به الى السجن والغرامة المالية بتهمة تهريب الآثار والممتلكات الثقافية.
يروي مختار في تصريح لـ «الشعب»، كيف أن حاجته لإعالة عائلته المكونة من سبعة أفراد، هي ما دفعه الى المكوث في حمادة تندوف لأسبوعين متواصلين، فالأمل في العثور على 100 غرام فقط من الحجر النيزكي قد تسد رمق عائلته شهراً كاملا.
يتمنى «مختار» ومجموعته أن يصبح هذا النشاط مشروعاً في الجزائر على غرار دول الجوار، وأن توضع له قوانين ترخصه وأحكام تنظمه كنشاط حرفي بدل تهريبه الى الدول المجاورة، مؤكداً بأنه لن يتوقف هو ومجموعته عن صيد النيازك وبيعها.
يقول مختار، إن إقبال الشباب على صيد النيازك وبيعها دفعه الى خوض غمار هذه التجربة، رغم إدراكه بمنع السلطات لمثل هذه الأنشطة. فنشاط صيد النيازك بولاية تندوف، محفوف بالمخاطر يضيف قائلا، «فنحن دائماً في حالة خوف واختباء من قبضة السلطات».
أوضح مختار بأن الكثير من هذه النيازك ذات القيمة العلمية الكبيرة تجد طريقها الى رفوف دور العرض ومخابر البحث العلمي، دون الإشارة الى موطنها الأصلي، وهو ما دفع ببعض شباب الولاية الى مناشدة السلطات العليا في البلاد من أجل جعل صيد النيازك نشاطاً مشروعاً بهدف الحفاظ على الكنوز الطبيعية للجزائر وحمايتها من التهريب.
أضاف مختار، بأن هذه النيازك يتم تهريبها الى المغرب بالدرجة الأولى، والقليل منها يتم تهريبه الى موريتانيا، إذ لا أحد يشتريها في الجزائر، مناشداً السلطات من أجل ترخيص مزاولة هذا النشاط، كما فعلت مع الذهب وتمكين الشباب من بيعه للدولة بدل تهريبه الى الخارج.
 ويصبح حينها بمقدور الشباب صيد النيازك دون خوف، لأن هذه الأحجار هي مصدر رزق العديد من العائلات التي تضررت بسبب التجميد الذي مس قطاع التوظيف وما سببته جائحة كورونا من تعطيل للعديد من فرص العمل.
لا تتوقف تجارة النيازك بتندوف على جمعها وتصنيفها حسب النوع والحجم فقط، بل تمتد هذه لتعبر الحدود الغربية للوطن باتجاه سماسرة التاريخ في المغرب، يشاركهم في جُرمهم سماسرة صغار من داخل الوطن بقصد أو بدون قصد، يتخذون من بيع التاريخ الثقافي للبلاد وسيلة للربح السريع.
«الشعب»، تقربت من أحد تجار النيازك الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، والذي كشف عن طبيعة هذه التجارة التي أغرقت أسواق الدول المجاورة ومخابرها العلمية وأفرغت بلادنا من أغلى وأندر النيازك في العالم.
يروي المتحدث أن ثمن الحجر النيزكي الواحد قد يصل في المغرب الى عشرة أضعاف ثمنه بولاية تندوف، وأن هذه التجارة هي حكر على أشخاص معينين لهم صلة وثيقة بمغاربة وأوربيين في المغرب، ولحساسية هذا الملف، يتم التعامل حصراً مع السماسرة الجزائريين المعروفين، وبالتالي فإن أي نيزك يدخل الى التراب المغربي قادماً من الجزائر بطرق أخرى غير الطرق المألوفة للمهربين، يتم تفاديه وتحاشي التعامل مع صاحبه.
أضاف المتحدث، أن تهريب أحجار النيزك عبر الحدود يتم عبر إرسال عينة من الصور بجودة فائقة لتسهيل فحصها والتحقق من كونها نيزكاً وليست حجراً عادياً، بعدها يتم التفاوض على السعر ومكان وتاريخ التسليم في عملية تتم عادةً داخل المغرب، كون هذا الأخير يجيز بيع وشراء أحجار النيازك.
كنوز في الهواء الطلق
ولاية تندوف بإقليمها الممتد لـ158 ألف كيلومتر، أصبحت ملاذاً لصائدي النيازك. فالنيازك تتساقط بالعشرات كل عام، بعضها ما يلبث أن يُعثر عليه، فيما يختفي البعض الآخر في الصحراء الى الأبد.
تختلف أسعار النيازك حسب نوعها وقِدمها، فالنيازك التي يكون مصدرها كوكب المريخ أو «المارسية» كما يسميها العارفون بها، قد يصل سعر الغرام الواحد منها إلى 40 ألف دينار جزائري.
