معـزز عبيــات ومعاذ عمارنـة..

شاهـدان علـى القهـر خلـف ستائر العتمـــة

مع كل أسير يتحرّر من سجون الاحتلال، تتكشف فصول جديدة ومرعبة من التعذيب والتنكيل والقهر والمعاناة التي يعيشها كل الأسرى من مختلف المناطق، ومن كافة الأعمار، بأبشع أشكالها وألوانها وأنواعها، والتي بلغت ذروتها في الأشهر التسعة الماضية، هي عمر الحرب الصهيونية الوحشية على قطاع غزة.

يعيش الأسرى في سجون الاحتلال منذ بداية حرب الإبادة «بلا حصانة» تحميهم من بطش سجانيهم والمؤسسة العنصرية التي تقف خلفهم، فدور المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية مجمّد، أو غائب منذ تسعة أشهر، وكذلك «رصيدهم كحركة أسيرة» الذي انتزعوه بنضالهم وتضحياتهم، ضربت به دولة الاحتلال عرض جدران السجن، وأصبحت في حلٍّ من أي تفاهمات سابقة.
واستغلت دولة الاحتلال ما حدث في 7 أكتوبر، وحربها الإجرامية، لتصفي حساباتها مع الأسرى، لأنها تعتبر أن لها ثأراً كبيراً معهم، كونهم معتقلين على خلفية مقاومتهم الاحتلال، وهذا ينطبق على جميع المعتقلين قبل الحرب وبعدها، إلا أن الثأر والانتقام اللذين فاقا كل خيال كانا من نصيب أسرى قطاغ غزة.
معزز عبيات بطل كمال الأجسام، والصحفي معاذ عمارنة، أسيران من بيت لحم أُفرج عنهما يوم الثلاثاء الماضي في وضعٍ يُرثى له، إلى الحدّ الذي تغيرت فيه ملامحهما، من هول ما عانياه كباقي المعتقلين في سجون الاحتلال خلال الأشهر الماضية.
تعذيب بحضور بن غفير..
ويروي خليل عبيات، والد الأسير المحرر معزز عبيات (37 عاماً)، تفاصيل ما عاشه نجله من معاناة وتعذيب وتجويع، حيث دخل السجن بوزن 110 كيلوغرامات، وخرج بوزن 55 كيلوغرامًا، فاقدًا للذاكرة وفي حالة جسدية ونفسية صعبة.
وأوضح أن ابنه تعرض للتعذيب الشديد، وخرج من السجن في حالة صحية صعبة، ويعاني من كسور في يديه وقدميه، وحروق في قدميه، وإصابات في رأسه، وفقدان للذاكرة، حيث لم يتعرف على عائلته، بمن في ذلك زوجته وأطفاله ووالداه، ورغم تأكيد الأطباء أن صحته وذاكرته ستتحسنان مع الوقت، فإن حالة معزز النفسية والجسدية صعبة للغاية حتى الآن. ومما رواه الوالد عبيات نقلاً عن نجله معزز أن وزير الأمن القومي الصهيوني المجرم إيتمار بن غفير زار سجن عوفر في شهر ديسمبر الماضي، وأمر بتعذيب معزز، ووضعه في حقيبة سوداء مثل تلك التي يتمّ فيها وضع الموتى، وذلك بعد تقييده بالأصفاد الحديدية في يديه وقدميه ورقبته، واعتقدوا أنه استشهد، ونقل إلى سجن بئر السبع، لكن عندما تبين أنه لم يمت، نُقل إلى سجن النقب وتعرض هناك لمزيد من التعذيب والتجويع.
وأضاف عبيات: «تعرض معزز مع باقي الأسرى لسياسة التجويع، وتمّ رشهم بالماء البارد في الشتاء، كما عانوا من نقص في الأغطية والملابس لمدة 90 يومًا، وحين خروجه من السجن تعرض للضرب بهراوات حديدية، كما أن معزز مصاب بمرض «سكابيوس» الجلدي، وهو بحاجة إلى علاج لعدة أيام.

