ما نراه عبر شاشات التليفزيون، وما تنشره الوكالات الإخبارية، عن الجرائم المروّعة التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني بحقّ المدنيين في قطاع غزّة، يُرتكب أفظع منه خلف أسوار سجون الاحتلال بحقّ الأسرى الفلسطينيين.
لا يفرّق الاحتلال البغيض بين الأسرى الرجال والسيدات، فهناك 95 أسيرة فلسطينية يواجهن أبشع أنواع التعذيب والقمع، في مشاهد انتقامية، تعكس وحشية جيش الاحتلال، الذي يضرب بكلّ المعاهدات والمواثيق الدولية عرض الحائط، دون حساب ولا عقاب.
وبالنظر إلى البيانات الصادرة عن هيئة شؤون الأسرى، سنجد أنّ حصيلة حالات الاعتقال بين صفوف النساء بعد السابع من أكتوبر، أكثر من 430، وتشمل هذه الإحصائية النساء اللواتي اعتقلن من الأراضي المحتلة عام 1948، وحالات الاعتقال بين صفوف النساء اللواتي من غزّة وجرى اعتقالهم من الضفة، ولا يشمل هذا الرقم المخيف أعداد النساء اللواتي اعتقلن من غزّة، ويقدّر عددهنّ بالعشرات.
وبلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال في الضّفة، ما لا يقلّ عن 760 طفلًا، وعدد حالات الاعتقال والاحتجاز بين صفوف الصحفيين منذ بدء حرب الإبادة 132 صحفيًا، تبقى منهم رهن الاعتقال 58 من بينهم 6 صحفيات، وبلغت عدد أوامر الاعتقال الإداري منذ بدء حرب الإبادة، نحو عشرة آلاف أمر ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد، منها أوامر بحقّ العشرات من النساء والأطفال.
لم يكتف الاحتلال الصهيوني بحملات الاعتقالات المستمرّة، بل يرتكب جرائم وانتهاكاتها متصاعدة، منها عمليات تنكيل واعتداءات بالضرب المبرح، وتهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم، إلى جانب عمليات التخريب والتدمير الواسعة في منازل المواطنين، ومصادرة المركبات، والأموال، إلى جانب عمليات التدمير الواسعة التي طالت البنية التحتية تحديدًا في مخيّمات طولكرم، وجنين ومخيّمها، وهدم منازل تعود لعائلات أسرى، واستخدام أفراد من عائلاتهم كرهائن، إضافة إلى استخدام معتقلين دروعًا بشرية.
ودفع العشرات حياتهم ثمنًا لجرائم الاحتلال داخل السجون، واُستشهد بعد السابع من أكتوبر، ما لا يقلّ عن 41 أسيرًا ممّن تمّ الكشف عن هوياتهم وأعلن عنهم، من بينهم 24 شهيدًا من معتقلي غزّة، بالإضافة إلى العشرات من معتقلي غزّة الذين استشهدوا في السجون والمعسكرات ولم يفصح الاحتلال عن هوياتهم وظروف استشهادهم، إلى جانب العشرات الذين تعرّضوا لعمليات إعدام ميداني.
وهنالك قرابة 17 ألف فلسطينية أُعتقلت في سجون الإحتلال الصهيوني على مدار السنوات بينهنّ أمهات وطاعنات في السنّ، وزوجات وحوامل ومن ذوي الإحتياجات الخاصّة وقاصرات، ونواب منتخبات في المجلس التشريعي.
ويحفظ التاريخ أنّ الأسيرة الأولى في الثورة الفلسطينية هي فاطمة برناوي من مدينة القدس والتي اعتُقلت في 14 أكتوبر 1967 وأمضت عشرة أعوام قبل أن تتحرّر في سنة 1977.
فكانت سجون الإحتلال إحدى ساحات الصراع بين المرأة الفلسطينية والسجاّن المحتلّ، الذي حاول بكلّ السبل كسر إرادتها إلا أنّها صمدت ولعبت دورًا طليعيًا في التصدّي للمحتلّ الصهيوني فحملت السلاح وشاركت في الثورات، ونظّمت المظاهرات والاحتجاجات وسجّلت علامة فارقة في تاريخ الشعب والثورة الفلسطينية.
وتتعرّض المعتقلات الفلسطينيات كغيرهنّ من أبناء الشعب الفلسطيني، للتعذيب وسوء المعاملة أثناء فترة التحقيق، ويقوم محقّقو الاحتلال بالتنكيل بهنّ، ويتعرّضن للتفتيش العاري بهدف إذلالهنّ وحرمانهنّ من الاحتياجات الصحّية والشخصية.
ما يحدث للأسيرات الفلسطينيات داخل سجون الاحتلال، أمر بالغ الخطورة، ويجب على المنظمات الحقوقية الدولية، التدخل بشكل فوري لإنقاذهنّ، والتخلّي عن حالة التقاعس غير المبرّرة، ومن المفترض أن تقوم تلك المنظّمات بدورها في متابعة أحوال الأسرى طبقًا للقوانين الدولية، ولكن «بلطجة الاحتلال»، وعجز المجتمع الدولي، تدفع ثمنه الأسيرات داخل المعتقلات الصهيونية.
^ والسؤال: لماذا يقوم الاحتلال الصهيوني باعتقال النساء؟..الإجابة الوحيدة هي الرغبة في الانتقام، وتدمير النسيج الوطني للفلسطينيين، وخلق حالة من الاضطراب النفسي، تجعل من يغادر المعتقل، لا يستطيع ممارسة الحياة بشكل طبيعي، بل يعيش وكأنّه «ميّت»، ليس بمقدوره فعل شيئ.