بن يوسف بن خدة من الوجوه البارزة في التيار الوطني الاستقلالي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، في إطار الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية (MTLD) ثم في صفوف جبهة التحرير الوطني، فقد تقلد مناصب قيادية في إطار اللجنة المركزية لحركة الانتصار، ثم أمينا عاما لها، وبعد اندلاع الثورة الجزائرية انضم إلى جبهة التحرير وأصبح ضمن النواة القيادية التي أشرفت على التوجيه السياسي والتنشيط الدبلوماسي في إطار لجنة التنسيق والتنفيذ التي شغل عضويتها، وبعدها كلف بن خدة بعدة مهام ذات بعد دبلوماسي، من ضمنها المساهمة في وضع لبنات بعثات لجبهة التحرير الوطني في بلدان غرب أوروبا والمساهمة بعد إعلان إنشاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في العديد من المهام الدبلوماسية، من ضمنها الزيارات التي قادها إلى بلدان عربية وآسيوية.
قاد بن يوسف بن خدة العديد من المهام الدبلوماسية ممثلا لجبهة التحرير الوطني وللحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، فقد اشتهر بكونه ميالا للمعسكر الشيوعي؛ لأنه كان يعول على الدعم الاشتراكي في مواجهة فرنسا الرأسمالية الاستعمارية المدعومة بقوة من قبل حلف الشمال الأطلسي والدول الغربية، فلم يكن من بديل آخر في نظر بن خدة للثورة الجزائرية إلا التعويل على دعم الدول الاشتراكية، لذا فقد كلف بالقيام بالعديد من الزيارات لدول اشتراكية قوية، ففي 13 أكتوبر 1959 قاد وفدا عن الحكومة المؤقتة في زيارة إلى الإتحاد السوفياتي، حيث التقى بالأمين العام بالنيابة للحزب الشيوعي السوفياتي واتفق بعدها الطرفان على تقديم مساعدات للاجئين الجزائريين ودعم جيش التحرير الوطني، وشكلت هذه الزيارة وهذا الاتفاق بداية التحول في موقف الاتحاد السوفياتي.
زياراتــه لجمهوريـــة الصـين الشعبيـة
تعد جمهورية الصين الشعبية الاشتراكية في طليعة الدول الاشتراكية التي سارعت إلى مساندة الثورة الجزائرية والاعتراف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية سنة 1958، ثم مبادرتها بتقديم دعوة رسمية لها لزيارة بكين، وهو ما أتاح للوفد الجزائري المتشكل من بن يوسف بن خدة وزير الشؤون الاجتماعية، ومحمود شريف وزير التسليح، خلال شهري نوفمبر وديسمبر 1958، فرصة اللقاء والتحادث مع زعيم الثورة الصينية ورئيس جمهوريتها ماو تسي تونغ، لقد أعطت هذه الزيارة دفعا قويا للعلاقات الجزائرية الصينية”. وعند تقييمها لأهمية الحدث، اعتبرت جريدة “المجاهد” الزيارة بأنها تشكل “طورا جديدا في تاريخ علاقاتنا الدولية مع الخارج.
ثم جاءت زيارة البعثة العسكرية الجزائرية إلى الصين بقيادة كاتب الدولة عمر أوصديق، وهي الزيارة التي جاءت تلبية لدعوة رسمية من نائب رئيس الحكومة ووزير الدفاع، وبدأت يوم 30 مارس 1959 ودامت أسبوعين كاملين درست خلالها تجارب قادة الصين وجيشها وشعبها في الحرب الثورية التي خاضها الشعب الصيني ضد الاستعمار وإمكانية الاستفادة من خبرات القادة الصينيين وتجاربهم في تطوير الكفاح الثوري الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي”.
وفي أكتوبر 1959، قام بن يوسف بن خدة بزيارته الثانية إلى بكين من أجل ضبط حاجيات جيش التحرير الوطني وطرق التموين والإمداد، هذا التطور في العلاقات ستجسده زيارة رئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس، فكان ذلك مؤشرا على بلوغ هذه العلاقات الذروة وكذلك بلوغ الدعم المادي الصيني ذروته، فتضاعف الدعم الصيني بعد ذلك في شكل أسلحة ومساعدات للاجئين بما قيمته 25 مليار فرنك، وساهمت جمهورية الصين في تكوين إطارات عسكرية جزائرية بالكليات العسكرية الصينية.