بطل في كمال الأجسام
وينتمي الأسير المحرر معزز عبيات إلى عائلة مكونة من 11 فردًا وهو الأوسط بين أشقائه، وكان يعمل جزّاراً، كما أنه بطل في كمال الأجسام، وكان يتمتع ببنية جسدية قوية قبل الاعتقال. وقال والده إنه أسماه «مُعَزَزٌ» من باب الدلال والعز. ولدى معزز خمسة أطفال، أكبرهم يبلغ 13 عامًا وأصغرهم يبلبغ شهرين، وكانت زوجته حاملاً في شهرها الأول، ووضعت مولودها قبل شهرين، فيما سبق أن اعتُقل معزز بعد إصابته قبل سنوات، وأمضى في السجن 48 شهرًا، وهذه المرة تعمّد السجانون ضربه في مكان إصابته السابقة.
وفي العام 2002، كان معزز عبيات يبلغ من العمر آنذاك 11 عامًا، وكان أحد الأطفال الذين حوصروا داخل كنيسة المهد في بيت لحم، حيث اضطر معزز ومجموعة من الأطفال إلى دخول الكنيسة بحثًا عن الحماية خلال فترة الحصار الصهيوني، واعتقلوا لأيام وتم الإفراج عنهم، كما أوضح والده. وأكد خليل عبيات أن ما تعرض له ابنه معزز يُعد جريمة كبيرة، معربًا عن خشيته من أن يواجه باقي الأسرى نفس مصير ابنه أو أسوأ منه.
شهادة الصحفي معاذ عمارنة
أما الصحفي معاذ إبراهيم عمارنة، الذي فقد عينه قبل سنوات، جراء إصابته برصاص قوات الاحتلال خلال تغطيته الأحداث في حينه، فقد قدم شهادة حول تفاصيل اعتقاله، وتعرضه للإهانة والتعذيب والإهمال الطبي في سجنَي مجدو والنقب، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية بشكل كبير، خاصة أنه يعاني من مرض السكري، ومن إصابته التي فقد فيها عينه، وأصبح شبه أعمى بعدما تمت مصادرة نظارته. وقال عمارنة (37 عاماً) من مخيم الدهيشة، جنوب بيت لحم: «اعتُقلت من منزلي فجر 16 أكتوبر الماضي، وتعرضت للإهانة والتهديد، ونُقلت إلى مركز عتصيون، وتمّ تفتيشي عاريًا وشاهدت الأسرى يتعرضون للضرب بالعصي، بعدها، نُقلت بالبوسطة إلى سجن مجدو صباح 18 أكتوبر الماضي، برفقة 100 أسير، وكنا نخشى أن يتم نقلنا إلى غزة دون معرفة مصيرنا».

5 أشهر من التنكيل والتهديد والتجويع في مجدو
ووفق عمارنة، بدأت مرحلة العذاب في سجن مجدو بالتفتيش العاري، وقال: «تعرضت للشتائم والضرب والتهديد بالقتل، كحال جميع الأسرى حيث تعرضوا للضرب المبرح في جميع أنحاء الجسم باستخدام العصي والأيدي والأرجل، وتمّ تهديدنا بالقتل والاغتصاب».
وتابع عمارنة: «بقيت في سجن مجدو لمدة خمسة أشهر، منها شهر في قسم 8، والبقية في قسم 1 دون تغيير الملابس أو غسلها لمدة 70 يومًا، وتعرضت لسياسة تجويع وحرمان من الطعام والذي كان شحيحاً جداً، حيث تقدم وجبة لشخص كي يتقاسمها 10 أسرى وربما أكثر».
وأوضح عمارنة أنه عند دخوله إلى القسم 8، لم يتمكن من الوقوف على قدميه من شدة الضرب وعملية النقل القاسية خلال اعتقاله، خاصة أنه يعاني من مرض السكري ولم يتناول أي طعام، وكانت رحلة العذاب والمسافة تستغرق أربع ساعات.
وأضاف: «تعرضت للتفتيش اليومي والضرب، ولم أحصل على علاج لإصابتي برصاصة تستقر قرب الجمجمة، حينما أصبت برصاص قوات الاحتلال الصهيوني قبل نحو خمس سنوات، أثناء عملي الصحفي، كما صودرت نظارتي، ما سبب لي ذلك معاناة كبيرة، وأصبحت شبه أعمى، حتى تم السماح لي بشراء نظارة على حسابي الخاص بعد أربعة أشهر». وتابع معاذ: «خلال فترة اعتقالي، فقدت جزءاً كبيرًا من وزني وصل إلى نحو 20 كيلوغراماً، نتيجة سياسة التجويع، حيث كانت الوجبات غير كافية وغير صحية».
في النقب.. رحلة أُخرى من العذاب
ونُقل معاذ في الثامن عشر من شهر أفريل الماضي، إلى سجن النقب، حيث تعرض للضرب والتفتيش العاري مرة أُخرى، وكانت سياسة التجويع مستمرة، ولكنها ازدادت بعد عيد «الفصح» اليهودي، فيما لفت معاذ إلى أنه عانى من التهابات جلدية، وتم تقديم العلاج له بعد أسابيع من المعاناة والإهمال الطبي المتعمد، وهو ما يتعرض له الأسرى كافة.
يعاني من «سكابيوس» الجلدي المعدي
وعند الإفراج عنه يوم الثلاثاء الماضي، عانى معاذ من الإهانات والمعاملة السيئة، وخرج من السجن وهو مصاب بمرض «سكابيوس» الجلدي، ما منعه من مصافحة أو عناق أحد حتى أولاده ووالدته، كي لا ينقل لهم المرض، رغم اشتياقه لهم، وهو ما زال يتلقى العلاج حتى الآن، وبحاجة لأيام أُخرى.

