سنّت الإدارة الاستعمارية منذ احتلالها للجزائر، قوانين جائرة في حق الجزائريين العزّل، منها قانون الأهالي الغاشم الذي اعتمد على مجموعة من النصوص تسمى «مدوّنة نظام الأهالي»، بحيث يستهدف هذا النظام المعمول به في الجهاز الإداري والقضائي، استعباد الشعب الجزائري وإهانته، كما يمارس تمييزا عنصريا.
في هذا الصدد، أوضح الدكتور بوعلام بن حمودة في كتابه عن الثورة الجزائرية أنّ صلاحيات الإدارة الفرنسية كانت مطلقة منذ بداية الاحتلال، بصدور نص تنظيمي في الفاتح سبتمبر 1834 (بمقتضى أمرية ملكية صدرت يوم 22 جويلية 1834، وأحدثت منصب الحاكم العام بالجزائر بدل القيادة العسكرية)، فسمح ذلك النص التنظيمي للحاكم العام باتخاذ الإجراءات اللازمة لطرد كل من يعرض الأمن للخطر، مشيرا إلى أن تلك الإجراءات قد تؤدي إلى السجن والنفي والى الحجز أو وضع الممتلكات تحت حراسة السلطات القضائية.
أما قرار 30 أفريل 1841 فإنه يعتبر كل من أعلن عداءه للسلطات الاستعمارية أسير حرب، فهكذا نفي إلى جزيرة سانت مارقيريت عدد كبير من «المتمردين»، حسب التعبير الاستعماري، وقد سجن الكثير منهم في معتقلات بالجزائر ممّا اضطر السلطات إلى تحديد صلاحيات الحاكم العام في هذا الشأن بمقتضى تعليمة وزارية صدرت بتاريخ 25 فبراير 1855.
من جهته، أنشأ الأمير جيروم نابليون الوزير المكلف بالجزائر لجانا انضباطية تحاكم الجزائريين الذين ارتكبوا جرائم وجنحا لم تنظر فيها المحاكم الأخرى، والجدير بالذكر أن اللجان الانضباطية كانت متألّفة من ضباط بقرار 21 سبتمبر 1858، في حين قانون 17 جويلية 1874 رسم مبدأ المسؤولية الجماعية على الجزائريين القاطنين قرب الغابات التي أصابها حريق.
وأضاف المؤرخ، أن المخالفات الخاصة بالجزائريين سنّت قرارات صادرة من الحاكم العام بمقتضى مرسوم 29 أوت 1874، بحيث ينظر في هذه المخالفات قاضي الصلح الذي له صلاحية إصدار أحكام تعاقب بالسجن أو الغرامة ولا تقبل الاستئناف، غير أن هذا النظام ألغته السلطة الاستعمارية، فأصدرت قانون 28 جوان 1881 الذي كلّف المتصرّفين الإداريين بقمع المخالفات الخاصة بالجزائريين والمرتكبة في البلديات المختلطة في الأقاليم المدنية بالشمال.
أما العقوبات فإنّها كانت مذكورة في نصوص تنظيمية، كان ذلك القانون ساري المفعول لمدة سبع سنوات إلا أنه حظي بتمديد مستمر، يقول المؤلف، موضّحا أنّ التمديد الأول بتاريخ 27 جوان 1888 ذكر قائمة من المخالفات في ملحق، ثم ألغي بمقتضى أمرية في 7 مارس 1944 بعد مطالبة ملحة قدمتها الأحزاب والجمعيات والمنتخبون الجزائريون مدة سنوات مضت.
وفي هذا السياق، أبرز الكاتب أهم المخالفات الخاصة بالجزائريين في البلديات المختلطة، وهي رفض خدمات الحراسة والدوريات المفروضة من طرف الإدارة أو التهاون عند تنفيذها، رفض تقديم المأكولات والماء والوقود للموظفين الرسميين مقابل دفع ثمنها، رفض تطبيق التعليمات الخاصة بتحديد الملكيات، عدم احترام قرارات إدارية تمنح أراضي فلاحية جماعية، المماطلة في دفع الضرائب والغرامات إذا كانت بدون عذر.
وكذا إخفاء المادة الخاضعة للضرائب، إيواء شخص غريب عن البلدية المختلطة بدون إخبار قائد الدوار، عدم تسجيل الأسلحة النارية، السكن المنعزل إذا كان موجودا بدون رخصة الإدارة، السكن في أماكن محظورة، عدم حيازة جواز سفر أو رخصة التنقل أو دفتر العامل أو بطاقة الأمن، إدارة اضطراب في الأماكن العمومية، رفض القيام بأعمال تفرضها الإدارة بعد الاضطرابات أو الانتفاضات أوالكوارث.
علاوة على الاجتماع بدون رخصة إذا كان يضم 25 شخصا، ولو كان ذلك لأسباب دينية أو احتفالية، إطلاق النار بدون رخصة عند الاحتفالات، رفض إرسال الأطفال إلى المدرسة إذا كانت قريبة، مخالفة النصوص التنظيمية للمياه، رفض إعطاء المعلومات للسلطات المختلفة أو تزييفها.
