المرأة الريفية... بنك التراث

أمين بلعمري
05 مارس 2017

تظل شهيدات ومجاهدات ثورة نوفمبر المجيدة رمزاً ومرجعية للمرأة الجزائرية التي تحتفل كغيرها من نساء المعمورة هذا الثامن مارس بيومها العالمي، الذي أقرته الأمم المتحدة العام 1977 كعيد عالمي للمرأة، وهي مناسبة تؤكد من خلالها المرأة الجزائرية على خصوصيتها الثقافية وتشبثها بالتقاليد والقيم بأبعادها المختلفة، لتسجل بكل اعتزاز اختلافها عن الكثيرات من نساء العالم واختلاف تقاليدها عن تلك الموجودة في مجتمعات أخرى وهي بذلك تعبّر عن رفضها اختصار ترقية المرأة في منظور أحادي، يتمثل في النموذج الغربي الذي يراد له أن يكون المعيار الوحيد لقياس مدى ترقية المرأة وتحريرها وفق منظومة تكرّس هيمنة النمطية النموذج الوحيد الذي لا يصب إلا في خدمة إلغاء التنوع والاختلاف بكل أسف.
إن المرأة الريفية تبقى هي الرهان الحقيقي للحفاظ على الخصوصية الثقافية لبلادنا، كما كانت بالأمس القريب السند الحقيقي لمسار التحرر الوطني. فتلك المرأة التي استوطنت الأرياف والجبال هي التي احتضنت الثورة التحريرية وكانت منظومة إسناد كامل لجيش التحرير الوطني، سواء تعلق الأمر بالمؤونة أو الرعاية الصحية واللباس وغيرها من الحاجات الأساسية التي يحتاج إليها أي جندي من أجل الصمود والاستمرار في أداء مهمته القتالية.
كما لعبت تلك المرأة دورا حاسما في الحرب النفسية ضد العدو وفي رفع المعنويات القتالية لدى أفراد جيش التحرير الوطني. ويكفي ما كانت تلعبه الزغاريد التي كانت تلعلع كالرصاص خلال اشتباك مجاهدي جيش التحرير مع عساكر الاستعمار الفرنسي في أحياء القصبة وفي غيرها… وما كانت تتركه من أثر إيجابي بليغ في المجاهدين، وفي الوقت نفسه كانت تبث الارتباك في صفوف جيش وشرطة الاحتلال آنذاك. وهنا لا يجب أن ننسى ما لعبته المرأة الجزائرية في استراتيجية حرب المدن التي أطلقاها جيش وجبهة التجرير من أجل نقل المعركة من الجبال والأحراش إلى داخل المدن، لبث الرعب في أوساط المعمّرين الذين كانوا قبل ذلك لا يلقون بالاً لكفاح الشعب الجزائري ولا لثورته، بما أنهم يعيشون بعيدا عن مسرح المعارك.
وكانت المرأة الجزائرية ضمن هذه الاستراتيجية رأس الحربة، حيث أوكلت لها مهمة وضع القنابل ونقل السلاح والذخيرة والقيام بعمليات الاتصال دون أن تثير شكوك جيش وشرطة الاحتلال وقامت بأداء المهمة على أكمل وجه.
إن المرأة الريفية التي كانت بالأمس مهد الثورة وسندها، تستحق أن تكون اليوم محور استراتيجية وطنية متكاملة، تكون فيها حجر الزاوية في معركة الحفاظ على تراثنا المادي واللامادي، لأن المرأة الموجودة في أرياف وقرى القبائل والمتيجة والشاوية والصحراء ومسعد وغرداية والطوارق وفي شرق البلاد وغربها وغيرها من مناطق الجزائر، التي تفوح بعبق التقاليد والتراث، لم يكن لعبقها أن يبقى ويستمر لولا المرأة التي لم تتخلّ عن منسج الزربية والبرنوس والجبة والكسكسي والشخشوخة... إلخ، وغيرها من الرموز التي يجب أن تبقى علامة مسجلة للجزائر والحفاظ عليها من عمليات السطو والاستيلاء. وأتصوّر أن البنك الأفضل والأكثر أمناً لحفظ هذه الثروة هو المرأة الريفية التي أثبتت أنها أهل للأمانة والقادرة على حملها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024