معزولون عن العالم الخارجي
وأكد عمارنة أنه رغم كل الظروف الصعبة، فإن معنويات الأسرى عالية ويتمنون الفرج والحرية، مشيراً إلى أنهم يعانون من العزلة عن العالم الخارجي، ولا يصلهم إلا ما ينقله الأسرى الجدد أو المحامون. ولفت إلى أنه اعتقل وحاول الاحتلال إلصاق تهمة التحريض به، بسبب عمله الصحفي، وبقي نحو تسعة أشهر رهن الاعتقال الإداري مع وجود «قضية» يحاكم عليها في الوقت ذاته. وقال عمارنة: «كانت هذه أصعب تجربة اعتقال مررت بها، خصوصًا بعد أحداث 7 أكتوبر الماضي، حيث يعاني كافة الأسرى من ظروف صعبة، فيما أسرى غزة يعانون من سوء المعاملة بشكل مضاعف».
رصاصة مستقرة في الجمجمة
وكان الصحفي معاذ عمارنة أُصيب قبل نحو خمس سنوات، وفقد عينه اليسرى خلال تغطيته للأحداث قرب الخليل، في العام 2019، وعانى بعدها مشاكل صحية في عينه نتجت عنها تقرحات وإفرازات. ومنذ ذلك الحين وحتى اعتقاله كان يحتاج لرعاية صحية، خاصة لأن الرصاصة التي أصابته ما زالت مستقرة في جدار الجمجمة ويتعذر إخراجها نظراً لما يشكله ذلك عليه من خطورة، كما يعاني معاذ من صداع شديد، وأُصيب أيضاً بمرض السكري، ويحتاج لرعاية خاصة وعلاج مستمر.
رئيس نادي الأسير الفلسطيني يطالب بتشكيل لجنة تحقيق
بدوره، قال رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري أن ما ظهر من آثار التعذيب والتغيير الجسدي على الأسرى المحررين، خاصة معزز عبيات، يؤكد حجم الجرائم التي تعرض لها الأسرى، مشيرًا إلى أن جميع الأسرى تعرضوا لسياسة استهداف ممنهجة. وشدّد الزغاري على أن محاولة اغتيال عبيات تعبر عن حجم الحقد والانتقام، وهي واحدة من بين مئات الشهادات التي تؤكد استمرار الاحتلال في سياسة التعذيب وتجويع الأسرى، مشيرًا إلى أن ما يعيشه عبيات حاليًا هو تذكره المستمر لمحاولة القتل وآثار الجريمة التي ارتكبت بحقه وزملائه الأسرى. ولفت إلى أن ما يجري بحق الأسرى يمثل مؤشرات خطيرة تنذر باستقبال أسرى آخرين بأوضاع سيئة وصعبة.
مشاركة بن غفير شخصياً في تعذيب الأسرى
وتطرّق الزغاري إلى مشاركة بن غفير شخصياً في تعذيب الأسرى في سجن «عوفر» وفق رواية عبيات، مؤكداً أن بن غفير زار عدة مرات سجنَي عوفر والنقب، واستغل الحرب على الشعب الفلسطيني لتنفيذ سياسات تعذيب بحق الأسرى. وأكد أن حكومة الاحتلال اليمينية المتطرّفة تشكل خطورة ليس فقط على الفلسطينيين، بل على المنظومة الدولية بشكل عام. وأشار الزغاري إلى أن الأسرى يمرون في أصعب مرحلة في تاريخ الحركة الأسيرة، مطالباً بتدخل دولي وتشكيل لجنة تحقيق حول ما يجري، خاصة بحق أسرى قطاع غزة الذين يتعرضون لجرائم مضاعفة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19528

العدد 19528

السبت 27 جويلية 2024
العدد19527

العدد19527

الخميس 25 جويلية 2024
العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024