الانخراط في مساعي السلم والاستقرار في القارة السمراء
أثار باحثون صينيون ومشاركون من أربع دول إفريقية، آفاق ترقية العلاقات الأفرو- صينية وسبل تعميق الشراكة الثنائية، عقب تسجيل الصين قفزة نوعية في حجم تعاونها وتبادلها التجاري، متفوقة، بحسب ما تعكسه الإحصائيات، على الولايات المتحدة الأمريكية في القارة السمراء منذ سنة 2009.
ويراهن الطرف الصيني ويحرص كثيرا على تكريس التعاون في البداية مع منظمات المجتمع المدني على وجه الخصوص، وعدم الاكتفاء بالشراكة الاقتصادية والتبادل التجاري، من خلال إرساء علاقات أوسع وأعمق واحتكاك أكبر بين منظمات المجتمع المدني وتعزيز التبادل الثقافي، وبناء شراكة حقيقية مع وسائل الإعلام، وكذا تثمين التعاون الأكاديمي. ووصفت بكين الجزائر بأنها البلد الإفريقي الوحيد الذي لديه سياسة معقولة في استغلال الثروات الطبيعية... “الشعب” تابعت هذا النقاش في بكين وتنقل تفاصيله.
تواصلت الأيام الدراسية، التي نظمت في شكل لقاء مصغر مع فوج عمل يضم ممثلين عن الجزائر والمغرب وتونس والسينغال، بتناول محور “آفاق تطوير العلاقات الإفريقية - الصينية”، ودعوة الأفارقة لتحديد نوع التكنولوجية التي تحتاجها وما هي القطاعات التي تبدأ منها للنهل من الخبرة التكنولوجية الصينية.
استعرض “كسو ويزونغ”، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الصيني، في البداية، مراحل تطور العلاقات الإفريقية - الصينية، ولم يخف أن بداية انتعاشها بشكل محسوس منذ سنة 1978، بينما المرحلة الثانية امتدت من سنة 1978 إلى غاية سنة 2000، ثم المرحلة الثالثة من ذات السنة إلى غاية اليوم. ويرى ذات الخبير، أنه في المرحلة الأولى التركيز جاء في الشق السياسي، بينما في المرحلة الثانية بدأ التعاون الاقتصادي بجهود وإرادة الطرفين، رغم أن التبادل في البداية لم يكن كبيرا وتطور أكثر في المرحلة الثالثة، حيث منذ سنة 2000 رأى المنتدى الأفرو- صيني، النور وانفتحت الصين كثيرا على التعاون بوجه أكبر في المجالين السياسي والاقتصادي.
وعقب تطرق مدير مركز الدراسات الصيني لمسار الدبلوماسية الصينية في القارة السمراء وما تحقق على مدار عدة عقود، خلص إلى القول في هذا المقام إلى حرص العملاق النائم في جميع المراحل على ترقية حجم التبادل الدبلوماسي وجعل إفريقيا ضمن الصدارة، ووصفها بأنها مهمّة وعميقة وقاعدية في آن واحد.
الصين في حاجة للموارد الطبيعة والسوق الإفريقية
واعترف مدير مركز الدراسات الاستراتجية الصيني، بأن بلده في حاجة إلى الموارد الطبيعية والسوق الافريقية، وإلى دعم دول القارة السمراء. ويعتقد أن التعاون والتبادل مع إفريقيا، سيمنح بلده تحقيق تطور أكبر، كون الصين تتطلع لتكون بلدا قويا، خاصة على الصعيد الاقتصادي وأمام كل ذلك، تحتاج إلى الثروة والسوق الإفريقية. وقدر ذات الخبير حجم التبادل التجاري الأفرو- صيني خلال السنة الفارطة، بنحو 210.200 مليون دولار، ويعول كثيرا على المنتدى الأفرو- صيني في إعطاء دفع قوي آخر للشراكة الثنائية مع بلدان هذه القارة.
