تصفيـق أمريكـي لدراكـولا

بقلم: عيسى قراقع

رائحة تفوح بالعنصرية والفاشية والوساخة، يحظى بتصفيق على مدار أكثر من ساعة في يوم الاحتفال الأمريكي بالجحيم الصهيوني. هل رأيتموه كيف يحرك يديه ووجهه وجسمه كأنه في دبابة تقتحم رفح أو خانيونس أو مخيم نور شمس، يضرب في كل الاتجاهات، منفلتا من غابته الدينية والأيديولوجية الموحشة، يقطر كلامه بالدم واللحم والجثث الممضوغة والمدعوسة، يوجه قنابله الفتاكة التي وصلته من أمريكا إلى قطاع غزة، يهدّد العالم بأسره، يتحدى المحاكم الدولية ومؤسسات حقوق الانسان والرأي العام، يقصف البشرية بكل مبادئها وقيمها، يأكل ويهضم ويسلب ويذبح ويدمر ويحوس في المدينة خرابا وقتلا ولا يشبع، لا زال التصفيق حادا في قاعة الكونجرس الأمريكي، دعم وإسناد وضحكات وتهليل، مزيدا من أطنان القنابل، مزيدا من الخنق والشنق، مزيدا من الماحقات الساحقات الكاسحات، لا تبقي شيئا على وجه الأرض في غزة يا نبي الظلام.تصفيق أمريكي لدراكولا، مصاص الدماء، الخفاش الذي يشرب من دماء الضحايا، دراكولا الصهيوني منبع الفكر الأمريكي والأوروبي، ثقافة الافتراس والسادية الجنسية، تصفيق لبطل العالم السفلي، المتسلبط الذي ينفش ريشه وفاشيته وكراهيته ويكشر عن أنيابه، ويستمر التصفيق والوقوف حتى تصير غزة أرضا بورا، حجارة ورمادا وهيكلا عظميا محترقا، تصفيق للطائرات والصواريخ والتهجير والتجويع والاعدامات والقنص ونشر الامراض الفتاكة، تصفيق لدراكولا العصر الحديث، لسلخ جلود الأطفال وطبخهم في النيران المصبوبة في قطاع غزة، تصفيق، لا توقفوا المذبحة حتى تتبخر الأجساد ويعود الظل الحجري في الزمن الجديد.
دراكولا في الكونغرس الأمريكي، الجميع من حوله يشعر بالخوف والذعر وبلا كرامة، دراكولا يجتث الخوف بالخوف والتخويف بالتخويف، يتصرف كأنه في يومه الأخير، خائف أن تقف الحرب، يتحدث كأنه مصاب بالهلوسة، فقد رأى في غزة موتى يعيشون بعد الممات، ورأى شعبا يحمل أحلامه وأناشيده فوق الرفات، ورأى امرأة فلسطينية تضع مولودها بين قذيفتين فتنجب الحياة فوق صخور النسيان.
يزداد التصفيق الأمريكي والزبد والرغبة الجارفة المكبوتة في الانتقام، تصفيق، لا يريد أن يرى حضورنا خارج القاعة، الأعلام واليافطات والمقاومة، رغبة جارفة لشعب عظيم في البقاء، ولا يزال يهشم في خطابه الدنيا، صخب والتهام للجثث، ولن ينتهي خطاب الحرب حتى يتحوّل كل المصفقين الأحياء إلى جثامين ومن ثم إلى لا شيء، أنه تصفيق امبريالي أمريكي للانحطاط إلى أبعد مدى، لقد حولهم دراكولا إلى جلادين وتافهين، الكل يصفق للجلاد الكامن في نفسه، خانعين ومنصاعين ومن أسفل السافلين.
أمريكا تصفق لدراكولا البلطجي، والقاتل والبهلوان والازعر، أعطته الحصانة والسلاح والمال وأمدته برجال العصابات وبخبرتها التاريخية المبدعة بالتصفيات والتطهير العرقي واقتلاع السكان من أراضيهم وأحلامهم، وقد وصل الكونغرس يحمل لأمريكا الهدايا الكثيرة، الجماجم والأجساد الممزقة، هدايا للأصدقاء الأوفياء، هدايا لأفلام هوليوود المشبعة بالخيالات والأفكار والمتعة والأساطير السوداء، وظلّ يزعق ويتخبط، أنقذوني من بحر غزة، أنقذوني من غضب الأزقة والمخيمات، ويواصل اللعب بالكلمات على حبال السيرك الأمريكي، يحاول أن يخفي الحقائق ويتملص من اللعنة ومن قفص الاتهام، دم المسيح الفلسطيني يطارده في شوارع القدس والجليل والشجاعية.
أيها الأمريكيون: أنا دراكولا، تفوقت على التاريخ، التاريخ في قبضة يدي، وأنا الملك المبعوث من الرب المحارب في الأرض والسماء، وأنا سيدكم الأعلى، أنا الاستيطان والاستعمار والاستباحة ومن حشا أجسام الفلسطينيين بالألغام، أنا القلق الوجودي، المعربد والمتنمر والخارج من مياه المجاري لأغمركم بقذارتي، صفقوا لي، واركعوا لي، لقد دخلت غزة وجنين وبلاطة وقلنديا، دخلت الخيام ورياض الأطفال والمستشفيات وصفوف المدرسة، قتلت الرضع والخدج والطلاب والنساء والعلماء، وجرفت القبور ومسحت الناس مسحا، اسمعوا كلامي لتسمعوا أصوات الانفجارات، انظروا إلى الأضواء الفسفورية الرائعة، ابتهجوا واستمتعوا وارقصوا، النيران طبقات طبقات، ما ألذ صراخ المعذبين العراة في السجون، اسمعوا الارتعاشات وصدمات الاغتصاب، ما أجمل هذا الألم تحت دعسات البساطير وجنازير الدبابات، ما أروع دفن الناس أحياء.
أيها الأمريكيون: انا دراكولا الصهيوني، الحسوا صحوني، انا قلعتكم التي لا غنى لكم عنها، انا التبلي البارع والوقح والشبيح، كل من حولي ركعوا، صامتون مطبعون مخبرون عاجزون ضعفاء، لقد استسلم العرب أخلاقيا، تحولت طبائعهم وعاداتهم وروابطهم، أنا الحيوان الأقوى، أنا نجم الظهر الذي يمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة في المنطقة،
أنا الخراب الكبير، الخارق الذي انتصر على الطبيعة والقانون، أنا الغول والتنين والروح الشريرة، أنا مصاص الدماء، صفقوا للموت الذاتي والخراب النفسي والموت الأخلاقي لليوم التالي في غزة، لا تجعلوني اسقط، مزيدا من التصفيق والإسناد، مزيدا من الجنون، لا تجعلوني أرى مرة أخرى حجرا يقدح الحرية من قصيدة، لا تفرضوا علي أن اتوقف عن ارتكاب مجزرة تتلوها مجزرة، هي غزة تصنع حياتها من لحمها ومن رحمها ومن غيمة عابرة، صفقوا لأني خائف ومفزوع، غزة تبتلعني.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024