“قتلنا هنية والضيف، وسنرسلك إليهم وقل لهم أن يؤمنوا لك مستقبلك وعملاً فوق”.. بهذه العبارة خاطب ضباط جهاز “الشاباص” الصهيوني الأسير إسلام حماد عبد ربه عبيد (39 عاماً)، خلال الإفراج عنه من سجن “جلبوع “، يوم الخميس، بعد قضاء محكوميّته البالغة “20 عاماً”..
وبحسب الأسير، فإنّ الإدارة تعمّدت تأخير الإفراج عنه، ثم وجّهت له التهديدات خلال تنسمه الحرية التي لم يشعر بطعمها ومعاناتها كما أوضح في حديثه لمراسل “القدس”، لشعوره بالقلق والخوف على مصير الأسرى، قائلًا: “لم أشعر حتى بمعنى وطعم وفرحة الحرية، وإذا لم يتحرك الجميع سنودع المزيد من الضحايا بسبب غطرسة وقمع وتنكيل السجّانين وإصرارهم على عقاب الأسرى والانتقام منهم”، واصفاً الأوضاع في السجون بأنّها خطيرة وتشكّل تهديداً على حياة كلّ أسير، خاصة وأنّ إدارة السجون تفرض إجراءات وعقوبات أشدّ وأصعب عليهم، فلم يبقَ من حقوقهم البسيطة شيء، على حدّ تعبيره.
وذكر المحرّر إسلام أنّ الأسرى يعيشون بعزلة كاملة ومقطوعين عن العالم الخارجي، بعدما سحبت إدارة السجون كافة أجهزة التلفاز والمذياع، وقال: “لا يوجد لدينا وسيلة لمعرفة الأخبار والتطورات، نعيش عزلة كبيرة وحصارا لم أرى له مثيلا خلال سنوات اعتقالي الطويلة”، مضيفاً “حتى لحظة الإفراج عني، لم نكن نعلم باغتيال القائد إسماعيل هنية، وسمعت الخبر لأول مرة لحظة احتجازي وعقابي رغم خروجي للحرية، عندما أبلغني السجّانون بجريمة الاغتيال”.
بعد الإفراج عنه من سجن “جلبوع”، أوضح إسلام لمراسل “القدس”، أنّ تجربته الاعتقالية وما واكبها من ظروف ومآس تختلف كثيراً عن ما يمارسه الاحتلال من قمع وتنكيل غير مسبوق منذ عملية “طوفان الأقصى”، وقال: “تعرّضت للمطاردة والاستهداف منذ بداية انتفاضة الأقصى، وواصل الاحتلال ملاحقتي ونصب الكمائن ونجوت من عدّة محاولات اغتيال، حتى حوصرت بمنزل أحد الأصدقاء في مخيم طولكرم”.
ورغم مرور السنوات الطويلة خلف القضبان، تنقل خلالها بين عدّة سجون، ما زال يتذكر لحظة اعتقاله في 2-8-2004، ويقول “ما كدت أدخل إلى منزل صديقي، حتى حاصرته وحدات المستعربين الخاصة، وبعد فشلها في محاولة اغتيالي، تمكّنت من اعتقالي ونقلي فوراً لزنازين التحقيق”، ويضيف “تعرّضت للقمع والتعذيب خلال أشهر عزلي في مرحلة الاعتقال الأولى، ومنعت من الزيارة لفترات طويلة، كما عانيت من الإهمال الطبي بشكل متعمّد، حيث كنت أعاني من إصابة سابقة، ممّا فاقم سوء وضعي الصحي”، ويكمل “بعد فترة تحقيق طويلة، وتمديد توقيف مرات عديدة، حوكمت بالسجن الفعلي 20 عاماً، بتهمة الانتماء لحركة حماس، والمشاركة في عمليات إطلاق نار ضدّ أهداف تابعة للاحتلال”.
