كنّا نتصوّر أنّ منصّات التّواصل الاجتماعي تقرّب البعيد، وتيسّر الصّعب، وتسهّل حياة الناس، وافترضنا لها أنّها تجعل حياة النّاس أفضل، فالتّواصل يؤدي إلى التّعارف، والتّعارف يترتّب عنه التّناصر والتّعاطف والتّعاون وتبادل المعارف، وخيرا كثيرا تتعدّد طرقه وأشكاله، ويكفي أن الواحد من المتواصلين، يستطيع جمع خمسة آلاف صديق في صفحة تواصليّة واحدة، لا يمكن أن يحلم بها في الواقع، فهذا لا يتيح للإنسان التّعرّف على أكثر من خمسين اسما في أحسن حال، ويشترط لهذا الإنسان أن يكون من ذوي الحظ العظيم، وينال شرف التّمدرس في قسم يعاني آفة الازدحام..
الحاصل، هو أنّ افتراضنا حقّق درجة معيّنة من الصّحة، ولكنّ تقدير «الخير» تلبّسه الخطأ بشكل مرعب، فالمنصّة التّواصليّة يمكن أن تجمع مائة مليون نسمة من شعب معيّن، حتى وإن كان تعداد هذا الشّعب لا يتعدى المليون أو المليونين، وصار كل متواصل يفتح من الصّفحات ما يكلّ عنه الحساب، ويختلّ له الصواب، وإذا بـ»المتواصل» (النّية) يجد نفسه وسط حشد هائل من الأسماء الافتراضية.. من «سيف بن ذي يزن» و»هولاكو»، إلى «العقاب الأحمر» و»سوسو النّقراشة»، وغيرها من الأسماء التي ينبغي على المتواصل أمامها أن يقف مشدوها ضاحكا حزينا في وقت واحد..
أما مصيبة المصائب، فهي تتجلّى حين يقول (النّية) كلمة تنسجم مع نيّته وتوافق رؤيته، معتقدا أنّه يفتح بابا للنقاش فيفيد ويستفيد، وإذا به يجد نفسه - دون حساب سابق - في مواجهة شرسة مع «البوص» و»مول الشانطي» و»الدّاعي إلى الهدى».. ويا ويحه إن وقع بين فكّي «لولو المقلّشة» وشيء يسمى (البوستيشة)، فهذه ثالثة الأثافي ولا حول ولا قوة إلا بالله..
ولا اعتراض لنا على ما فعلت مواقع التّواصل بـ(النّوايا)، فالأصل أن الحياة تجمع الخير والشرّ معا، ولا يمكن تصوّرها خيرا كلّه ولا شرّا كله، وجهدها في غايته، لا يتجاوز تقديم صور حيّة عن المكنون بالصّدور، ومن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها..