أكد أساتذة مختصون في علوم الإعلام والاتصال والصحافة، أن الإعلام الفرنسي الرسمي والخاص قد خرج خروجا تاما عن الموضوعية في تناول الأزمة بين البلدين الجزائر وفرنسا، من خلال التكالب على الجزائر بتلافي الموضوعية، وأبعد من ذلك معاقبة وطرد الصحفيين الذين يقدمون الحقيقة كما هي، مقابل تقديم مرتزقة الرأي في البرامج الحوارية إلى الواجهة.
قالت أستاذة علوم الإعلام والاتصال، بجامعة تيبازة، وعضو مركز البحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر، الدكتورة مريم ضربان، لـ «الشعب»، إن ما وصل إليه الإعلام الفرنسي من ممارسات ضد الجزائر والجزائريين، يمثل خروجا «سافرا» عن أخلاقيات المهنة الصحفية في كل الأعراف والاتفاقيات والنصوص المؤسسة للممارسة والتي نسميها بـ»الديانتولوجيا،» فالخبر مقدس والتعليق عليه ألا يكون حرا خارج الأخلاقيات التي هي حدود يتم فيها احترام الحق والواجب.
وأضافت الأستاذة ضربان، أنه من المعروف أن الآلة الإعلامية الفرنسية، بحسب كتاب باسكال بونيفاس «خبراء الكذب»، الذي اعتبر أن الإعلام الفرنسي يتعامل مع مرتزقة الرأي في البرامج الحوارية.. وهي برامج خرجت عن نسق تداولية الرأي، نحو القهر الحواري أو الاستلزام الحواري، الذي يجعل من المحاور طرفا في حرب الرأي لصالح قناته. والمعروف أن الحدثية المفرطة للتناول الإعلامي تنزلق حتما نحو الدعاية والتضليل.
في هذا الباب، تشير ضربان إلى أن المجاهد وأستاذ الصحافة زهير إحدادن، قد تناول تاريخ فرنسا الإعلامي المبني على «آلة التحريض والكذب والحرب النفسية منذ الاستعمار». وهو الفرق بين الدعاية الغربية والدعاية الوطنية في وقت الثورة التي كانت تتسم بالنضج والاتزان.
والغريب، أن المشهد الإعلامي الفرنسي، تضيف المتحدثة، يتعامل بازدواجية ملحوظة في تناول الشأن الجزائري، بشكل يؤكد أن فرنسا تتخذ من السادية الإعلامية دعامة خاصة في تعاليها. وقالت، إن «فرنسا تدخل من الباب الواسع لأسوإ ممارسة إعلامية، نسميها بإعلام ما بعد الحقيقة، وهو شكل من الإعلام قائم على عبادة الذاتية ونفي الموضوعية ودمج الصحيح بالخاطئ لإحداث حالة إرباك لدى المشاهد وبتره عن سياق الحقيقة، ويحدث هذا رغم أن النصوص الخاصة بحقوق الصحافيين ونقاباتهم عالميا ومحليا، تؤكد على ترفع الصحافي عن الابتذال ونقل الخبر كما هو حتى يتم تفادي تصحير الحقيقة».
إعلام منحاز
من جهتها قالت أستاذة علوم الإعلام والاتصال بالمدرسة الوطنية العليا للصحافة وعلوم الإعلام والاتصال، الدكتورة مليكة بوخاري، لـ «الشعب»، إن الإعلام الفرنسي مليئ برجال الإعلام وأحزاب معينة، على غرار لوفيغارو المملوكة لليمين المتطرف وقنوات أخرى تابعة لرجل الأعمال فان سان بولوري وهو أحد كبار رجال الأعمال الفرنسيين يتحكم في التوجهات وحتى في طريقة تقديم الأخبار واختيارها.
بولوري، بات صاحب إمبراطورية إعلامية يضعها في خدمة اليمين المتطرف، إذ يسيطر على عديد الجرائد والقنوات ذات التوجه المعادي للجزائر، على غرار صحيفة «لوجورنال دو ديمونش» وقناة «سي نيوز» إلى جانب امتلاكه حصصا في قناة «كنال بلاس إفريقيا».
وأثار دوره المتنامي في المشهد الإعلامي الفرنسي، سخط عديد الفرنسيين، منذ سنة 2021، الذين ارتابوا من أجندته السياسية الرامية إلى جمع مواقف اليمين واليمين المتطرف، عن طريق بث مضمون إعلامي يقوم على سردية الرأي المتطرف، والتغاضي عن الحقائق الإعلامية وقمع الآراء الأخرى.
وقالت بوخاري، إن الإعلام الفرنسي في جزئه الكبير، وإن كان يتظاهر بالتمسك بالنظم الأخلاقية والمهنية، لكن الحقيقة أن ليس هناك حرية تعبير ولا حرية الرأي والرأي الآخر، وإنما هناك توجهات عامة تخدم أيديولوجيات معينة، فما يحدث الآن مثلا في فرنسا، هو انهيار أخلاقي تام لمبادئ العمل الصحفي وأخلاقيات المهنة، ومن ذلك معاقبة الصحفي جون ميشال أباتي، قبل أيام، من قبل إذاعة «أر.تي.أل»، قبل أن يقرر قبل يومين الاستقالة النهائية منها، بسبب يقينه بأنه لم يرتكب أي خطإ حين تحدث عن الجرائم البشعة للاستعمار الفرنسي في الجزائر.
وكان أباتي قد صرح، بأن الاستعمار الفرنسي تفنّـن في قتل الجزائريين طيلة 132 سنة، وبشكل وحشي جعلته قدوة للنازية، ما عرضه لحملة تشويه حادة، تدل على أن اليمين المتطرف وأنصاره لا يريدون عرض الحقيقة كما هي وإنما يريدون حقائق تتوافق وتتوازى مع الأطروحات السياسية التي تقوم بالهجوم على الجزائر بشكل متكالب.
في السياق، تؤكد الأستاذة بوخاري، أن المنظومة الأخلاقية في وسائل الإعلام هي الركيزة الأساسية لضمان حرية التعبير، وغيابها يعني سقوط كل المنظومة الأخلاقية. وما يمارس الآن في فرنسا يصنف ضمن حلبة الملاكمة، فحتى وإن كان هناك ضيف يقدم طروحات مغايرة، فإنه يقابل بمجموعة ضيوف معارضين له، وحتى إن كان متكلما جيدا، فإنه لا يستطيع مجابهة كل تلك الأفواه.
من جهة أخرى، هناك الإعلام الفرنسي الموجه للعالم، على غرار «فرانس ميديا موند» وهي وسائل إعلام عمومية، تتولى التعبير عن السياسة الخارجية الفرنسية، وحتى القنوات المحلية لا تحيد عن الخط ليتم توزيع وتفتيت الصراع والتركيز على نقاط على حساب أخرى. وخير مثال على ذلك، السقطة الإعلامية الأخيرة لقناة «فرانس 2»، التي بثت ريبورتاجا مليئا بالتضليل ضد الجزائر.
وختمت الدكتورة بوخاري، يبقى أن نقول إن الإعلام الفرنسي يقوم بحرب ممنهجة ضد الجزائر تتطابق والسياسة الخارجية لفرنسا. كما أن طوفان الأقصى كان شاهدا آخر على أن المنظومة الأخلاقية الإعلامية الفرنسية قد تم إسقاطها.