57 سنة على استشهاد العربي بن مهيدي

قائد محنّك..مثال للتّضحية والنضال

سهام بوعموشة

يعدّ الشهيد البطل العربي بن مهيدي من بين الشخصيات التاريخية والوطنية التي قدمت الكثير للجزائر، حيث أطلق اسمه على عدد من الشوارع والمدن الكبرى، وكذا المؤسسات التربوية بشرق الجزائر، غربها شمالها وجنوبها، لأن كل جهات الوطن عرفت نضاله وجهاده ضد العدو، والحمد لله أنّ شباب اليوم يتذكّره.

كان الشهيد يناضل في الشرق الجزائري، ثم انتقل إلى الغرب قبيل اندلاع الثورة، واستمر يناضل هناك حتى انعقاد مؤتمر الصومام وبعده انتقل إلى العاصمة.
وأشرف على قيادة معركة الجزائر العاصمة خلال سنتي 1956 و1957، اللتين شهدتا إضراب الثمانية أيام.
ولد محمد العربي بن مهيدي عام 1923 بدوار الكواهي بضواحي عين مليلة، مارس أبوه النشاط الحرفي والتجاري بنفس المدينة التي ولد فيها، وحين تعرّض إلى ضائقة مالية رحل مع عائلته إلى بسكرة. تعلّم الشهيد القرآن بمسقط رأسه، ولما بلغ السادسة من عمره ألحقه والده بمدرسة ابتدائية فرنسية بباتنة وذلك عام 1931، حيث كان يقيم خاله الذي آواه في بيته.
وحين تحصّل محمد العربي على الشهادة الابتدائية رجع إلى مسقط رأسه، وبما أنّه كان بعيدا عن المؤسسات التعليمية فقد رحلت عائلته إلى مدينة بسكرة ليتمكّن الشهيد من الالتحاق بالقسم المتوسط عام 1936 بمؤسسة لافيجري (العمودي حاليا).
وفي نفس الوقت كان يتابع الدروس بالعربية مساءً في جمعية العلماء، وبعد انقطاعه عن الدراسة بسبب الضائقة المالية التي بقيت ملازمة لأسرته وعراقيل الإدارة الفرنسية، كلّف أبوه معلّما خاصا يدعى الشيخ علي مرحوم ليتولى تعليمه في البيت، اللغة العربية والدين الإسلامي والتربية الوطنية والسياسية. ومع مرور الوقت توطّدت الصلة بين المدرس، ومحمد العربي إلى أن وصلت إلى المصاهرة.
كان الشهيد مولعا بالنشاط الكشفي، الذي ساهم في صقل مواهبه فلم يمر وقتا طويلا حتى عيّن قائدا لوحدة الأشبال التابعة لفوج الرجاء بمدينة بسكرة، كما مارس هواية التمثيل مع عناصر الفوج التي أبدع فيها. ولم تقتصر مواهب العربي بن مهيدي على التمثيل المسرحي، فقد مارس النشاط الرياضي ضمن عناصر الاتحاد الرياضي البسكري، وكان ميّالا لمشاهدة الأفلام التاريخية، ومطالعة الكتب التي تصور بشاعة الظلم والاستبداد.
وحين بلغ مرحلة الشباب بحث الشهيد عن العمل، فحصل على وظيفة محاسب في ثكنة عسكرية للعدو، وبالتحاقه بصفوف حزب الشعب عام 1943 تخلّى عن هذه الوظيفة، ولجأ إلى النشاط الحر (التجارة الهامشية) التي سمحت له بحرية الحركة، والتنقل للاتصال بمناضلي حزب الشعب الذين كانوا يناضلون سرا، لأنّ فرنسا قد حظرت النشاط السياسي على جميع الأحزاب بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية.
لم يمض وقت طويل على انضمامه إلى الحزب حتى أصبح من المناضلين النشطاء فيه، ولمّا ظهرت حركة أحباب البيان والحرية في مارس 1944، انضم إليها عدد من الكشفيين ومن بينهم محمد العربي بدعوة من الطيب سعدان الذي أسّس الاتحاد الرياضي البسكري، ولما دعا مناضلو حركة أحباب البيان إلى تنظيم مظاهرات في الثامن ماي 1945.
