كلما اقتربت نسائم شهر رمضان المبارك تحرك المسلمون للاستقبال وتكلم الخطباء بالنصح والتذكير بفضيلة الشهر العظيم، وهذا لعمري اقتفاء لسنة السلف الصالح، وعلى رأسهم قرة أعيننا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان يقول فى مطلع شهر رجب: ( اللهم بارك لنا فى رجب وشعبان وبلغنا رمضان)، وكان الصحابة رضوان عليهم أجمعين، يدعون الله ستة أشهر قبل رمضان أن يبلغهم الله هذا الشهر الكريم.
وليس المسلمون فقط هم الذين يهتمون ويحتفون باستقبال هذا الشهر الكريم، بل إن الكون كله يستعد بأرضه وسمائه، لذلك الحدث العظيم. فأول ذلك أن الجنة تتزين من السنة إلى السنة، وأن أبواب الجنة تفتح، وأبواب النار تغلق، وتغل الشياطين فلا تخلص إلى ما كانت تخلص إليه في غير رمضان، وأنه شهر الركن العظيم الذي تولى الله عز وجل بذاته العلية إعطاء الأجر عنه، كما ورد فى الحديث القدسي: ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) .
إن الكثيرين من الخطباء والكتاب والمحدثين عندما يتكلمون عن شهر رمضان إنما يتحدثون بالترهيب وإظهار العيوب وأنواع التفريط الواقعة من كثير من المسلمين، ويريد الجميع الأخذ بعزائم وفضائل الأمور.. وإن كانت هذه الأمور طيبة ومطلوبة - أعني السمو إلى معالي الأمور والاستزادة من الخير في رمضان - إلا أننا يجب ألا ننسى واقعنا الإيجابي، حيث نتميز بمزايا متعددة وإيجابيات تحتاج إلى الاهتمام والتطوير، ولا نحتاج إلى التثبيط وإعلان السلبيات في كل وقت وحين، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التفاؤل، ورفع المعنويات كما حصل في غزوة الأحزاب، عندما كان المسلمون في أشد حالات الخوف، وإذا به عندما اعترضتهم صخرة عظيمة في الخندق يبشرهم بفتح فارس والروم واليمن.
وحتى أوضح جلياً بعض الإيجابيات الموجودة التي لايجادل فيها أحد إليكم مايلي:
1- التزام الغالبية العظمى من المسلمين - وغير المسلمين المقيمين بين أظهرنا - باحترام الشهر والمشاعر والمظاهر الرمضانية والمحافظة على جلال الشهر وقدسيته.
2- عودة الكثيرين إلى صلوات الجماعة في المسجد من جمع وتراويح، واجتماع الناس على مجالس الخير والإكثار من النوافل، كالعمرة، وزيارة مكة المكرمة، والمدينة المنورة، للصلاة، والاعتكاف.
3- اجتماع معظم الأسر أو كلها على الإفطار سوياً، وهذا فيه ما فيه من تقوية الروابط وتعطير الأجواء الرمضانية بمزيد من الأنس والتقارب وصلة الأرحام.
4- إقبال المسلمين على فعل الخيرات، من صدقة، وقراءة قرآن، واستماع للمواعظ وغيرها من أعمال البر.
5- تعويد الكثير من الأسر أبناءها الصغار على الصيام وكذلك الصلوات في المساجد وتأديبهم بآداب الصيام، وهذه الأمور فيها ما فيها من توريث الخير وتعليم العادات الإسلامية، وتثبيت أركان الإسلام في قلوب وعقول الناشئة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إنما بعثت ميسراً ولم أُبعث معسراً ) وقال: ( إن المنبتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى ) وكان من دأبه صلى الله عليه وسلم الرحمة والتغاضي، وكان يقول: ( ما بال أقوام فعلوا كذا وكذا؟ ) ولم يخصص ولم يكن دائم التشهير بالأخطاء والهفوات، بل كان كما وصفه ربه { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } [ التوبة : 182].