يؤكّد المحرّر إسلام أنّ الوضع العام في كافة الأقسام في السجن سيئة جداً، وقد تدهورت الأوضاع بشكل كبير بعد العقوبات التي فرضها الاحتلال بتعليمات من وزير الأمن القومي المتطرف بن غفير بعد الـ7 من أكتوبر الماضي، وقال: “لا يمر يوم دون قمع وتنكيل واقتحام الأقسام والغرف، وأحوال الأسرى مأساوية ويعيشون واقعا مريرا، بعدما أقدمت الإدارة على مصادرة وسحب الحرامات والفرشات وملابسنا الخاصة التي لا يوجد لها بديل، وقد حرمتنا من التدفئة شتاءاً، وتبقي النوافذ مفتوحة في الغرف حتى ينهش البرد أجسادنا وتنال منا الأمراض، بينما لا يتوفر العلاج حتى الأكمول ممنوع”، وأضاف: “لا يوجد أدنى حقوق للأسرى، وأقلّ المتطلبات ممنوعة بما فيها الدواء والماء، إضافة لحرماننا من الكانتين والبلاطات وحتى الأحذية ممنوعة، إضافة لقطع المياه الساخنة عن الأسرى”، موضحاً أنّ الإدارة ما زالت تحرم الأسرى من إقامة صلاة الجمعة والخطب، إضافة لفرضها قرارا بمنع الصلاة الجماعية في أيّ وقت.
وذكر المحرّر إسلام أنّ الإدارة تمارس ضغوطا يومية على الأسرى وتفرض عليهم حياة العزلة والاكتظاظ، فالغرفة التي تتسع لـ8 أسرى يحتجز فيها 16 أسيراً، كجزء من الضغط والمضايقات، بينما هناك معاناة بسبب التجويع المستمر، فوجبات الطعام سيئة كماً ونوعاً، والوجبة التي تقدّم لـ20 أسيراً لا تكفي لثلاثة منهم، وما زالت ترفض السماح لهم بالشراء من الكانتين، وأضاف: “المرضى المصابون بأمراض مزمنة، محرومون من الرعاية الصحية، وبالنسبة لمرضى السكري، تتلاعب إدارة السجون بأدويتهم دون مراعاة ظروفهم الصحية والخطر الناجم عن ذلك، والكارثة الكبرى أنّ الإدارة تفرض - بشكل مستمر - عقوبات جديدة، ولا يوجد أيّ تحسينات في الأوضاع والحقوق والمطالب”، ويكمل: “تمارس الإدارة أساليب قهرية بحقّ الأسرى بهدف الإذلال والانتقام خاصة في الفورة التي قلّصت بشكل كبير كما تحول العدد لمعاناة رهيبة، فالإدارة ترغم الأسير على الجلوس أرضاً ووضع يديه على رأسه طوال العدد”.
واتهم المحرّر إسلام الاحتلال بإعدام الأسرى بشكل متعمّد من خلال الضرب والقمع والتنكيل والعزل في وقت ترفض فيه تزويد الأسرى بوسائل التنظيف الشحيحة جداً، ممّا أدّى لانتشار الأمراض الجلدية خاصة “اسكابيوس” دون توفير العلاج للمصابين رغم العدوى المنتشرة، موضحاً أن الموت يهدد حياة المرضى بشكل خاص، فالإدارة ترفض علاجهم وعرضهم على الأطباء، وتمنع خروجهم للعيادات، والعلاج الوحيد اذا تم توزيعه هو “الاكمول” لجميع الحالات المرضية، مضيفًا “طبيب السجن ومساعديه من ممرضين، يتعمّدون التنكيل بالمرضى وضربهم وتهديدهم بالقتل والإعدام”.
كما ذكر إسلام أنّ الصلاة ممنوعة في السجن، ويعاقب كلّ أسير بالضرب والعقاب والعزل في حال تأديته الصلاة، كما يعمل الاحتلال على منع توفير أدوات وشفرات الحلاقة وقصاصة الأظافر، ورغم ذلك فإنّ معنويات الأسرى عالية، وما زالوا صامدين ويدافعون عن حياتهم بكرامة.
وأكّد إسلام على أهمية وضرورة الحراك الدائم لدعم الأسرى وإنقاذ حياتهم، مطالباً مؤسّسات الأسرى وحقوق الإنسان بمتابعة أوضاعهم والضغط لإعادة حقوقهم وتحسين الظروف المعيشية لهم على كافة الأصعدة، وقال: “الأمل الوحيد للأسرى إنجاز صفقة جديدة وعاجلة، والثقة موجودة لديهم ومعنوياتهم عالية، لذلك يعيشون على أعصابهم بانتظار ما تبقى لهم من أمل”، وأضاف: “رغم حريتي ما زال في القلب غصّة، ولم نشعر وعائلتي بالفرحة لعودتي إليهم، فقلوبنا تبكي وتتألّم بما يتعرّض له شعبنا في غزّة من مجازر وظلم، وفرحتنا الحقيقية بانتهاء الحرب والانتصار وتبييض السجون”.