 خرج العربي بن المهيدي مع المتظاهرين الذين حملوا العلم الوطني، وهتفوا بحياة الجزائر فاعتقلته السلطات الفرنسية وعذّبته ثم زجّت به في السجن، فنمت هذه الوقائع في نفسه الكراهية للمستعمر واقتنع بفكرة الكفاح المسلّح، لاسيما بعد خوض حركة الانتصار للحريات الديمقراطية تجربة الانتخابات التشريعية وحصولها على نتائج مخيبة للآمال.  
ولما ظهر التنظيم السري في فيفري 1947، انضم إليه وتولّى عملية الإعداد البشري لمرحلة الكفاح المسلح باختيار المناضلين وتجنيدهم في صفوف التنظيم وتدريبهم على السلاح، وفي عام 1949 أسندت إليه مهمة الإشراف على التنظيم السري بناحية سطيف مساعدا للمناضل محمد بوضياف، هذا الأخير انتقل إلى العاصمة أين توسّعت مسؤولياته وأشرف على التنظيم في الشرق الجزائري كله.
اكتشفت السلطات الاستعمارية التنظيم في مارس 1950، فشرعت في اعتقال مناضليه، ما عدا محمد العربي الذي استطاع الافلات من قبضتها وانتقل إلى العاصمة، غير أنّ عائلته ببسكرة لم تنج من حملات التفتيش والمداهمات أثناء البحث عنه، كما لم ينج من ذلك معلّمه، وظل متخفيّا عن العدو وأثناء تنقلاته كان ينتحل شخصيات مختلفة ببطاقات هوية مزورة، ثم انتقل إلى البليدة والمدية ليشرف على الدائرة الحزبية لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية، وبعدها إلى وهران ليتولى نفس المهمة.
فلما اشتدت الأزمة في صفوف الحركة مطلع 1953، حاول الشهيد الحفاظ على القاعدة النضالية بتوعية المناضلين ودعوتهم إلى نبذ الخلافات. ومن أجل الخروج من الأزمة سعى مع مجموعة من المناضلين إلى عقد اجتماع الـ 22 في صيف 1954، بمنزل المناضل الياس دريش بالمدنية، أفضى إلى تحديد تاريخ اندلاع الثورة المسلحة.
 وبعد الاجتماع عاد إلى منطقة الغرب ليتولى بها تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وفي الـ 31 أكتوبر أشرف على آخر اجتماع قبل اندلاع الثورة، قسّم فيه المناضلين إلى عدة أفواج تولّى كل فوج الهجوم على هدف محدّد شملت الثكنات ومراكز الشرطة وحراس الغابات وأعمدة الهاتف والكهرباء، فجنّ جنون العدو وشرع في ملاحقة المجاهدين.
ترأّس جلسات مؤتمر الصومام وانتخب عضو للجنة التنسيق والتنفيذ، ثم عاد إلى العاصمة مع أعضائها ليفتحوا جبهة مع العدو تمثّلت في معركة الجزائر، وبعد حملات التفتيش الواسعة ألقت القبض على العربي بن مهيدي. انتقل الشهيد بعد الإضراب من إقامته بالقصبة إلى منزل يقع في الحي الأوروبي ليطلع على نتائج الاضراب عن كثب، إلاّ أنّ العدو استطاع إلقاء القبض عليه أثناء تردّده على الإقامة الجديدة في الـ 23 فيفري 1957. وقد تضاربت الروايات حول ظروف اعتقاله، فبعضها تقول نتيجة وشاية به غير أنّ زميله بن يوسف بن خدة رجّح أنّ اعتقاله كان مصادفة، وقد ادّعى العدو أنّه انتحر داخل زنزانته، لكن العارفين بشخصيته المتّزنة المؤمنة، ردّوا على هذا الادعاء لأنّهم متأكّدون أنّه مات تحت التعذيب الوحشي لجلاّديه لاقتلاع المعلومات منه، فكان استشهاده في الـ 03 مارس1957.


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024