 في حين يبلغ النوع الذي يطلق عليه «العادية» 50 دينارا للغرام الواحد، وبين «المارسية» و»العادية» عشرات الأنواع الأخرى التي تختلف في تكوينها الجيولوجي وسعرها، غير أن الثابت الوحيد في مجال النيازك هو أن الوجهة الأخيرة لها هو المغرب ومخابره العلمية.
لا يختلف إثنان بولاية تندوف أن صيد النيازك تجارة مربحة، وفرصة ثمينة للربح السريع في ظل غياب نصوص قانونية صريحة تُجرّمه أو تُجيزه، ما فتح الشهية أمام المهربين للمتاجرة بأحد أهم الكنوز الثقافية والطبيعية للوطن.
هدايا السماء... نِعمة
قد تتحول هدايا السماء بتندوف الى نقمة، بل الى كابوسٍ قد يُكلف صاحبه الكثير، ويضعه تحت طائلة المتابعة القضائية، وكل تأخير في ترخيص نشاط صيد النيازك بالجزائر وتقنينه كنشاط حرفي، على غرار التنقيب عن الذهب في ولايات الجنوب.
 وربما يؤثر سَلباً على إحدى أهم الكنوز الطبيعية بالوطن، ويدفع بالكثيرين الى تهريبه الى دول الجوار بحثاً عن الربح السريع، ما لم يتدخل المشرع لتقنينه وجعله نشاطاً مشروعاً قد يأتي بالنفع الكثير للمواطنين ولمخابر البحث الوطنية، ويحفظ للوطن جزءًا من تاريخه الطبيعي.
ولاية تندوف تشهد سقوط عشرات النيازك كل عام، فشهادات سكان البدو الرحل بالمنطقة، تروي العديد من القصص والروايات حول مشاهدات حقيقية لسقوط النيازك بعضها يتم في وضح النهار، تاركةً خلفها آثاراً واضحة على الأودية والتلال المحيطة بموقع السقوط ومدمرة على طعان المواشي.
فلا تزال جبال الوركزيز الى اليوم، شاهدةً على حادثة سقوط نيزك منذ ما يقارب 70 مليون سنة شمال مدينة تندوف، والذي خلّف حفرة بقطر 3,5 كلم سُميت بفوهة الوركزيز، ولا تزال جبال الوركزيز كما عرق شاش وعرق إيقيدي تخفي أسرار العديد من النيازك التي شوهدت ساعة دخولها الغلاف الجوي ولكن لم يُعثر عليها.
صيد النيازك أصبح حرفة رائجةً مؤخراً، وجدت طريقها بين الشباب كنشاط لا يكلف الكثير، ولا يحتاج الى رؤوس أموال ضخمة للاستثمار فيه في ظل ازدهار تجارته في بعض الدول.
 وزيادة الطلب حول الأحجار النيزكية في دول الجوار، أدى الى ازدهار تجارته في الجزائر، وسط الضبابية التي تكتنف هذا النشاط الجديد في المنطقة وانتشار المنصات التي تروج له في مواقع التواصل الاجتماعي. فقلة مناصب الشغل بولاية تندوف وتجميد التوظيف في العديد من القطاعات، وما سببته جائحة كورونا من أضرار اقتصادية أثرت على الوضع المعيشي لبعض العائلات، كلها عوامل ساهمت بشكل كبير في ازدهار تجارة النيازك واتساع رقعة المهتمين بها، والتي لم تكن معروفة لدى غالبية الشباب من أبناء المنطقة.
صيد النيازك رغم خطورته، إلا أنه ازدهر بشكل كبير في الآونة الأخيرة بسبب غياب نصوص توضح وضعه القانوني، والحاجة المُلحّة لأبناء المنطقة لفرص عمل تعيلهم، بالإضافة الى ازدياد الطلب عليه من بعض التجار والمهربين من داخل المغرب.
تتجه أنظار المهربين الأجانب الى الجزائر كلما انتشر خبر سقوط نيزك بالشريط الحدودي الفاصل بين البلدين أو في حمادة تندوف، فسقوط النيازك ظاهرة تتكرر عشرات المرات كل عام في المناطق الحدودية التي تضم سلسلة جبال الوركزيز وفي المناطق المعزولة من الصحراء.
طالما أسالت نيازك الجزائر لعاب سماسرة الكنوز الثقافية بالدول المجاورة، فالقيمة العلمية الكبيرة للأحجار النيزكية التي مصدرها الجزائر وانخفاض أسعارها مقارنة بنظيرتها في دول الجوار، يجعل منها مصدر ثراءٍ فاحشٍ لهم، حيث لا يتوانون عن شرائها بأسعار زهيدة من الجزائر وبيعها لمخابر البحث العالمية بأثمانٍ قد تصل الى ملايين الدولارات.
 هذه التجارة التي شرعتها بعض الدول لجلب العملة الصعبة نظمت لها أسواق موسمية تجوب المدن والقرى النائية بالتعاون مع أخصائيين من أجل فحصها وتحديد تاريخها ومكوناتها، ثم شراء النفيس منها دون البحث عن مصدرها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024