وبخصوص الدور الذي تلعبه الصين في الدبلوماسية الإفريقية، أكد الخبير كسو، أن الصين تعد من أكبر الدول الناشئة ويمكنها منح إفريقيا طرقا ووسائل لكي تصبح دولا ناشئة. وذهب ذات المتحدث إلى أبعد من ذلك، عندما تحدث عن تعويض الصين للولايات المتحدة الأمريكية، حيث صارت على ضوء الأرقام المسجلة الشريك الأول لإفريقيا. وحدد الخبير كسو، تحديات الشراكة المقبلة رغم بُعد المسافة ووجود عائق اللغة، في إيجاد طرق كفيلة بترقية العلاقات المشتركة. وألح في البداية، على توطيد الشراكة وتحقيق المزيد من الاحتكاك بين منظمات المجتمع المدني وتقوية التبادل الثقافي، وإيلاء أهمية بإشراك الإعلام الذي من شأنه أن يساهم في تفعيل التعاون، إلى جانب التعاون في المجال الأكاديمي للتكوين ونقل الخبرة والتكنولوجيا.ذكر مدير مركز الدراسات، أنه من الضروري التحادث وتوسيع النقاش مع الأفارقة للوقوف على كيفية مساعدة هذه الدول والتي، بحسب قوله، ترتكز أربعة مبادئ وستة مشاريع، وأرضية عمل واحدة. وأبدى اهتمام بلده وحرصه على الانخراط في جهود تكريس الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية، ولم يخف أن ثلث الاهتمام في مجال الشراكة، يكمن في التعاون الأمني، على اعتبار أن الصين لديها ما لايقل عن 1 مليون صيني بالقارة الإفريقية وحريصة على استقرار هذه القارة. وبذلك تتطلع الصين، بعد توسيع علاقاتها في هذه القارة، وتطمح لأن ترتقي إلى سقف عالٍ من الجودة وتتسم بالكثير من التميّز. وقال المدير “كسو”، إنهم اكتشفوا في آخر منتدى تم عقده مع هذه الدول، أن العلاقات تطورت كثيرا، ورغم أن إفريقيا تشهد تطورا محسوسا ورغبة في تحقيق المزيد من الخطوات إلى الأمام، تحتاج إلى خبرة الصين لتحقق المزيد من التطور في قدراتها الإنتاجية.
وأشار ذات المتحدث إلى الاهتمام الموجود في الشراكة على الصعيد الاجتماعي والثقافي وبين منظمات المجتمع المدني، وكذا مع الجامعات، حيث تتعاون الصين، اليوم، مع نحو 20 جامعة إفريقية. غير أنه تأسف لكون الشراكة في المجال الفلاحي ضعيفة، فبعد أن كانت الصين تسجل 16 من المائة من وارداتها الفلاحية من إفريقيا، هذا الرقم صار في الوقت الراهن لا يتعدى حدود 1 من المائة أو أقل بكثير، وأعلن بصراحة، كخبير، أن الصين في حاجة إلى المنتجات الفلاحية الإفريقية.
خبرة العملاق النائم في المتناول
وتتسم الاستثمارات الصينية، بحسب الخبير ومدير الدراسات لمركز العلاقات الأفرو- صينية، مقارنة بنظيرتها في الولايات المتحدة الأمريكية، بالتركيز كثيرا على الموارد الطبيعية التي تزخر بها إفريقيا وبلده في حاجة إليها. ويتوق الخبير في سياق متصل، أن تعرف السوق الإفريقية، مستقبلا، تطورا أكبر وأسرع في اقتصادياتها.
من جهتها “ليو هايفونغ”، تحدثت عن احتلال الصين صدارة الدول في تعاونها التجاري مع إفريقيا بنسبة 38 من المائة. وخلال تقديمها عرضا لصورة إفريقيا لدى الصين، تطرقت إلى وجود توازن في العلاقات المشتركة، ووقفت عند التعاون جنوب - جنوب، وكذا آفاق تطوير العلاقات وذكرت أنها متساوية المصالح.
وعلى ضوء الدراسة التي أجرتها لتوسيع وتعميق أرضية التعاون، أوضحت ضرورة تحويل التكنولوجيا لحاجة الدول الإفريقية لها. وقالت إن الخبراء الصينيين مستعدون تقديم خبرتهم للأفارقة، وقدرت عدد الطلبة الأفارقة بالصين بنحو 30 ألف طالب، يستفيدون من منحة صينية، بينما نسبة قليلة ممن يدرسون بالصين ويتكفلون بإمكاناتهم الخاصة بنفقات الدراسة.