يندرج تركيز الدبلوماسية على كسب الدعم الصيني ضمن السعي للحصول على أصدقاء أقوياء يقفون إلى جانب الثورة الجزائرية، فالصين الشعبية قوة بشرية هائلة، وهي إضافة إلى ذلك قوة نووية، وتحقيقا لنوع من التوازن بين القوتين المتصارعتين في حرب الجزائر على صعيد الدعم الدولي. ففرنسا تتلقى دعما لا مشروطا من قبل دول حلف الشمال الأطلسي، لذلك فقد اعتبرت الحكومة المؤقتة مسألة المراهنة على قوة الصين بمثابة الحل الذي سيجعل الغرب يعيد كل حساباته، ويلجأ إلى التسوية السلمية خوفا مما هو أسوأ، وهو الذي عبر عنه محمد لمين دباغين بالحرب العالمية”، على أنه ينبغي التأكيد على أهمية الدعم الصيني الكبير جدا ومبدئية مواقفها من القضية الجزائرية، وقد لعب بن خدة دورا في التوجه نحو الخيار الصيني.
موقـف بن خدة من مبـادرة ديغـول
وإذا كان هناك اختلاف في تحليلات أعضاء الحكومة المؤقتة حول دوافع ونوايا الجنرال من خلال هذه المبادرة، فإن هذا التناقض ظاهري فقط، ذلك أن ديغول يريد أن يحقق النصر بالسلاح، وهو ما ذهب إليه كريم بلقاسم، لخضر بن طوبال عبد الحفيظ بوصوف، وبن يوسف بن خدة..ويريد أن تسهم مثل هذه المبادرة في إضعاف خصمه جيش وجبهة التحرير الوطني، ومما سيسهل من مأمورية جيوشه في إطفاء جذوة الثورة الجزائرية، كما أن سوء تعاطي الحكومة المؤقتة مع مبادرته سيظهرها بمظهر المحجم عن مبادرات الحل السلمي للمشكل الجزائري”. وبالتالي سيمكن ذلك ديغول من تسجيل نصر دبلوماسي كاسح. ويتمكن بعدها من تحسين صورة فرنسا التي شوهتها أخطاء وحماقات سابقيه من رؤساء حكومات الجمهورية الرابعة.
علق بن يوسف بن خدة على بيان الحكومة المؤقتة ردا على مبادرة ديغول قائلا: “لقد واجهت الحكومة المؤقتة الجزائرية مبادرة ديغول التجزيئية بمفهوم الأمة الجزائرية المكونة من شعب واحد انصهر في بوتقة واحدة عبر عصور عديدة. وإلى جانبه الأغلبية الأوروبية المسيطرة، مؤكدة على أن الحل يكمن في إعادة بعث دولة جزائرية موحدة”.
مؤلفاتـــه ووفاتـه
انسحب بن يوسف بن خدة بعد الاستقلال من الواجهة السياسية وعاد إلى تخصصه ميدان الصيدلة، وبعد معاناة من مرض عضال ألم به، توفي بن يوسف بن خدة في بيته بحيدرة بالجزائر العاصمة، يوم 05 ذو الحجة 1424 هـ الموافق 04 فيفري 2003، ودفن بمقبرة سيدي يحيي بجوار صديقه ورفيق عمره المرحوم سعد دحلب، رحمهما الله وأسكنهما فسيح الجنان.
ترك بن خدة كتابات هامة حول الحركة الوطنية والثورة الجزائرية تجمع بين كونها شهادات لأحد صانعي الأحداث وبين التناول الأكاديمي، وهو ما يضفي على كتاباته قيمة كبيرة، وتتمثل هذه المؤلفات في:
- اتفاقيات إيفيان (1962).
- جذور أول نوفمبر 1954م.
- أزمة الجزائر 1962
- عبان رمضان وبن مهيدي وإسهامهما في الثورة.
- الجزائر عاصمة المقاومة
- ختامـــا..
من خلال ما سبق تناوله، يتضح لنا الحضور المتميز للمناضل بن يوسف بن خدة في مرحلة أزمة الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية، كونه كان طرفا فيها، كما أنه سجل حضوره الفعال في الثورة الجزائرية، حيث كان له السبق في الالتحاق بها مباشرة بعد إطلاق سراحه من السجن، والحضور ضمن قيادة الجبهة بمدينة الجزائر إلى جانب رفيقه عبان رمضان، حيث لعب دورا مهما في تفعيل فئات الطلبة والعمال وتأطيرهم ضمن الجهد الثوري للجبهة.
وعلى إثر اعتقال القيادي محمد العربي بن مهيدي واستشهاده تحت التعذيب، واكتشاف أمر لجنة التنسيق والتنفيذ، اضطر بن خدة للخروج من الجزائر رفقة أعضاء اللجنة، وهو ما دفعه للتكيف مع الموقع الجديد فمارس مهام ثورية بالخارج في إطار التعريف بالقضية الجزائرية وتمثيل الجبهة في مهام دبلوماسية في غاية الأهمية، أسهمت في عملية التدويل وجلب الدعم المادي اللوجيستي والإنساني للثورة الجزائرية.
الحلقة الثانية