تتعرّض هذه المخالفات لعقوبتي الغرامة أو السجن، ويمكن أن تحل محلّهما أشغال ذات منفعة عامة، ويمكن استئناف الأحكام لدى المحافظ إذا كانت الدائرة في مقر المحافظة أو لدى نائب المحافظ إذا كانت الدائرة خارج مقر المحافظة، إذا أخفق المستأنف في مسعاه يتعرّض لغرامة تتراوح بين فرنك وخمسة فرنكات، فهكذا أصبح الاستئناف مغامرة، علما أن المخالفات الخاصة بالجزائريين القاطنين بالبلديات الكاملة الاختصاص تنظر فيها محاكم المخالفات البسيطة.
وبالمقابل، فقد حوّل قانون 15 جويلية 1914 صلاحية محاكمة مرتكبي المخالفات الخاصة، إلى قضاة الصلح لكن السلطة الانضباطية بقيت بين أيدي المتصرفين الإداريين حتى سنة 1928.
سلطة الحبس بين أيدي إداريين
إنّ الحاكم العام بالجزائر قادر على سجن الجزائريين لمدة غير محدّدة، وذلك عند قيام الجزائري بأعمال معادية للسيادة الفرنسية، وعندما يسرق القطعان منذ سنة 1902 وعندما يحج إلى البقاع المقدسة بدون رخصة ابتداء من سنة 1910. إنّ قرار الحبس يتم تطبيقه بالنفي إلى جزيرة كورسيكا أو الاعتقال أو بمراقبة المعني في دواره أو في قريته.
لم يغير هذا النظام إلا في سنة 1914 (قانون 15 جويلية 1914)، فالاعتقال لا يتم بمقتضى هذا القانون، إلا بوضع المعني تحت المراقبة عندما يقوم بأعمال مضادة للسيادة الفرنسية، أو عندما يلقي خطبا سياسية أودينية تمس الأمن العام أو عندما يسرق قطعانا أومحصولات زراعية.
ألغي هذا النظام بمفعول أمرية 7 مارس 1944 أي أكثر من قرن بعد الاحتلال، ولكن برز من جديد وبشكل آخر في أثناء حرب التحرير، فبمقتضى قانون 3 أفريل 1955 أصبح الحاكم العام قادرا على وضع الناس في إقامة جبرية ثم بمقتضى قانون 12 مارس 1956، أصبح كل من الحاكم والمحافظ أي الوالي ووزير الداخلية قادرين على اعتقال الجزائريين في معتقلات.
إنّ التعليمة الصّادرة يوم 2 يناير 1844 هي التي حدّدت الغرامة المالية التي تفرض على الأفراد أو على الجماعات من طرف مسؤول محلي تعينه الإدارة الاستعمارية أو من طرف المتصرف الإداري أو العسكري.
كانت الغرامة تعاقب مخالفات غير منصوص عليها في القانون الجزائي كرفض السخرة أو كإحداث فوضى أو كتصريح يمس السيادة الفرنسية أو الأمن العام، وقد طبّقت الغرامة على كل الانتفاضات، كما طبّقت على من يخالف قانون الغابات الصادر في 17 جويلية 1874 ثم في 21 فبراير 1903.
أما العقوبات الجماعية فإنّها انتهكت مبدأ شخصية العقوبة، لقد طبّقت السّلطات الاستعمارية الحجز على الممتلكات قبل أن تقنّنه في أمرية 31 أمرية 1845 فبمقتضاه تستولي الدولة على ممتلكات عقارية، أو ممتلكات منقولة سواء أكانت تلك الممتلكات فردية أو جماعية، وقد كان من الممكن استعادة الأملاك بشرائها من جديد، ولكن بسعر تفرضه الإدارة وعن طريق إجراءات تعجيزية.
والعقوبة هذه كانت تنصب على كل الأعمال العدائية تجاه الفرنسيين، وتجاه القبائل الخاضعة للعدو الفرنسي، كما كانت تنصب على كل من ترك أراضيه للالتحاق بالمنتفضين أو قدّم لهم إعانة، وعلى كل من خالف قانون الغابات المذكور في الفقرة السابقة، وذلك إذا اتفق مع آخرين.
ألغي هذا الشكل من الحجز بمقتضى أمرية 7 مارس 1944، لكنه بقي كعقوبة تكميلية لقرارات الأمن العام التي كانت موجهة ضد الأحزاب السياسية(قانون 30 أكتوبر 1940 وقانون 19 يناير 1942).
وفيما يخص شراء وحيازة الأسلحة النارية، فقد كان الجزائريون والأجانب المسلمون يخضعون لتنظيم خاص منطلق التنظيم بدأ بمرسوم 12 ديسمبر 1851، ثم صدرت نصوص أخرى فيما بعد لتوضيح المسائل المتعلقة بالمنع وبالعقوبات من غرامات أو السجن لمدة تتراوح بين شهر وسنتين أو الخضوع لمراقبة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات أو مصادرة السلاح والذخيرة.